اخبار العراق الان

المكاسب والخسائر المحتملة من الاتفاقيات الاقتصادية العراقية – الاردنية

المكاسب والخسائر المحتملة من الاتفاقيات الاقتصادية العراقية – الاردنية
المكاسب والخسائر المحتملة من الاتفاقيات الاقتصادية العراقية – الاردنية

2019-02-09 00:00:00 - المصدر: نون


بقلم:  د.نبيل جعفر المرسومي

يعد الموقع المجاور من الامور المهمة المتعلقة بسياسة أي دولة إذ يؤثر دائما في علاقاتها اثناء السلم والحرب على حد سواء، وهو أهم المواقع الثلاثة لارتباطه بالحدود ومشاكلها وبإمكانيات الدفاع والهجوم وبالحالة الاقتصادية المتبادلة.

ويمثل الموقع الإطار الجغرافي الذي يحدد علاقة المكان بغيره من الاماكن وهو من اكثر العناصر تأثيرا في شخصية الدولة وعلاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الدول المجاورة ويطلق عليه احياناً بالموقع النسبي، وهو الموقع الذي يخص الدول المجاورة.

ويحتل الموقع الجغرافي للعراق اهمية اقتصادية استراتيجية فهو يمثل قلب المنطقة الآسيوية العربية وحلقة وصل بين القارات.

ومن خلال النظر لموقع العراق يتضح انه مُحاط من قبل ست دول، تعد اطوال الحدود البرية مع دول الجوار هي من ابرز السمات والخصائص الجغرافية التي تميز موقع العراق مع دول الجوار من الناحية التجارية.

وتأتي الاردن بالمرتبة السادسة من حيث طول الحدود التي تربطها بالعراق والتي تصل الى 178 كم.

وكان لهذه الحدود البرية اثر في تواجد عدد من المنافذ البرية التي لها دور في زيادة حجم التبادل التجاري، لذلك تبرز اهمية الموقع الجغرافي في التجارة الخارجية العراقية من خلال زيادة قيمة تجارتها مع دول الجوار ومنها الاردن بحكم القرب الجغرافي.

وفي إطار هذه الاهمية الاستراتيجية للجوار الجغرافي وقع العراق والاردن مؤخرا على 14 اتفاقية اقتصادية بينهما تتضمن التعاون والتنسيق والتكامل في مجالات متعددة، أبرزها الطاقة والنقل والتجارة والصناعة والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والقطاع المالي.

وتم الاتفاق على اتخاذ الاجراءات المطلوبة ووفق مواعيد محددة. وبهذا الصدد سيتم تحليل وتقييم لاهم المحاور التي تضمنها هذه الاتفاقيات وعلى النحو الآتي:

المحور الاول: قطاع النقل

1.فتح المعابر الحدودية الأردنية العراقية (الكرامة- طريبيل) أمام حركة النقل للبدء بتسيير الرحلات للبضائع سريعة التلف في 2-2-2019 على أن تشمل كافة أنواع السلع بعد ذلك. وتوقفت الحركة في معبر طريبيل العراقي الحدودي مع الأردن عام 2015 بعد سيطرة تنظيم داعش عليه، ما أدى إلى تراجع الصادرات الأردنية للعراق.

وأعلن العراق والأردن في 30 أغسطس من العام 2017 إعادة فتح معبر طريبيل /الكرامة رسميا أمام حركة المسافرين والبضائع بعد ما استعادت القوات العراقية السيطرة على الطريق السريع الرئيسي بين بغداد وعمان.

ويعد منفذ طريبيل /الكرامة من أهم المعابر البرية الإستراتيجية للأردن كونه يقلل تكاليف التشغيل للشاحنات وحركة النقل، وهو المعبر الوحيد الذي يربط حركة تدفق البضائع التجارية بين الأردن والعراق.

والبدء بالعمل بآلية النقل "Door to Door" للسلع والبضائع والمنتجات النفطية بين البلدين لتسهيل عملية التبادل التجاري ونقل البضائع بتكلفة ومدد زمنية أقل.

