اخبار العراق الان

إحياء عملية السلام بين العمال الكوردستاني وأنقرة طريقاً لإنقاذ شرق الفرات

إحياء عملية السلام بين العمال الكوردستاني وأنقرة طريقاً لإنقاذ شرق الفرات
إحياء عملية السلام بين العمال الكوردستاني وأنقرة طريقاً لإنقاذ شرق الفرات

2018-12-27 00:00:00 - المصدر: رووداو


الحلقة القادمة للصراع السوري التي يتم الترويج لها دولياً عنوانها "شرق الفرات" التي يتم التجهيز لها إقليمياً ودولياً هذه الأيام وتُدق طبول حربها دون التطرق للخسائر البشرية في صفوف المدنيين أو تدمير البنية التحتية المحتملة تماماً كما حصل في بقية المناطق السورية طيلة السنوات المُنصرمة من عمر الثورة السورية. 

شيئاً فشيئاً تتوضح معالم معركة شرق الفرات من خلف الكواليس عبر التصريحات القادمة من أنقرة وموسكو وواشنطن، فالتغريدات السياسية لقادة هذه الدول توحي بوجود اتفاق ثلاثي غير مُعلن بينها، وما سيجري في قادم الأيام ليس سوى الآلية التنفيذية لترجمة هذا الاتفاق على أرض الواقع وفرضه على الخريطة السياسية والعسكرية السورية كما حصل في بقية المناطق السورية التي جرى تسليمها من طرف إلى طرف عبر تسويات ومصالحات تمّ إمرارها في مسارات أستانة وسوتشي.

الاختلاف الأبرز لمنطقة شرق الفرات عن باقي المناطق هو عدم قدرة الدول الثلاث تركيا، روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على فرض قراراتها السياسية على حزب الاتحاد الديمقراطي (الكُردي السوري) المُرتبط جذرياً بحزب العمال الكُردستاني (الكُردي التركي)، على عكس قوى المعارضة السورية والنظام السوري التي تتلقى دعمها السياسي والعسكري من كل من أنقرة وموسكو وتُنسق معهم على مستوى عالٍ، في حين أنّ قوات سورية الديمقراطية التي يُسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي - كانت - تتبع فقط عسكرياً للتحالف الدولي بقيادة واشنطن في ظل غياب كامل لأي تنسيق سياسي بين الجانبين سبق وصرّحت به قيادات قسد مراراً. 

غياب هذا التنسيق السياسي بين قسد وواشنطن يفتح الباب أمام فعل عسكري كبديل عن الفعل السياسي لفرض الاتفاق السياسي المذكور أعلاه بين واشنطن وموسكو وأنقرة، وفق الأدوار الموزعة التي تمّ الإعلان عنها، حيث تقوم واشنطن بوقف الدعم العسكري بذريعة انتهاء الحرب على داعش، وتلتزم روسيا الصمت في حين تشن أنقرة الحرب على منطقة شرق الفرات.

الخسائر البشرية والمادية ستكون وفق هذا المخطط من نصيب الشعب السوري بكُرده وعربه من جهة ومن نصيب قوات سورية الديمقراطية وفصائل المعارضة العسكرية المُتحالفة مع تركيا، كما حصل سابقاً في منطقة عفرين ولكن هذه المرّة بشكل أكبر وأشد ما يُنذر بنتائج كارثية على المنطقة.

