اخبار العراق الان

ترامب وخاشقجي وانسانية المال

ترامب وخاشقجي وانسانية المال
ترامب وخاشقجي وانسانية المال

2018-10-21 00:00:00 - المصدر: وكالة الحدث الاخبارية


  مرت أيام على اختفاء الصحفي السعودي «جمال خاشقجي»، وانشغل العالَم بذلك الاختفاء، فلم تبقَ صحيفة أو فضائية أو موقع إلا وشنّفَ أسماعنا بروايات من كل شكل ولون؛ فمن اختطافه ونقله إلى السعودية كما نقلت إذاعة BBC عن بعض الإعلاميين في 3 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ثم أعلن موقع الخليج أون لاين أن وكالة رويترز نقلت عن مصدر سعودي في 10 أكتوبر الحالي، مقتل «خاشقجي» بجرعة مخدرة زائدة داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وأخيرًا تقطيعه بمنشار عظام كما زعم مسؤول تركي، رفض الكشف عن اسمه لشبكة CNN، وكل ساعة تمر يظهر خبر جديد يعلنه مصدر يرفض الكشف عن اسمه.   وأخذ الموضوع يتنامى بسرعة كبيرة، مثل كرة الثلج حتى حاز اهتمام الأمم المتحدة، وكبرى العواصم؛ مثل واشنطن، ولندن، وباريس… وغيرها من الدول، بل وصل الأمر أن تلقت المملكة العربية السعودية تهديدات من القيادة الأمريكية بسبب اختفاء «خاشقجي» داخل القنصلية السعودية في تركيا حسب الرواية المشهورة.   بالطبع لسنا مع سفك دم أي إنسان سواء الصحفي السعودي «جمال خاشقجي» المختفي أم غيره، ولسنا هنا بصدد توجيه الاتهام لجهة معينة متمنين أن ينكشف ذلك الغموض سريعًا، ويُحاسب كل من تسبب بضرر للمذكور، وخصوصًا أن كل ما نسمعه من روايات لم تصدر أحدها من مصدر رسمي، لكن ما أثار اشمئزازي هي نوبة الإنسانية التي أصابت الرئيس الأمريكي فجأة، شعرت أن رئيس البيت الأبيض فقد أحد أولاده فلا يهدأ له بال، ولا يرف له جفن، ولا يقر له قرار؛ بسبب اختفاء «خاشقجي»؛ فأَزْبَدَ وأرعد متقمصًا دور القاضي العادل، والمدافع المخلص عن البشر وكرامتهم.   هنا يحضرني تساؤلان؛ أولهما بلا عتب وهو: لماذا نوبة الإنسانية لم تصب السيد «ترامب» وهو يشاهد يوميًا آلاف السوريين يموتون بشتى الطرق جوعًا وقصفًا وتشردًا؟ لماذا لم يصرف جزءًا من إنسانيته لشعب يتقاذف البحر جثث أهله؟ والموضوع السوري أسهل بكثير من موضوع الصحفي المفقود؛ لأن الرئيس «ترامب» والدول المنددة باختفاء «خاشقجي» يعلمون مَنْ هي الأطراف التي ذبحت سوريا وأهلها، وبإمكانهم محاسبتهم، بينما تركوهم يوغلون بالدم السوري، لماذا لم نشاهد نفس تهديداته ووعيده للسعودية بحق من نفذ إبادة جماعية بالمعنى الحرفي بحق الشعب البورمي.   ألم تهتز مشاعر الرئيس الأمريكي وهو يشاهد شعب العراق يعيش حياة العصور الحجرية على يد حكومة جاء بها من سبقه في حكم بلاده؟ ولم يحاول تصليح أخطاء من خلفهم، ألم تستفز إنسانيته جرائم جيشه بحق العراق وشعبه؟ وقد فعل العجب العجاب؛ فقتل النساء وحرقهم، كما حصل مع «عبير الجنابي» وفضيحة سجن أبو غريب، وجريمة بلاك ووتر… وغيرها من الحوادث، وإطلاق العنان لتفتيت المجتمع، ولا ننسى قتل العشرات ممن يعملون في نفس مجال المفقود «خاشقجي».   فالعراق يتصدر البلدان التي يُستهدف فيها الصحافيين والكثير من الفظائع في بلدان أخرى، وليس العراق فحسب، فلا يسع المكان لذكرها، أين إنسانيتك من كل هذا؟ أم إنك حسبت حادثة اختفاء «خاشقجي» بعقل التاجر فوجدت أن في الأمر صيدًا ثمينًا؛ نعم حركك المال فالصيد في الماء العكر مربح رغم قذارته، لكنه يكشف الحقيقة أكثر، فالإنسانية الأمريكية يحركها المال والمصالح لا غير.   أما تساؤلي الثاني؛ الذي يملؤه العتب فهو لإخوتي في البلدان العربية، ما لكم صدقتم من خذلكم وإخوتكم في فلسطين والعراق والسودان لسنين؟، ما لكم اتخذتم كلامه قولًا فصلًا؟ هل نسيتم جرائمه ومن سبقه بحق شعوبنا؟ هل نسيتم كيف يُرخصون دماءنا؟ كيف تنطلي عليكم مثل هذه الألاعيب؟، منذ سنين طوال نُقتل أمام أعينهم ولا يرف لهم جفن، فلماذا الآن نصدقهم؟ فمثل هؤلاء لا يُصدقون وإن صدقوا.   صار الحديث عن اختفاء «جمال خاشقجي» مقرونًا بكلام الرئيس الأمريكي، فصار الكثير من الناس أو السياسيين والإعلاميين كلما تحدثوا عن الأمر يستدلون بذلك الكلام، بل تحوّل الأمر، وكأنه قضية أمريكية وليس اختفاء مواطن سعودي، لماذا نرتضي دائمًا أن يكون قرار قضايانا بيد غيرنا؟ روسيا تقرر في الشأن السوري، وفرنسا تقرر الوضع الجزائري، والعراق يقوده بالمناصفة أمريكا وإيران.   ودول أخرى على هذه الشاكلة، وأخيرًا قضية الصحفي المُختفي، أيضًا تزعمت أمريكا موضوعه، وصارت تُطالب بسلامته وكشف مصيره، وشعوبنا متفاعلة مع كلامها، ولم يتساءلوا مع الأسف، لماذا «ترامب» مُهتم بهذا الأمر؟ هل حُبًا بنا وبحقوقنا، أم لغاية أخرى؟!   لا نقبل الضرر لأحد ولا نتمنى فقدان أي انسان كما ذكرت في البداية، لكن بنفس الوقت لا نرتضي أيضًا أن تُستغل الأحداث التي تطرأ علينا، وتكون مسوغًا للتدخل الخارجي، وانتهاك خصوصياتنا، وسيادتنا، والتقليل من حجمنا، وجب علينا الانتباه من دس السم بالعسل، وأن لا نرتضي اللعب على جراحنا، واستغلال قضايانا، واستثمارها لصالح المنتفعين، بل تحويلها إلى تجارة يتم مساومتنا فيها، فنحن نمتلك من الوعي والتجارب معهم ما يكفي لكشف هذه الحيل