وتقضي آلية النقل "Door to Door"، بدخول الشاحنات الأردنية الى المدن العراقية، وكذلك الأمر بالنسبة للشاحنات العراقية، كبديل عن الآلية السابقة التي فرضتها الأوضاع الأمنية في العراق خلال السنوات الماضية والتي كان يتم بموجبها تفريغ حمولة الشاحنات على الحدود ونقلها بشاحنات الدولة الأخرى الأمر الذي كان يعرض مواد عديدة للتلف فضلا عن كلف إضافية يتحملها التاجر المصدر.

وقد مثّل افتتاح معبر طريبيل الحدودي مع الأردن حدثاً هامًا في المجال الاقتصادي للعراق، حيث اعتبر نقلة نوعية في تعزيز التبادل التجاري بين البلدين.

وكانت الشاحنات المحملة بالمنتجات الأردنية تنتظر على الحدود البرية إلى 5 أيام وذلك لتجميع عدد كبير منها والسماح بدخولها على شكل قافلة واحدة،  الأمر الذي يتسبب أيضا في ارتفاع التكلفة على مصدرين، فضلاً عن عدم السماح بدخول الشاحنات الأردنية إلى العراق مباشرة، بل تصل إلى الحدود ويتم نقل البضائع إلى شاحنات عراقية يسمح لها بالتنقل داخل العراق.

كما تشكل ساحة التبادل التجاري المخصصة لنقل البضائع من الشاحنات الأردنية إلى العراقية عائقًا آخر أمام التجار الأدرنيين، بسبب الحاجة إلى مزيد من العمالة  والادوات اللوجستية كالرافعات من أجل سرعة نقل البضاعة.

وقد تعاقدت الحكومة العراقية مع الشركة الأمريكية "أولف كروب"، للعمل على حماية الطريق السريع الدولي الممتد من الرمادي وصولاً إلى منفذ طريبيل الحدودي مع الأردن، مرورا بالرطبة، ويمثل الطريق فرصة استثمارية أيضا لتقديم الخدمات وتشييد محطات للوقود والاستراحة.

فيما احالت هيئة المنافذ استثمار ساحات تابعة لمنفذ طريبيل الدولي غربي الرطبة في محافظة الأنبار، عند الحدود مع الأردن، إلى مستثمرين عراقيين لإعادة تأهيلها".

وهناك شركتين أمريكيتين تتنافسان على استثمار الخط السريع الدولي من سيطرة الصقور جنوب شرق الفلوجة إلى منفذ طريبيل الحدودي العراقي مع الأردن".

وستقوم الشركة المستثمرة بإعادة تأهيل الطريق والجسور المقامة عليه وصيانته على نحو متواصل وإصلاح التخسفات الحاصلة فيه وإنارته وإقامة محطات استراحة وساحات وقوف للعجلات وورش صيانة للمركبات المارة عليه ومحطات وقود، فضلاً عن إقامة السياج العازل على جانبي الطريق لضمان عدم عبور الحيوانات والعربات بشكل يتعارض مع نظام السير فيه ويتسبب بالحوادث، أما عن الجانب الأمني فسيتولى المستثمر تأمين جانبي الطريق بعمق خمسة كيلومترات من كل جهة.

هذا المشروع سيشكل نقلة مهمة في مجال تنشيط التبادل التجاري بين العراق ودول العالم، فضلا عن إعادة قطاع النقل البري للبضائع والمسافرين عبر الطريق الدولي الرابط مع الأردن وسوريا.

وأن المشروع سيتضمن كذلك تطوير البنى التحتية للمنفذ الحدودي في طريبيل بما يسهل تقديم خدمة أفضل للعاملين فيه والمسافرين وسواق الشاحنات المارين عبره ويوفر انسيابية في حركة المركبات عبر المنفذ  مما يسهم في فتح أبواب الاستثمار وتنشيط الشراكة بين القطاع العام والخاص في إعادة اعمار المناطق المحررة وتأهيل البنى التحتية اللازمة لتحفيز النشاط الاقتصادي في العراق بما يخفف العبء عن كاهل الدولة ويضمن توفير فرص عمل جديدة.