ولكن السؤال الأبرز هو هل ستصب هكذا حرب في مصلحة الشعب السوري الذي يطالب منذ سنوات بالتغيير الديمقراطي وتغيير نظام الحكم في دمشق؟ وهل من سبيل لتجنيب المنطقة هكذا حرب مُدمّرة تصب في النهاية لصالح القوى الكبرى في العالم؟ مطالبات فك الارتباط بين حزب الاتحاد الديمقراطي والعمال الكُردستاني لن يُكتب لها النجاح نظراً لتركيبة القضية الكُردية في الشرق الأوسط والتي تعود جذورها إلى القرن الماضي وسياسات القوى الاستعمارية التي أفرزت الواقع الحالي للقضية الكُردية، فهناك دوماً ارتباط عبر الحدود بين بعض الأحزاب الكُردية وهذا ينطبق على سبيل المثال أيضاً على الحزب الديمقراطي الكُردستاني – سوريا المتحالف مع المعارضة السورية والتابع بنفس الوقت للحزب الديمقراطي الكُردستاني العراقي بقيادة زعيمه مسعود البارزاني الذي بدوره بنى منذ سنوات علاقات اقتصادية وسياسية وطيدة مع القيادة التركية الحالية. لذلك للقضية الكُردية خصوصيتها في المنطقة والتي تستوجب دقة عالية في التعامل معها في حال تداخلها مع قضايا بقية الشعوب كما في الحالة السورية.

أزعم أنّ مفتاح الحل والسبيل الوحيد لتجنيب المنطقة هكذا حرب يكمن في العودة إلى دهاليز الصراع القديم المُتجدد بين أنقرة وحزب العمال الكُردستاني، عبر العودة إلى المسار السلمي في الصراع التركي الكُردي من خلال المبادرة إلى إعادة إحياء عملية السلام التي تمّ توقيعها وإعلانها رسمياً بين أنقرة وحزب العمال الكُردستاني في ربيع العام 2013 والتي كانت ثمرةً لمفاوضات مكثّفة استمرت لقرابة عام كامل سبق بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزعيم العمال الكُردستاني عبد الله آوجلان، إلّا أنّ وقف اطلاق النار وعملية السلام المُعلنة بينهما انتهت في صيف العام 2014 وكان من أحد أبرز أسباب فشلها هو تداعيات مجريات الأحداث في سوريا مع صعود تنظيم داعش وسيطرته على مناطق سورية وعراقية شاسعة، والذي انعكس سلباً على عملية السلام لحل القضية الكُردية في تركيا أيضاً.

من هذا المنطلق لا أعتقد أن تنجح أي مبادرة لحل معضلة شرق الفرات ما لم تتضمن وقفاً لاطلاق النار والعمليات العسكرية بين حزب العمال الكُردستاني وتركيا والتي حينها ستساهم في تمهيد الطريق أمام حل سلمي بين الاتحاد الديمقراطي وقوات سورية الديمقراطية من جهة مع تركيا وفصائل المعارضة السورية المحسوبة عليها من جهةٍ أخرى.

 كما يمكن لمراكز القرار الأوربية التي تُعبر عن استيائها من قرار الإنسحاب الأمريكي الأحادي من سوريا لعب دور إيجابي في هذا الصدد عبر تبنّي مبادرة إعادة إحياء لعملية السلام بين تركيا والعمال الكُردستاني وإقناع حليفتها في حلف الشمال الأطلسي (الناتو) تركيا بفتح باب التفاوض مُجدّداً مع حزب العمال الكُردستاني ودعم عملية حل سياسي لطي صفحة الصراع العسكري التي تُكلّف الشعبين التركي والكُردي مواردهم البشرية والمادية منذ عشرات السنين.

 كما ستنعكس هكذا عملية سلام ايجاباً على الجانب الآخر للحدود في سوريا وتُفسح المجال لايجاد مساحة كافية لبلورة مشتركات بين الشركاء السوريين كُرداً وعرباً وآشوراً تساهم في تقويض نفوذ نظام الأسد الذي انتعش في العام الماضي بفضل الدعم الروسي الإيراني، وستساهم تركيا بذلك للتأسيس لخارطة طريق باتجاه التغيير الديمقراطي المنشود في سوريا والذي من المُفترض أن يكون تحقيقه ضمن أجندات تركيا الداعمة للمعارضة السورية العسكرية المُتبقية والتي تعتبر تركيا مرجعيةً سياسيةً وعسكريةً لها.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الاعلامية‬‬‬.