اخبار العراق الان

شرق الفرات.. تحوّل المعادلات

شرق الفرات.. تحوّل المعادلات
شرق الفرات.. تحوّل المعادلات

2018-12-28 00:00:00 - المصدر: رووداو


يشكّل القرار الأمريكي المفاجئ بالانسحاب من سوريا تحوّلاً محورياً في مسارات الأزمة السورية عموماً وساحة شرق الفرات خصوصاً. إذ لن تعود معادلات الأدوار الدولية والإقليمية في الشأن السوري، لا تأثيراً على الوضع الميداني وتوزّع خارطة النفوذ فيه، ولا مساهمةً في الحلّ السياسي المعمول عليه، كما كانت قبل القرار الأمريكي وتنفيذه، سواءً تمّ هذا الانسحاب سريعاً أو بطيئاً.

تعاظم الدور الروسي في سوريا  

لا شكّ في أنّ قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا يعزّز من موقع روسيا ويعظّم دورها، سواءً لجهة مدّ النفوذ الميداني أو لجهة صيغة الحلّ السياسي. تصريح وزارة الخارجية الروسية بأن المناطق التي ستنسحب منها القوات الأمريكية يجب أن تُبسط الدولة السورية شرعيتها عليها، رسالة موجّهة أساساً إلى تركيا، مفادها أنّ روسيا لا تقبل بتوغّلٍ تركي في هذه المنطقة وأنّها ستقوم برعاية ودعم دخول قوات سورية، وربّما قوات شرطة روسية، إلى المنطقة. إذ ليس من مصلحة روسيا ولا سوريا ولا إيران أن يتعاظم حجم التواجد التركي في سوريا وأن تسيطر تركيا على أغنى مناطق البلاد وربّما أكثرها أهمية من الناحية الاستراتيجية بعد منطقة الساحل السوري التي تتواجد فيها روسيا بقوّة. فاجتياح تركيا لهذه المنطقة سوف يعزّز موقفها بشأن أي تفاوض حول مناطق الشمال، بدءاً من جرابلس، مروراً بعفرين ووصولاً إلى كامل محافظة إدلب وشمال حماه وأجزاء صغيرة من شمال شرق محافظة اللاذقية. كما أنّ من شأن الاجتياح التركي لهذه المنطقة أن يعزّز نفوذها السياسي ودورها في إطار مجموعة الدول الضامنة ومسار سوتشي وبالتالي الحلّ السياسي المعمول عليه للأزمة السورية. من هنا، يرجح الاعتقاد أن تكون هناك محاولات روسية جادّة، بالتنسيق مع الحكومة السورية وإيران، وكذلك عبر تفاهمات مع أمريكا، وحوارات مع تركيا، في سبيل إعادة سيطرة الحكومة السورية على المنطقة، مع إمكانية منح ضمانات لتركيا بشأن مخاوفها الأمنية على حدودها، بل وحتى السماح لتركيا بالتوغّل في بعض المناطق الواقعة بين الضفة الشرقية للفرات وصولاً إلى رأس العين وذلك كنوعٍ من الضغط على قوات سوريا الديمقراطية للرضوخ للتحرّك الروسي وأيضاً منح جائزة ترضية لأردوغان وعدم إحراجه أمام ناخبيه وخصومه السياسيين في الانتخابات البلدية الوشيكة في تركيا. لكنّ نجاح المحاولات الروسية هذه مرهون بالموقف الأمريكي ومستوى التفاهم بين الدولتين بشأن شكل الحلّ السياسي في سوريا من جهة، وكذلك بما يمكن أن تفرزه لقاءات روسية- تركية رفيعة المستوى ستُعقَد قريباً في موسكو، من جهة أخرى. 

إخراج العمال الكوردستاني

جعلت تركيا من علاقة وحدات حماية الشعب مع حزب العمال الكوردستاني الورقة الأقوى في يدها في ممارستها الضغوط على أمريكا بزعم أنّها تدعم حزباً تصنّفه هي ومعها دول أوروبية على أنّه منظّمة إرهابية. وسوف تستخدم تركيا هذه الذريعة في أيّ محادثاتٍ مع أيّ طرفٍ دولي أو إقليمي، ولذلك قد تلجأ روسيا إلى قطع وعود لتركيا بإخراج الحزب من سوريا، لطمأنتها من جهة وسحب ذريعة التدخّل من يدها من جهة أخرى. خاصّة وأنّ روسيا تعلم أنّ إنكار أمريكا للصلة بين وحدات حماية الشعب والعمال الكوردستاني لم ينجح في إقناع الأتراك. السيناريو الأسوء في هذه المسألة، هو أن تنجرّ روسيا إلى تفاهمٍ مع تركيا يتيح لهذه الأخيرة التدخّل عسكرياً بحجّة إخراج العمال الكوردستاني.