2.منح التسهيلات للبضائع العراقية المستوردة عن طريق العقبة التي مقصدها النهائي العراق  خصما مقداره  75% من رسوم المناولة التي تتقاضاها سلطة العقبة الاقتصادية.

وهو ما يعني ان المستورين العراقيين سيدفعون فقط 25% من الرسوم السابقة للمناولة. ويخشى البعض من العراقيين ان يؤدي هذا الاجراء الى التأثير السلبي على حجم التجارة الخارجية عبر الموانئ العراقية. والمعروف ان العراق يستورد اكثر من 86% من السلع غير النفطية من خلال المنافذ البحرية وبقيمة زادت عن 43 مليار دولار عام 2016.

3.عقد اتفاقية ما بين الملكية الأردنية والطيران العراقي من اجل التعاون المشترك في مختلف المجالات. وتوافق الجانبان على توقيع إتفاق تجاري بين الخطوط الملكية الأردنية والخطوط الجوية العراقية في مجال الرمز المشترك (Code Share) لتمكين المسافرين على خطوط الطيران العراقي من الوصول إلى وجهات عالمية مختلفة، وكذلك التدريب والتعاون في مجالات الطيران والنقل الجوي وتبادل الخبرات في مجال الأرصاد الجوية والموانئ.

المحور الثاني: قطاع التجارة

تفعيل قرار مجلس الوزراء العراقي لعام 2017 بإعفاء 393 سلعة أردنيّة من من الرسوم الكمركية اعتبارا من 2-2-2019.

يؤكد التجارٌ ألاردنيون أن استمرار العراق بفرض رسوم على  المنتجات الأردنية التي تدخل إلى العراق بات يؤثر سلبا على زيادة نشاط التبادل التجاري بين البلدين.

وتفرض السلطات العراقية رسوما جمركية تتراوح بين 5% و80 % على كل السلع التي تدخل أراضيه بغض النظر عن الدول المصدرة، فيما تفرض على البضائع الأردنية رسومًا كمركية بنحو 30 % رغم وجود اتفاقية "تسيير التجارة" بين البلدين، واتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى، حيث أعفت تلك الاتفاقيات المنتجات الأردنية من أي رسوم عند دخولها السوق العراقية. ويشترط العراق ثلاثة شروط لإعفاء السلع الأردنية من الرسوم الكمركية وهي تحديد الطاقة الإنتاجية للمصانع الأردنية، والالتزام بالروزنامة الزراعية في العراق، وعدم شمول السلع التي صدرت بها قرارات من مجلس الوزراء العراقي بشأن حمايتها بصفتها منتجا وطنيا عراقيا. ويرى مختصون أن الإجراءات المتعلقة بدخول البضائع والصعوبات المرافقة لها ساهمت بانخفاض معدلات التبادل التجاري.

ونصت هذه الاتفاقية بإعفاء 393 سلعة أردنيّة من الرسوم الكمركية اعتبارا من 2-2-2019. وتتضمن هذه القائمة "سلعا لا تنتج في العراق وأخرى لا يغطي إنتاجها حاجة السوق العراقي ويؤكد البلدان ان اعفاء البضائع من التعرفة الكمركية لا يتضمن جميع السلع والبضائع الواردة الى العراق، حيث اشتملت القائمة المعفاة السلع التي لا تسبب ضرراً بالصناعة والزراعة المحلية العراقية، كما انه سيتم الابقاء على الرسوم المفروضة على البضائع التي تصنع في العراق، ومراجعة قائمة السلع المعفاة كل 6 اشهر بناءاً على دراسات تقدمها الجهات المختصة في العراق بشأن حاجة البلاد لتلك البضائع من عدمها".

