القصة الكاملة لتنصيبه: عبد المهدي بوجه المدفع .. مرشح فرضته المعطيات السياسية
نيونيوز/ خاص
حسم الشيعة امرهم مبكرا هذه المرة في ترشيح عادل عبد المهدي لمنصب رئيس الوزراء، حتى قبل حسم السنة والكرد لمناصبهم السيادية الذين خاضا صراعا عميقا وانقسموا بشكل جلي الى قسمين متنازعين، في العلن لم يتنازع الشيعة ولم ينقسموا، مثل ما فعل السنة والكرد وبدوا متفاهمين منسجمين مجمعين عليه، لكن الباطن كان يخفي امرا اخر، فالصراع انفتح على بواباته الأربعة وكان شرسا الى حد بعيد، منافسو عبد المهدي كان لهم حضورا بالغا وتأثيرا عميقا في حركة المفاوضات، فما الذي رجح كفة الرجل لتسلم المنصب الوثير ؟
العامري أولا المالكي ثانيا الفياض ثالثا ..!
مرت تسمية عبد المهدي بمنعطفات مثيرة، بدأت منذ اعلان نتائج الانتخابات، حينها لم يكن اسم الرجل مطروحا على الطاولة، بل وصل عدد منافسيه الى ثمانية مرشحين اتسموا بصفة حزبية وأخرى إقليمية، فتقارب القوى الفائزة من بعضها وخلو الساحة من لاعب منفرد بعدد المقاعد شجع الجميع على طرح مرشحيهم للتنافس، المرشح الأبرز الذي حاول سحب البساط من طموح الولاية الثانية لرئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، كان هادي العامري الرجل الذي بدا جاداً هذه المرة؛ حيث يقول أحد المقربين منه " لم أرَ العامري من قبل متحمسا لمنصب تنفيذي كما رأيته بعد الانتخابات، كان يقول في جلسات خاصة ان الجميع راغب به رئيسا للوزراء الا مقتدى الصدر، وكان يقترح التقرب منه أولا قبل التقرب من الاخرين".
كان العامري يعتقد ان الصدر سهل الاقناع وبالإمكان استمالته سياسيا من خلال الخطاب والحماسة والشعارات فقط، لا سيما ان الصدر يخشى اقحام نفسه او من يحسب عليه في الحكومة المقبلة، مازال الصدر راغبا بوضع مسافة امان بينه وبين المنصب التنفيذي فالرجل لا يثق تماما بنجاح الكابينة الوزارية المقبلة، لذا فانه سيحتفظ بالتكتيك السياسي المعتاد، وزراء تكنوقراط من خارج الكتلة الصدرية لا يتحمل فشلهم لكنه سيجني ثمار نجاحهم.
التقى الصدر بالعامري مساء يوم السابع والعشرين من شهر رمضان الفائت، وأبلغه رسميا انه يرغب بترشيح مستقل كفوء لمنصب رئيس الوزراء، خرج العامري من الصدر متجهم الوجه لا يرى ان ما يحمله رأس الرجل يتناسب مع طموحاته السياسية، لكنه قرر حينذاك أن يبقي التحالف الشكلي تحت اليد، عسى ان تتغير الصورة.
بعد اللقاء الشهير الذي انتهى بإعلان مفاجئ بتحالف الصدر مع العامري، بدأت اطراف من الفتح بتقديم اسم المالكي مرة أخرى كمرشح لكسر العظم، ولم يكن طرحا جادا من قبل الأطراف المختلفة انما كان تمهيدا لطرح مرشح التسوية، ومن غير جدال فان التسوية ستمر عبر الرجل الغامض فالح الفياض ، "Mr yes" مثلما يطلق عليه سرا بين الاروقة السياسية، فمعروف ان الرجل يوافق على أي شيء مقابل المنصب، فهو لا يهتم بالمحتوى بقدر اهتمامه بالعنوان، في المقابل كان المالكي حاذقا فهو يعلم ان فرصه معدومة محليا قبل ان تكون دوليا وإقليميا، لكنه لا يريد ان ينتهي الامر بمرشح من خارج الدعوة، ولأن الرجل على خلاف عميق مع العبادي ذهب الى طرح اسم القيادي في الحزب ومدير مكتبه سابقا طارق نجم.
