اخبار العراق الان

داعش قتل زوجها وأخاها ومازال أربعة من أولادها مفقودين

داعش قتل زوجها وأخاها ومازال أربعة من أولادها مفقودين
داعش قتل زوجها وأخاها ومازال أربعة من أولادها مفقودين

2019-01-12 00:00:00 - المصدر: رووداو


رووداو – أربيل

بعد استعادة الموصل والرقة من داعش، كشفت المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان أن تنظيم داعش خطف مئات الأطفال، وأخضع الكثير منهم لتدريب مكثف لإرسالهم إلى ميادين القتال. كَوري، واثقة من أن ابنها كان من بين الأطفال الذين أرسلهم داعش إلى جبهات القتال.
أخرجت كَوري من جيبها كيساً بلاستيكياً أسود يضم مجموعة صور، وتقول: "هذا زوجي الذي قتلوه وأنا أنظر إليه. هذا أخي وقد رأيت كيف أطلقوا الرصاص على رأسه. هذه أختي. هذا ابني الأكبر، قتلوه. هذا ابني الأصغر، أخذوه، وهذه ابنتي الأخرى وهي مازالت في سوريا".

تقول كَوري بنبرة تنم عن عدم الحيلة وفقدان الأمل: "وعدني أبو ياسر بأن يعثر لي على طفلي، لكنه كذب علي".

إنها كأي سيدة كوردية أخرى، تعبت كثيراً وعانت من أجل تربية أولادها، لكن مسلحي خلافة أبوبكر البغدادي الذين هاجموا (كرعوزير) في الثالث من آب 2014، سلبوها فلذات كبدها واحداً تلو الآخر.

تعود كَوري بذاكرتها إلى اليوم الذي دخل فيه أولئك المسلحون قريتها، وتقول: "مع دخولهم إلى كرعوزير، عزلوا الرجال عن النساء في بيتنا، وكانوا بين الحين والآخر يطلقون النار لترهيب الناس ولكي لا يفكر أحد في الهرب، ثم قاموا بنقلنا إلى قرية بالقرب من سنجار، وبعد ليلة ونهارَين هناك، نقلونا إلى تلعفر، وكانت كل قرية نمر بها خالية من السكان، خلا السكان السنّة الذين بقوا في منازلهم ولم يهربوا".

قصر المحراب، هو المكان الذي نسمع عنه في قصص أغلب المختطَفين الإزيديين. لم تكن كَوري تعرف أحداً هناك. كانت تشاهد البنات وكيف يسحبهن مسلحو داعش من أيديهن وهن يرتجفن كما أوراق الشجر في مهب الريح، "تحدّث إلينا أحدهم باللغة الكوردية، وقال سأسمل عيني كل من أخذ منكم هاتفاً نقالاً أو ذهباً أو ملابس، نحن نريد منكم أن تعتنقوا الإسلام. قال: لن يخطأ أحد في حقكم وستكونون سالمين. لكن بعد مرور دقائق، جاء مسلحون آخرون، وأخذ كل منهم فتاة جميلة أمام أعيننا وأمام عيني ذلك المسلح الكوردي".

كانت ابنة كَوري وزوجة أخيها من بين النساء اللواتي أخذوهن، في حملة السبي تلك.

كان عليهم في الأشهر الثلاثة الأولى، الاعتياد على آلام الاعتداء على البنات والانتهاكات التي لا نهاية لها، "بعد ثلاثة أشهر، نقلونا في حافلات إلى الموصل، حيث بقينا سبعة أيام في قاعة كبيرة، ثم نقلونا إلى حي الخضر".

تم اختيار 42 امرأة لنقلهن في شاحنة كبيرة إلى سوريا. كانت كَوري واحدة منهن. الباب الذي كان عليهن أن يدخلنه إلى المبنى كان على سلم حديدي صدئ يؤدي إلى قبو مظلم ساكن ومخيف. كان آخر السلالم عند باب يؤدي إلى قاعة كبيرة "فيها كل شيء، ويجلس فيها عدد من مسلحي داعش. كان هناك الكثير من الكراسي والطاولات، وفي كل غرفة لوازمها، حمام وسرير ومطبخ، كانت تلك المرة الأولى التي أشاهد شيئاً مماثلاً في قبو"، كان اختيار وشراء السبايا هناك يخضع لقوانين خاصة.

كانت مهمة أحد المسلحين أن يأخذ بيد فتاة أو سيدة ويعلن بصوت جهير عن سعرها "والمسلح الذي كان يضرب الأرض برجله بقوة، كان يعلن بذلك عن استعداده للشراء بذلك السعر. ثم يأتي ويقول للسبية: هيا فأنت لي".

هزّ صوت ضربة رِجل أحد المسلحين كيان كَوري، فقد كانت تلك الإشارة الأولى الدالة على مصيرها، لكن قصة تلك البيعة مختلفة.