ويرى البعض من السياسيين العراقيين ان منح هذه الاعفاءات للسلع الاردنية يؤثر سلبيا على الانتاج المحلي لقطاعي الزراعة والصناعة ويقلص من ايرادات البلد من الرسوم الكمركية. والواقع ان نظام التعرفة الكمركية المطبق في العراق حاليا قليل الفاعلية ولا يوفر الحماية الكاملة للصناعة والزراعة المحلية والعديد من السلع الخارجية تدخل الى العراق من دون رسوم كمركية سواء في المنافذ الحدودية الرسمية ام غير الرسمية.

وفي المقابل فإن العراق لا يحصل سوى على ثلث ايرادات المنافذ الحدودية فيما يلتهم الفساد الثلثين (ترليون دينار للحكومة العراقية وترليوني دينار لمافيات الفساد حسب بيانات وزارة التخطيط العراقية).

ولاتشكل ايرادات منفذ طريبيل اكثر من 50 مليون دولار سنويا، فضلا عن ان حماية الانتاج المحلي في الصناعة والزراعة وتطوير انتاجهما وتعزيز دورهما في الحياة الاقتصادية لا يتوقف على الحماية الكمركية فقط وانما ينبغي ان تدعهما سياسات اقتصادية ومالية ونقدية مناسبة ونظام مصرفي ومالي متطور وبيئة تشريعية وقانونية داعمة لهما وهو ما يفتقده العراق اليوم ولذك لم تسطع الصناعة والزراعة في ظل الحماية الكمركية اللتان تتمتعان بهما ان يكون لهما دورا مهما في اشباع متطلبات السوق المحلية التي تعج اليوم بالسلع الاجنبية الوافدة على العراق من كل حدب وصوب.

وتراجعت صادرات الأردن إلى العراق بشكل حاد خلال السنوات الأخيرة، وأضحت لا تتجاوز نحو 500 مليون دولار سنويا وفق أحدث البيانات الأردنية، بسبب إغلاقات الحدود وتدهور الأوضاع الأمنية داخل العراق منذ 2014، فيما كانت تبلغ سابقا أكثر من ملياري دولار.

ووفق إحصائيات رسمية، بلغ حجم الصادرات الأردنية إلى العراق خلال النصف الأول من العام الماضي 161.2 مليون دينار (227.5 مليون دولار) مقارنة مع 161.1 مليون دينار (161.1 مليون دولار) في الفترة المناظرة من 2016. وبلغ حجم واردات الأردن من العراق حتى نهاية يونيو/حزيران الماضي، 595.5 ألف دينار (840.5 ألف دولار) مقارنة مع 1.7 مليون دينار (2.3 مليون دولار) خلال الفترة نفسها من عام 2016. ولا تعد الاردن شريكا تجاريا مهما للعراق اذ انها لاتدخل ضمن اكبر عشر شركاء تجاريين للعراق وهم: تركيا وايران والصين والامارات وكوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة والهند وفرنسا وايطاليا.وفي المقابل لا تشكل الواردات الاردنية اكثر من 7% من اجمالي الواردات العراقية السلعية.

ويسعى الاردن الى الاستفادة من الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع العراق من اجل زيادة صادراته الى العراق الى نحو 800 مليون دولار سنويا. والمعروف ان اجمالي الصادرات الاردنية للعالم الخارجي قد بلغت 7.549 مليار دولار في عام 2016 وهذا يعني ان الاردن تصدر للعراق نحو 6.6% من اجمالي صادراتها.وفي المقابل لم تزد صادرات العراق من السلع غير النفطية عن 207 مليون دولار عام 2014. ويعد العراق الشريك التجاري العربي الثاني للاردن بعد السعودية التي تستحوذ على 30% من حجم التبادل التجاري مع الاردن في حين يصل حجم التبادل التجاري للاردن مع العراق بما فيها النفط الى 15% في عام 2016.