صمت دمشق، لماذا؟

في التاسع عشر من الشهر الجاري، أعلن الرئيسي الأمريكي دونالد ترامب قراره  بسحب القوات الأمريكية من سوريا. وقبل ذلك بأكثر من أسبوع، كان الرئيس التركي أردوغان قد أعلن أنّ تركيا سوف تشنّ خلال أيام عملية عسكرية واسعة في شرق الفرات. ومع ذلك، لا تزال القيادة السورية، بكلّ مستوياتها، تلتزم الصمت ولم تُصدر أيّ موقف رسمي. وإذا كان هذا الصمت يُشير ربّما إلى ترك المبادرة للجانب الروسي للتعاطي مع هذا التحوّل الكبير، فهو في جانبٍ آخر نوعٌ من الضغط على الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية التي باتت مكشوفة الظهر وعرضة لهجوم الجيش التركي والمجموعات الإسلامية الراديكالية المرتبطة به، الأمر الذي يضغط على الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية ويجعلها تطلب التدخّل سوري من دون أن تلتزم الحكومة السورية بتقديم أيّ شيءٍ مقابل عودتها إلى مناطق الإدارة. وربّما يكون البيان الصادر اليوم من القيادة العامّة لوحدات حماية الشعب والداعي إلى دخول الجيش السوري إلى منبج دليلٌ على ذلك.

التحرّك الكردي المطلوب 

من المؤسف أنّ الوقت قد فات على إمكانية مبادرة كوردية شاملة ومفصّلة لتدارك المأزق الخطير الذي يواجهه الشعب الكوردي في سوريا، كانت الحاجة إليها ملّحة. ويبدو أنّ القائمين على الإدارة الذاتية يتصدّرون محاولة إقناع الحكومة السورية بالتدخّل لمنع الاجتياح التركي وذلك من خلال قنوات اتّصال مباشرة أو عبر القناة الروسية في قاعدة حميميم. ولا شكّ أن الموقف العصيب الذي تجد الإدارة الذاتية نفسها فيه لا يُتيح لها الحديث، فعلياً لا عبر التصريحات الاعلامية الاستهلاكية، عن شروط لعودة قوات الحكومة السورية، خاصّة وأنّ تجربة عفرين لا تزال ماثلة في الأذهان. ومثلما تفاهم حزب الاتحاد الديمقراطي PYD مع الحكومة السورية في بداية الأزمة بدون اتّفاق سياسي بشأن القضية الكوردية في سوريا، ومثلما تعاون مع الأمريكيين في الحرب على داعش من دون أيّ ضمانات أو مشاريع سياسية بشأن المناطق الكوردية، سوف يخضع لإملاءات روسيا والحكومة السورية دون أيّ ضمانات سياسية. ومن هنا، إذا كانت فرص وحدة الموقف والكلمة غير متوفّرة كردياً الآن، يمكن للأطراف الكوردية المختلفة التحرّك على المسار الروسي في محاولة لخلق أرضية تُبعد شبح الغزو التركي أوّلاً وتُمهّد لحوار سياسي بشأن المسألة الكوردية في سوريا يكون متمّماً أو موازياً لمسار العملية السياسية العامّة بشأن سوريا.

الحلّ مع الأسد لا على حسابه

أصبحت الدلائل واضحة على المستويات الدولية والإقليمية والداخلية أنّ حلّ الأزمة في سوريا سيتمّ مع الرئيس السوري بشار الأسد لا على حسابه، وبالتالي لا مبرّر للحركة الكوردية من عدم الدعوة إلى حوار علني مع الحكومة السورية بشأن المسألة الكوردية. ويمكن لروسيا أن تلعب دوراً مهمّاً في هذا الحوار لثقل نفوذها في سوريا وحاجتها والحكومة السورية إلى الاستقرار على كامل الجغرافيا السورية، خاصّة وأنّ المسؤولين السوريين على مستويات مختلفة أبدوا استعداد الحكومة السورية للحوار مع الكورد، كما وسبق أن أعطت روسيا الإشارة بتأييدها لنوعٍ من الحكم الذاتي للكورد في سوريا، من خلال مسودة الدستور التي وزّعتها في الأيام الأخيرة من عام 2017، خلال جولة مباحثات آستانة. 

لقد تفاهمت روسيا مع تركيا على اجتياح منطقة عفرين بهدف مساومة تركيا على مناطق  أخرى من سوريا من جهة وإثارة الخلاف بين أمريكا وتركيا من جهة أخرى ومحاولة جرّ تركيا العضو في الناتو إلى تفاهمات معها في سوريا لا تتوافق مع الرؤية الأمريكية-الأوروبية. وقد حاولت روسيا أن تسعّر الخلاف بين أمريكا وتركيا من خلال الإشارة المتكرّرة إلى أنّ أمريكا تسعى إلى إقامة دويلة كوردية في شرق الفرات.

الآن بعد القرار بالانسحاب الأمريكي من سوريا، تنعكس الآية، أقلّه نظرياً، ويصبح الصراع على النفوذ بين روسيا وتركيا. لكنّ روسيا، بعقليتها البراغماتية، قد تستعيض عن الصراع مع تركيا بالتفاهم معها، وسيدفع الكورد، بالتأكيد، ثمن ذلك، إن حدث.   

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية‬‬‬.