المسلح الذي ضرب الأرض برجله، اقتاد كَوري إلى الرقة، وبينما هما في الطريق أخبرها بأن الشاري الحقيقي لها موجود الآن في ساحة الحرب في كوباني، ولم يعد بعد، "عاد أبو ياسر بعد 16 يوماً، وأخبرني بأن علي أن أخدم زوجته وولده لكي تسمح له زوجته باتخاذ جارية، لكن زوجته كانت رغم ذلك في عراك مستمر معي ومع أبو ياسر".

بلغ شجارهما أمام كَوري شأواً بعيداً في أحد الأيام:

أم ياسر: لقد وعدتني بأن لا تأتي بجارية!

أبو ياسر: إنها ليست زوجتي بل مجرد جارية، ما هي مشكلتك معها؟

أم ياسر: لا أسمح بأن تكون في بيتي، أطردها الآن، ولترحل!

أبو ياسر: هذا من الدين!

كان أبو ياسر من المسلحين الذين جاؤوا من السعودية إلى الرقة، وكان يعرف بين زملائه بالأخ المهاجر. كان يطرق زوجته وكَوري كل ليلة، لكنه كان واثقاً من أن زوجته ستصب جام غضبها على الجارية عندما يعود هو إلى جبهة القتال، وستطردها من الدار، "فجاء بشخص يدعى عكاش إلى البيت، وعرض عليه أن يشتريني. أخذني عكاش إلى منطقة خارج الرقة، وبقيت معه شهرين، ليبيعني بعد ذلك لمقاتل تونسي يدعى أبو يحيى".

يجب أن أجلس في مواجهتها بصمت عدة دقائق، لقد استغرقت هي في الصور التي أمامها. في الواقع، كانت تمتمات سيدة لا حيلة لها، غير مفهومة من قبلي بصورة كاملة، إنها كحوار مع رفات وعظام. الطفل الذي ظل عشرات الليالي يتوسل أبو يحيى ليعطيه حبة كي لا يموت، لم يبق منه الآن غير صورة. إنها مازالت متمسكة بما قالته لي يائسة منذ البداية: "ما الفائدة من رواية ما شهدته من مأساة؟"

كان أبو يحيى يعمل طبيباً في تونس، ولحاجة الخلافة الماسة إلى تخصصه، لقي استقبالاً حاراً. كانت كَوري، حتى باتت جارية لأبو يحيى، تصحب معها اثنين من أولادها، "كنت دائمة البكاء، وبسبب بكائي لم يكن الولدان يأكلان الطعام، سألني أبو يحيى لماذا تبكين باستمرار. قلت أبكي أولادي، زوجي، أبي، أمي أخواتي وأخوتي، فقال: وأنا أيضاً لم ألتق أمي وأبي منذ أربع سنوات".

كان مسلحو داعش يستهدفون ابنها البالغ تسعة أعوام، وكان عليها أن تسلمهم ابنها ليزجوا به في مركز تدريب الأطفال الذين يساقون إلى الحرب، ويطلقون عليهم تسمية "أشبال الخلافة"، لكنها لم تستطع مقاومتهم إلا أياماً قليلة.

أخذوا ابنها بعد أن اشتراها المدعو أبو مهاجر من الطبيب التونسي، "كان يأخذ ابني معه ويغيبان أياماً، ولدى عودتهم ورؤيتي لإبني كنت أفقد أعصابي، فقد كان يبدو منهكاً متسخاً، وذات يوم عاد أبو مهاجر لوحده، وأخرج هوية ابني وصورته، اللذين كان يحتفظ بهما في جيب قميصه، وناولنيهما وقال: هذه هوية ابنك... لقد قتل".

استعدي سنلتقي بصديق

ذاقت كَوري البالغة 40 سنة، الأمرّين من خلافة داعش، على مدى ثلاث سنوات، وتم بيعها أكثر من سبع مرات، وهي ترجو كل من اشتراها أن يعيد إليها أولادها، فقد كان أربعة من أولادها قد تفرقوا في غياهب البلدات والمدن التي كان يسيطر عليها التنظيم، وأصبح أبناؤها مسلحين لدى التنظيم، بينما كان مصير بناتها كمصيرها، يسجلن كل يوم ذكريات اعتداءات عليهن في بيت داعشي جديد.