العبادي حائرا ..!
كان رئيس الوزراء حيدر العبادي مطمئنا، ويعتقد ان الولاية الثانية قاب قوسين أو ادنى، فهو يحظى بقبول أميركي-عربي، فضلاً عن دعم صدري سني، حتى انه كان يتصرف في تصريحاته ومواقفه السياسية على هذا النحو، احد مستشاري العبادي يقول "كان العبادي يعطي أوامره الى الجميع كأنه رئيس للوزراء في المرحلة المقبلة، وكان يقضي وقتا كبيرا للتباحث مع مستشاريه، لطرح أسماء قادرة على تولي المسؤولية في الكابينة الوزارية المقبلة"، العبادي ليس حصيفا بما يكفي وهي ابرز مساوئه السياسية، فضلاً عن ضعف حضوره داخل قائمته (النصر) والتي أخطأ سياسيا كما يرى مراقبون في تأسيسها على أساس من التشظي، وفعلا مثلما كان متوقعا انتهى الامر بالنصر الى تشظٍ مبكر، أودى او ما اودى بحظوظه لولاية ثانية، وفي هذا السياق كان مبعوث رئيس الإدارة الأميركية في العراق بريت ماكغورك يطرح اسم العبادي بشكل حثيث وواضح على الفرقاء السياسيين ويعلن ان العبادي يحظى بقبول أميركي ويدعوهم الى الاتفاق عليه، الا ان ايران كانت ترغب بمرشح اقرب اليها من العبادي، مع الأخذ بنظر الاعتبار انهم لا يمانعون في ترشيحه بشروط. انحدرت حظوظ العبادي واخذت بالتلاشي التدريجي مع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الشعبية في البصرة.
البصرة تقلب الطاولة ..
في مقتبل شهر تموز الماضي ارتفعت حدة الاحتجاجات الشعبية في البصرة ، وبلغت ذروتها في ليلة الثالث عشر من تموز حينما لقي متظاهر مصرعه بعد اصابته بعيارات نارية اطلقتها القوات الأمنية على محتجين حاصروا الابار النفطية في الرميلة ، احتجاجات عارمة وضعت المفاوضات السياسية على المحك هذه المرة حيث كان واضحا الغضب الشعبي العارم على الأطراف السياسية كافة حينما حرقت اغلب مقار الأحزاب والحركات السياسية هناك ابرزها مقرات الفصائل المسلحة ذات الاجنحة السياسية ، حيث بدا واضحا انهيار القداسة الشعبية والحصانة المجتمعية التي فرضت على تلك الفصائل ، الاحتجاجات العارمة كانت لغزا كبيرا لدى الأحزاب السياسية حيث انها وللمرة الأولى تبدو حركة عفوية غير منظمة ولا رأس فيها لاجباره على التفاوض او التنازل ، انتهت الاحتجاجات ليلة التاسع من أيلول الماضي حينما حرق محتجون غاضبون مقر القنصلية الإيرانية في البصرة ، حينها ادركت القوى السياسية انها تمر باختبار صعب قد يودي بمستقبلها السياسي ، فلا حصانة شعبية ولا دينية ولا حتى سياسية يختبئون خلفها .
الخمسة لا يصلحون ..!
