اخبار العراق الان

شغل باب الآغا !

شغل باب الآغا !
شغل باب الآغا !

2018-09-04 00:00:00 - المصدر: الصباح


ويقول البغادة: شغل باب الآغا، كناية عن رداءة الصنع، والمثل هذا شهير وسائر على أفواه العامة ومرده أن سوق محلة باب الآغا كان من أوسع أسواق بغداد القديمة وكانت تباع فيه البضائع والآلات والخضر والفواكه واللحوم والاسماك، لكنما يبدو أنه غلب عليه الصنّاع والحرفيون الرديئون حتى طمغت أشياؤه بميسهم فصاروا يقولون: شغل باب الآغا، كناية عن سوء الصناعة، سواء في النجارة أم غيرها. غير أن الطريف في الأمر كون البغادة أنفسهم يقولون أيضا في معنى مناقض: مثل خبز باب الآغا، حار ومكسب ورخيص، وهذا المثل ذائع حتى اليوم، ولربما استخدم بحذف اسم باب الاغا ليكون بصيغة "حار ومكسب ورخيص"، كناية عمن يطلب شيئا نادرا من دون أن يبذل ما يوازي ندرته أو أهميته. تسمع لأحدهم فيقول مثلا لآخر: أنت تريده حار ومكسب ورخيص، تره ماكو هيج شي بهالزمن!
 مرد الطرافة هنا أن خبازي باب الآغا يبدون نقيض الحرفيين المنتشرين في سوق المحلة، فهم يصنعون خبزا رائعا يصلح للغموس والتشريب وهو ساخن دائما بسبب الزحام عليه كما يقولون.
رديف المثل الأول، شغل باب الآغا، ما زال البغادة يقولون كناية عن سوء الصنع: هذا شغل سوكي، وترد الكناية في سياق التقليل من قيمة هذا المصنوع أو ذاك. تلاحظ متفحص طقم أرائك أو غرفة نوم، فإذا به يضرب على الخشب ويقول مقللا من شأن ما يفحص: أي.. هذا شغل سوكي ما يسوه! وقولهم "سوكي" نسبة إلى السوق، كما يفسر الفولكلوريون ومدونو الأمثال، غير أنه يخطر في ذهن داعيكم أن النسبة قد تكون إلى "السُوقة" وليس إلى السوق، والسُوقة مفردة تستخدم للمفرد والجمع وتطلق نعتا على
 العامة.
وقد يعرفهم بعض المعجميين بـ"أراذل الناس"، وعبارة "أراذل الناس" تشير للشريحة الفقيرة من العمال والحرفيين الصغار والحمالين والبنائين. ويخيّل إلي أنه من مفردة السُوقة صِيغ نعت "السوقي" كنقيض
 للمتحضر. 
نسمع اليوم كثيرا من يقول لأحدهم في سياق انتقاد تصرف معين له: لا تصير سوقي، أو كلامك سوقي، بمعنى ألا تتصرف خلاف قيم التحضر ولا تفكر بمنطق
 العامة. 
بالعودة إلى كناية "هذا شغل سوكي"، فإن الكناية قديمة وليست من مستحدثات اليوم، ويبدو أنها تعود إلى العصر العباسي بدليل وردوها عند ابن الأعرابي بقوله: إذا أردت عملا سوقيّا.. مدمهقا فادعُ له سلميّا، ونعت "المدهمق" هنا يعني، بحسب ما يشير السياق، إلى معنى غير المجوّد أو الردئ الصنع، وهو المسمى عندنا بالعامية "شغل شلّالي" أو "شغل طك اعطيّه"، أو كما يشيع مؤخرا "نص ردن" المرادف لكناية "نص كم" المصرية، ولعلي عائدٌ في ما بعد للكنايات الأخيرة فانتظروا.