"كلما انتقلت إلى مسلح من داعش، توسلت أن يعثر لي على أولادي"، لكنها كانت تتلقى منهم جميعاً نفس الجواب: "هؤلاء لم يعودوا أولادك"، لكن حالتها المزرية جعلت قلب أحدهم يرق للحظات، "قال لي ذلك المسلح: لو عرفت أين هم سأعيدهم إليك، لكن العثور عليهم صعب، وقد وزعتهم دولة الخلافة على معسكرات التدريب والمدن". الصمود والحفاظ على رباطة الجأش أمام كَوري صعب. سيدة علقت كلمة "أولادي" بفمها كما تفعل الأسلاك الشائكة التي تفصل منطقة داعش، "حالتي صعبة بدون أولادي، الذين قتلوا منهم أعرف أني لن أراهم من جديد، لكن لي أربعة منهم عند داعش، صبيان وفتاتان، أعلم أن ابنتي موجودتان في سوريا، ولكن أين ابناي؟"

أبو مهاجر، هو الذي يسدل الستار الأخير على مسرح آلام كَوري، هو المسلح السوري الذي اقتاد أحد أبنائها إلى الموت ولم يعد إليها سوى بهويته وصورته. "قال لي ذات يوم: استعدي سنذهب إلى مكان ونلتقي بصديق. ارتديت الثياب السود، وكانت معي ابنتي الصغرى. لكنه قال لي: هات معك بقية ثيابك. كنا حينها في (ميادين) وجاءت سيارة، قال لي الذي في السيارة: سنبتاع ابنتك الصغيرة وسنتزوجك. بكيت كثيراً".

يبدو أن المسلحين، وقبل أن تبلغ أيامها الأخيرة، كانوا يريدون إسماعها الأخبار المرعبة، "قال لي أحدهم: ألا تريدين لقاء أهلك؟ فأجبت باكية: بلى أريد ذلك".

أخرج من جيبه هاتفاً نقالاً، وقام بتشغيل مقطع صوتي، ظهر فيه صوت رجل يعرف بنفسه، ثم يتحدث ابنا كَوري ويسلمان على والدتهما، "كان البكاء والخوف قد أفقداني صوابي، فلم أفهم أي شيء مما جرى وسمعت، لكن ابنتي قالت: أماه، هذان أخواي يحييانك، فطلبت إعادة تشغيل التسجيل الصوتي، وتأكد لي أن ابنيّ مازالا يعيشان".

تم شرائي منهم بـ24 ألف دولار

كانت الرسالة الصوتية مسجلة منذ فترة، لكن أمهما سمعتها عند نهاية عملية شرائها، وكان الشاري هذه المرة شخصاً يتطلع إليه الكثيرون ليعيد البسمة إلى شفاههم، "أخذونا إلى غابة، لم أستطع التعرف على مكانها من الرقة. أنزلونا من السيارة هناك، وقالوا عليك أن تنتظري هنا حتى تأتي سيارة أخرى. وصلت تلك السيارة، وأخذتنا إلى بيت".

كانت الحرب قد اجتاحت كل مكان في تلك الأيام. كانت الطائرات الحربية قد نزلت في تحليقها إلى مسافة يمكن أن تُرى منها بسهولة. تم نقل كَوري وابنتها إلى بيت، "التقيت هناك امرأة اسمها نورا، كنت أعرف نورا وأمضينا تلك الليلة ونحن نبكي معاً، كانت الرابعة صباحاً موعد انطلاقنا. أوقفوا السيارة في آخر نقاط تفتيش داعش، على الطريق إلى القامشلي، وسألوني إلى أين تذهبين؟ قلت أذهب إلى القامشلي لعلاج ابنتي، وعندما وصلنا إلى أولى نقاط التفتيش التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، قالوا لنا ألقوا ملابس داعش".

يرد اسم "أبو شجاع" في نهاية قصة أغلب الناجيات من قبضة داعش، إنه الرجل الإزيدي الذي يعمل كوسيط في جهود حكومة إقليم كوردستان لتحرير المختطفات، "عرفت أن الرجال الذين جاؤوا بي من الرقة، كانت لهم علاقات مع أبو شجاع، وأنهم اشتروني بـ24 ألف دولار. وصلت أخيراً إلى المخيم، لكن التفكير في أولادي الذين أخذهم داعش يحيل حياتي إلى علقم".

تلملم الصور، واحدة فواحدة، وتلفها بالكيس الأسود. بعد تحريرها بأيام، عادت كَوري إلى قريتها، إلى المكان الذي أحرق فيه صوت بضع رصاصات قلبها، وخسرت فيه أحبتها. إن الذي يقيدها الآن إلى الحياة والمستقبل، هو انتظار يقتطع كسكين صدئ جزءاً من أحشائها كل يوم، "قلت للدواعش إننا لم نخطف ابنة أحد قط، ما الذي تنتقمون له منا؟" كانت الأجوبة تزيد من يأسها وقنوطها: "أنتم كفار، لو لم تكونوا إزيديين، لما اقتربنا منكم".

تؤدي كَوري الآن صيام الثلاثة أيام للإزيديين، وقد نال منها العطش، وعندما تفطر تبدأ بالدعاء وتتوسل طالبة أن تكتحل عيناها ولو لمرة وحيدة برؤية أولادها وضمهم إلى صدرها، لكنها ترد على نفسها بصوت خافت "لكن ذلك صعب جداً الآن".