اشعرت المرجعية القوى السياسية علانية بعيد الانتخابات باسبوعين ، انها تقف هذه المرة مع مطالب الجماهير ، وحددت مواصفات رئيس الوزراء المقبل ، مستقل حازم وشجاع ، هكذا صرخت بصوتها المبحوح بوجه القوى السياسية ، وأجبرتها على الرضوخ ، بل اجهضت كل المحاولات لتصدير رئيس وزراء يتناغم ورؤيتها للمرحلة المقبلة ، وهي بكل الأحوال لا تختلف عن الرؤية السابقة ، يقول قيادي في تيار الحكمة الوطني في حديث لـ(نيونيوز ) "ان المرجعية كانت حاسمة هذه المرة لا سيما في رسالة المرشحين الخمس ، حيث أرسلت ايران عبر قاسم سليماني الذي ظل بحركة مكوكية بين الأطراف السياسية كافة ، رسالة الى المرجع الأعلى علي السيستاني يقترح عليه خمس أسماء لرئاسة الوزراء وهم (نوري المالكي ، فالح الفياض، حيدر العبادي ، طارق نجم ، هادي العامري ) ليعلق المرجع بحزم (الخمسة لا يصلحون ) هنا طرح اسم عادل عبد المهدي للمرة الثانية بعد ان طرحه مقتدى الصدر في بداية شهر حزيران الماضي على استحياء ، لملم الصدر عباءته وذهب الى شارع الرسول حيث منزل المرجع الأعلى ليخرج بعد ثلاث ساعات وفي جعبته خبر تنصيب عبد المهدي ، ارسل الصدر على الرجل في اليوم التالي واجتمع به واخبره ان المرجع يريده رئيسا للوزراء، واشترط عليه حكومة مستقلة تكنوقراط ، لم يمانع عبد المهدي لكنه رأى ان تحييد الأحزاب عن تشكيل الحكومة سيضعف حظوظ النجاح فيها ، اقترح في الاثناء مقرب من الصدر ان يتم ترشيح خمس أسماء على الأقل من قبل الأحزاب بمواصفات خاصة ويترك الامر لعبد المهدي للموافقة او الرفض ، فوافق الجميع على المقترح .
في ظهيرة يوم الثاني عشر من أيلول التقى الصدر بالعامري وابلغه برغبة المرجعية ، وكان العامري يعرف ان لا خيار امامه الا الموافقة ، طرحت عليه الالية فوافق مضطرا .
عبد المهدي على المنصة ..
سمي عبد المهدي مرشحا للكتلة النيابية الأكثر عددا على الرغم من عدم موافقة حزب الدعوة واجنحة في تحالف الفتح ، وفرضت عليهم الية تشكيل الحكومة ، ايران وأميركا اذعنوا للأمر ، ونقلوا رهانهم الى الكابينة الوزارية فالسعي تحول الى الثقل الأكبر في الكتلة الوزارية هذه المرة ، يبدو عبد المهدي الخيار المثالي هكذا يرى بعض المراقبين ، حيث انه جزءا لا يتجزأ من المنظومة السياسية ، ويعرف تماما من أين تؤكل الكتف ، ويمتاز ببعض المواصفات التي تمكنه من النجاح من داخل المنظومة ، عبد المهدي الذي طرح اسمه منافسا على المنصب منذ عام 2005 استقال من حكومة حيدر العبادي والمجلس الأعلى منذ عام 2015 وتفرغ للكتابة والتنظير وكان يقر باستمرار بفشل التجربة السياسية بعد عام 2003 ، يتفرد الرجل بصفة نادرة لدى رجالات النظام السياسي في العراق ، فهو يرفض الانخراط بالمنظومة مالم تتوافر شروط النجاح ، سريع الاستقالة وليس لديه الرغبة في الاستمرار في وضع مربك ، تنطبق عليه المقولة الشهيرة (المفلس في القافلة امين ) لا يخوض الصراع السياسي عبر بوابات العنف فهو يمقت العنف ولا يجنح اليه ابدا ، لكن السؤال الكبير ، كيف سيُخضع الأحزاب لاسيما المدججة منها ، الى منظومة الدولة الجديدة ، وكيف له ان يوازن العلاقة الثنائية المربكة بين ايران وامريكا ، عبد المهدي في وجه المدفع فمن سيقف الى جانبه ومن سيدفعه للانتحار السياسي .؟