ومن أهم السلع التي تم استيرادها من الأردن: المواد الكهربائية العامة والعلب المعدنية والخضروات والفواكه والمحضرات الغذائية والمواد البلاستيكية والأكياس والحقائب والسيارات ومواد التنظيف والسجائر والملابس والأدوية والمستحضرات الطبية"، اما أهم السلع المصدرة من العراق إلى الأردن فقد شملت البترول الخام واليوريا والحديد والخردة والكبريت.

لكن السؤال هل هذه الاتفاقية ستعيد للأردن حصته السوقية التي كان يغطيها في العراق ؟

ان عودة حصة الأردن السوقية في العراق لسابق عهدها سيكون صعبا، وذلك لأن العراق أصبح سوقا مفتوحة، وهناك قوى اقتصادية أخرى فيه، إضافة للقوى السياسية والعسكرية وعلى رأسها أمريكا وإيران وتركيا، إضافة لدول الخليج، وهذه القوى كلها تنافس على السوق العراقية".

غير أن الأثر الإيجابي للاتفاقية قد يزداد بعد سنتين، ولكن الآن سيكون محدودا. وعلى الرغم من صعوبة قياس الأثر والاستفادة المتوقعة من الاتفاقية على الاقتصادين العراقي والأردني، ولكن قطعا سيكون لها مساهمة إيجابية، وبالتأكيد الأثر سيكون مهما ونقطة انفراج للأردن والعراق.

المحور الثالث: قطاع الصناعة

وفي مسعى لإقامة تكامل صناعي بين الأردن والعراق، اتخذ الجانبان عدة إجراءات لـ"إنشاء منطقة صناعية مشتركة"، من بينها تخصيص الحكومة الأردنية ألفي دونم (الدونم يعادل 2500 متر مربع في العراق، وألف متر مربع في الأردن) لإنشاء هذه المنطقة قابلة للتوسع إلى عشرة الاف دونم.

تخصيص الأراضي المتفق عليها على الحدود العراقية الاردنية ليصل بعمق (2 كم) على طرفي الحدود وبطول (6 كم) للشركة الأردنية العراقية ومنحها الإعفاءات اللازمة والإنتهاء من اعلان طلب استدراج العروض لإعداد المواصفات الفنية للمنطقة الصناعية الأردنية العراقية المشتركة بتاريخ أقصاه 2-2-2019 وذلك تمهيدا لقيام الشركة بعرض المنطقة الصناعية على القطاع الخاص للتشغيل والإدارة على مبدأ BOT.

وتشكّل هذه المنطقة فرصة لاستفادة المنتجات والصناعات العراقية من إعفاءات ومزايا اتفاقيات التجارة الحرّة التي وقعتها المملكة الأردنية الهاشمية مع دول العالم ودخول أسواق يتجاوز عدد سكانها المليار نسمة بقدرة شرائية كبيرة دون أيّ قيود فنية أو كمركية. ومن المؤمل ان تخلق هذه المنطقة نحو 50 الف فرصة عمل نصفها للعراق ونصفها الاخر للأردن.

إن قرار استحداث المناطــق الحرة يتطلب توفير المناخ السياسي و الأمني المستقر و سيادة السلام و الوئام الوطني و الاستقرار السياسي و علاقات طيبة مع دول الجوار، لأن المنطقة الحرة لا تعمل في فراغ و هي ليست مخصصة لسد طلب السوق المحلية غالبا، بل إنها تقام في ضوء حاجة وطنية و إقليمية. المناطق الحرة الصناعية في غالب الأحيان عبارة عن مجمعات صناعية تتواجد داخل مساحة محددة جغرافيا تطلق عليها عدة تسميات لها قاسم مشترك يتمثل في خلق مناخ تنعدم فيه أو على الأقل تتقلص فيه القيود التي تعرقل النشاط الاقتصادي سواء كانت قيودا ذات طبيعة جمركية أو جبائيه أو إدارية.

فالدور المنوط بالمنطقة الحرة الصناعية و النتائج المنتظرة منها هما اللذان يعطيان الشكل النهائي لهذه الأخيرة، فالدول السائرة في طريق النمو و بعض الدول النامية قد ركزت على المناطق الحرة الصناعية كأداة انتقلت بواسطتها من مرحلة تطبيق سياسة استبدال الواردات إلى اتباع استراتيجية تقوم على تشجيع الصادرات.

