اخبار العراق الان

شكوى

شكوى
شكوى

2018-09-24 00:00:00 - المصدر: الصباح


الكاتب:حسن العاني

24/9/2018 12:00 صباحا

نحن أصحاب القلم كما يُقال، نكتب كل شيء وعن أي شيء، ولكننا لا نحسن كتابة مظلمة او شكوى او عريضة، ولذلك يوم اردتُ تقديم شكوى الى إحدى الجرايد بعد تعرضي الى ظلم اداري، أمضيت ليلتين وانا اكتب وامزق، حتى استقرت قناعتي عند صيغة بدت لي مقنعة، وهكذا حملت شكواي مكتوبة بكل تفاصيلها وملابساتها، وهي وإن كانت مكثفة ومختصرة، ولكنها واضحة وتفي بالغرض، وتوجهتُ بها صباح اليوم الثاني الى صحيفة يومية تستقبل تظلمات المواطنين وشكاواهم، والحقيقة فأنا لم أُقْدم على مثل هذه الخطوة، الا بعد ان راجعتُ دائرتي ومؤسستي ووزارتي، وشرحت لهم طبيعة الغبن المؤذي الذي لحق بي، اي انني سلكت في البداية الطرق الرسمية والاصولية، ولكنني لم أحصد من مراجعاتي الطويلة سوى التعب...

يومها وأنا أقف أمام موظف استعلامات الجريدة – كنت حديث عهد بالعمل الوظيفي- سألني الرجل: ماذا تريد؟ فأجبته: أريد ان اشتكي.. ولم يدعني انتهي من جملتي، حيث اشار لي بيده وهو يقول: إذهب الى فلان مسؤول الشكاوى... ودخلت على فلان فاستقبلني من دون سابق معرفة استقبالاً حاراً لا يتناسب مع موظف صغير في السن والخدمة مثلي، وطلب مني الجلوس بلطف، ثم أمَرَ (الفراش) بلغة رقيقة ان يتولى خدمة الضيوف، وما هي الا دقيقة وقد حضر الشاي والماء أمامي.. يا له من رجل شكاوى يتحلى بأعلى درجات التهذيب والانسانية، بحيث شجعني على تقديم الطلب او الشكوى له، من غير ان ينتابني حرج، او شعور بالتكلف، ولكن الرجل قال لي برجاء: احتفظ بالطلب الان... اريد سماع القضية منك مباشرة!!
بدأت اتحدث عن مشكلتي، وانا استشهد بالأرقام والتواريخ والحقائق والاوراق الرسمية واسماء الشهود، وهو يصغي الى حديثي بانتباه شديد، وبين الحين والحين الاخر، يبدي دهشته من تصرفات دائرتي، وما لحق بي من حيف.. وكنتُ مع مرور الوقت ومواصلة الكلام والحوار، ازداد تعلقاً واعجاباً به، وهو يهز رأسه غاضباً ويؤكد لي إن ما حصل معي هو عدوان مقصود.. حتى شعرت من موقفه النبيل بمشاركة وجدانية افرحتني وازاحت عن صدري كابوس القهر والالم!!
حين انتهيت من ايضاح الصورة كاملة، قدمتُ له الشكوى من جديد، ولكنه بلطفه العظيم قال لي (لا داعي الى هذه الورقة، فقضيتك واضحة، ولا غبار عليها وانت مظلوم بالتأكيد، وبما ان العقوبة الصادرة بحقك من المدير العام وتم استحصال موافقة الوزير عليها، فالقضية تحتاج الى ظهر اقوى من الوزير)، ثم سألني ان كنتُ ارغب بسيجارة فاعتذرتُ: وبعدها تحدثنا عن دوري كرة القدم.. وغادرت المكان وانا مسرور، وتحسست جيبي فعثرت على الشكوى وواصلت طريقي الى البيت!!
فاتني التنويه، إن ذلك كان في شباط 1980، وقبل بضع سنوات تقدمت بشكوى جديدة، وقد سألني الموظف المسؤول (موضوعك صعب ويحتاج الى ظهر قوي.. اقصد جنابك لأي حزب منتمي؟!) فعدتُ ادراجي الى البيت والشكوى في جيب سروالي الخلفي...