اخبار العراق الان

الأحلام تتطلب الشجاعة

الأحلام تتطلب الشجاعة
الأحلام تتطلب الشجاعة

2018-10-21 00:00:00 - المصدر: وكالة الحدث الاخبارية


  عَلَى قَدْرِ أَهْـلِ العَزْمِ تَأْتِــي العَزَائِـــــــمُ  وَتَأْتِــي عَلَــى قَدْرِ الكِرَامِ المَكَـــــــــارِمُ لطالما تغنيتُ بهذا البيت مادحةً ذاتي على عزيمتها وإصرارها رغم ما مر بها من صعوبات وعقبات واحزان كانت كفيلة بأن تمزقني وتجعلني أهوي على الأرض ولكني لم أفعل ولله الحمد . كنت أرى أن ما خضتُه في حياتي يعني شجاعة ولا يوجد من هو افضل مني ... فبعد أن تحطمَت أحلامي وتركتُ بلدي واضطررتُ لتعلم لغة البلد الذي هُجرتُ إليه لأكمل دراستي حتى سنحت لي الفرصة بأن أضع قدمي على أول السلم وزملائي الذين كنت ادرس معهم عبروا مرحلة البكلوريوس ليشقوا طريقهم المهني ....   ومع ذلك بدأتُ بلغة غير لغتي وكنت قد تعلمتَها وخضعت لإختبار دخول الجامعة ونجحتُ فيه بجدارة ولكني ما زلت اجد صعوبة في فهم الدروس ومصطلحاتها العلمية ومع ذلك واظبت على حضورها عسى أن أتأقلم وأعتاد على الأمر .   كان الجو غائما حينما جلستُ مع صديقاتي في فترة الإستراحة لتناول الغداء ثم هَرعتُ مسرعة الى الدرس التالي  الذي كان يجمع طلاب المرحلة الاولى من كل الاقسام " درس مشترك " جلستُ بجانب رفيقة لي وتحادثنا قليلا حتى جاءت الدكتورة وأعطَت لكل طالبين ورقة فيها نصين باللغة التركية وعلينا إيجاد الأخطاء وتصحيحها وهكذا بدأ الدرس الأمطار تهطل وتعزف أجمل الألحان في الخارج ونحن نقرأ النص وكل جملة بصوتُ مرتفع ونصححها وأنا قلقلةٌ لأني أخشى أن تطلب مني أن ارفع صوتي أمام الطلاب فاتلعثم ... ثم بدأَت طالبة أخرى بالقراءة وشدني صوتها فنظرت إليها فوقعت عيني على الشاب ذا التعابير الجامدة الذي يجلس بجانبها حيث ظننتُه للوهلة الأولى من الاتراك .   وبعد أن أتمَت الجملة طلبَت الدكتورة منه إكمال النص  فأجابها : لا أستطيعُ القراءة  وحينما سألَته عن السبب أجابها : دماغي معطل !  هذه الجملة يستخدمها الأتراك للدلالة على التعب والمزاح أحيانا فضحك الجميع ومعهم الدكتورة فقالت له : أتقصد أن رأسك يؤلمك ؟  فأجابها : كلا أنا مريض قلتُ لكِ أن دماغي فيه خلل ..  طلبَت منه أن يشرح فأخبرها أن فيه مرض ولا يمكنه قراءة أي شيء وليس فقط باللغة التركية بل حتى " العربية " هنا صُدمتُ فاستدرتُ فورا أنظرُ إليه وكان وجهه يحمل نفس التعابير التي لا تدل على الغضب أو الإحراج كأنه اعتادَ على هكذا مواقف ! ساد الصمت قليلًا قبل أن تعودَ لسؤاله : كيف تدرس الإقتصاد إذن ؟  أجابها : بشكل سماعي أحفظ الدروس وأفهمها ... فسألَته وعلامات الذهول تبدو على وجهها : أين تعلمتَ اللغة التركية؟  أجابها باسم المكان ... وهنا انتهى الحوار وبدأ القراءة طالب آخر واستدرتُ أنا لأضع عينيَ في ورقتي فانهمرت منهما دمعة لم أعرف سببها !  حقا لم أعرف ... ربما لأنني وجدتُ نفسي صغيرة أمام هذا العملاق والنفس العظيمة التي لم تهتز حينما ضحك الجميع عندما قال " دماغي معطل " وظنوه مزاحاً ...  صرتُ أتأمل شجاعته وكيف أبى أن يحطم أحلامه ويتخلى عنها رغم مرضه وهجرته ها هو الآن يكمل دراسته ... وهنا تذكرت فورا أنه فعلًا من ينطبق عليه البيت الذي ذكرته في أول القصة  كبُر الشاب في عيني وصغرتُ نفسي بعيني ... علمتُ فيما بعد أنه يعاني من شلل دماغي يُفقده القدرة على بعض النشاطات ومنها القراءة !!!     " الأرادة هي سر العيش بكرامة والأحلام لا تليق إلا بأهل العزم "