و تتميز المناطق الحرة الصناعية بـ:

* إن موقعها يقع عادة في مساحة محددة و يتم عزلها جمركيا عن بقية أقاليم الدولة

* تكون في صورة منطقة حرة للصناعات التصديرية أو في شكل منطقة حرة المشروعات التي تسمى بالنقاط الحرة

* إن نشاطها صناعي في المقام الأول بهدف الوصول إلى الأسواق العالمية بمنتجات منافسة

* يسهم نشاط هذه المناطق من خلال الصناعات التي تقوم بها في الارتقاء بمستوى الصناعات المحلية في الدولة وفقا لمبدأ المنافسة في الجودة

* تتمتع هذه المناطق هذه المناطـــــــق بجميع صورهـــا بالحوافز الجمركيـــــة و الضريبية و التسهيلات التي تمنحها الدول المضيفة بهدف جذب الاستثمارات إلى مناطق الحرة.

و تهدف المناطق الحرة بالدرجة الأولى إلى جذب الشركات الأجنبية الصناعية التي تتخصص في سلع يتم إنتاجها بأحدث المعدات التكنولوجية كما تستخدم أيدي عاملة متميزة في مهارتها.

ومن العوامل التي تساعد في نجاح المنطقة الصناعية المشتركة بين العراق والاردن ما يلي:

*التقارب الجغرافي بين العراق والاردن

*التقارب الفكري والثقافي والحضاري

*توفر الامكانيات لتهيئة البنى التحتية اللازمة

*وجود راس المال البشري المؤهل والمدرب

 

المحور الرابع: قطاع الطاقة

1.تم الاتفاق على الربط الكهربائي الأردني العراقي من خلال شبكة الربط حيث تم توقيع مذكرة التفاهم بهذا الشأن، بحضور رئيسي الوزراء، والتي اتفق الطرفان فيها على المباشرة باتخاذ الاجراءات اللازمة لتسريع عملية تبادل الطاقة الكهربائية بين الطرفين من خلال الربط الكهربائي المباشر لشبكتي الكهرباء العراقية والأردنية. وسيتم الانتهاء من الدراسات الفنية وتأمين التمويل اللازم خلال مدة 3 أشهر على أن يتم الربط الكهربائي بينهما خلال سنتين من تاريخ توقيع الاتفاقية يتم بعدها تصدير الكهرباء من الاردن إلى العراق.

تتمثل الفائدة الأساسية لربط عدة شبكات كهربائية في تقليل القدرة الاحتياطية المركبة في كل شبكة، وبالتالي إلى تخفيض الاستثمارات الرأسمالية اللازمة لتلبية الطلب دون المساس بدرجة الأمان والاعتمادية في الشبكات المرتبطة. ويؤدي الربط إلى التقليل من الاحتياطي الدوار، وإلى الاستفادة من إقامة محطات التوليد في المواقع المناسبة لها الأكثر جدوى من الناحية الاقتصادية نتيجة لتوفر وقود رخيص فائض صعب التصدير أو صعب التخزين في إحدى الدول المرتبطة، وإلى التقليل من تلوث البيئة.

وقد يدخل هذا المشروع ضمن ربط شبكات الكهرباء في مصر والعراق والأردن ولبنان وليبيا وفلسطين وسورية وتركيا،  وقد بدأ هذا المشروع كربط خماسي بين مصر والعراق والأردن وسورية وتركيا، ثم انضمت إليه لبنان لاحقاً عن طريق ربطها بسورية، ليصبح الربط سداسياً، ثم انضمت إليه بعد ذلك كل من ليبيا وفلسطين، ليصبح ثمانياً. وعليه، يعرف هذا المشروع الآن بالربط الثماني (EIJLLPST) الذي يمثل الحرف الأول من اسم كل من الدول الثمان. ومن ثم قد يكون الربط الكهربائي مع الاردن هو البداية لتخلي العراق عن استيراد الطاقة الكهربائية من ايران.

ولم تتضح الكيفية التي يتم بها توزيع تكاليف الربط الكهربائي بين العراق والاردن، والمعتاد ان يتم توزيع تكاليف المشاريع بين الدول بحيث تتحمل كل دولة تكاليف جزء المشروع الواقع في أراضيها. فعلى سبيل المثال بالنسبة للربط المصري- الأردني تضمنت تكاليف المشروع، بالنسبة للجانب المصري، تكاليف إنشاء محطات التحويل وخطوط النقل الواقعة في الأراضي المصرية بالإضافة إلى نصف تكلفة الكيبل البحري الذي يربط بين البلدين، وبالمثل بالنسبة للأردن.

2.تم الاتفاق على الانتهاء من الاتفاقية الاطارية لأنبوب النفط العراقي – الأردني والذي سيمتد من البصرة عبر حديثة إلى العقبة وذلك في الربع الأول من 2019.

من المتوقع ان ينفذ قريبا العقد الخاص بإنشاء أنبوب تصدير النفط العراقي عبر الأراضي الأردنية الذي يمتد بمسافة (1700 كلم من البصرة الى حديثة ثم إلى ميناء العقبة الاردني. نظراً إلى ضخامة تكلفة نقل النفط العراقي الى الاردن بالصهاريج والبالغة نحو 80 مليون دولار سنوياً.

وتبلغ الطاقة التصميمية للمشروع مليون برميل يوميا (منها 150 ألف برميل لتشغيل  مصفاة الزرقاء في الاردن) لنقل النفط الخام العراقي مع المنشآت اللازمة لتصدير النفط العراقي عبر أراضي المملكة إلى مرافئ التصدير على ساحل البحر الأحمر/العقبة، ويتضمن المشروع ايضا تنفيذ خط بطاقة تصميمية (358) مليون قدم مكعب يومياً لتأمين الغاز الطبيعي اللازم كوقود لتشغيل محطات الضخ على مسار الخط داخل الاراضي الاردنية لمتطلبات المشروع اضافة الى تزويد مستهلكين محليين أردنيين ضمن المسار (يحددهم الطرف الأردني) بحاجتهم من الغاز الطبيعي في حال توفره وحسب الطاقة المتاحة للأنبوب، بحيث يخصص للجانب الأردني من هذه الطاقة التصميمية (100) مليون قدم مكعب يومياً.

وتقدر تكاليف المشروع النهائية بـ(18) مليار دولار. وتقدر كلفة تنفيذ المشروع داخل الأراضي الأردنية بنحو 6 إلى 8 مليارات دولار، ينفذه القطاع الخاص وفقًا لأسلوب سيتم بناؤه وفق نظام البناء والتملك والتشغيل ونقل الملكية ((BOOT) اذ تؤول ملكية ومسؤولية التشغيل لجزء المشروع في الأراضي العراقية إلى الطرف العراقي ولجزء المشروع في أراضي المملكة الأردنية الهاشمية إلى الطرف الأردني. كما يلتزم المطور بتسليم المشروع لكلا البلدين بعد نهاية فترة العقد البالغة خمس وعشرين عاماً، بحالة فنية جيدة قابلة للعمل وفق الطاقة التصميمية، ليتم تشغيله من قبل الطرفين وضمن اتفاق خاص يعقد بينهما، على أن يتقاضى الأردن رسوم عبور النفط في اراضيه بعد انتهاء عقد المطور. إن كلفة إنشاء وتشغيل المشروع يتحملها بالكامل مطور الـ BOOT وتسترد من قبله من أجور نقل النفط الخام خلال فترة تشغيل المشروع إضافة إلى اجور العبور (TRANSIT) والمستحقة للطرف الأردني والتي يتم دفعها بالكامل من قبل الطرف العراقي.

سيمنح المشروع مرونة كبيرة في تصدير النفط إذ أن معظم النفط العراقي يصدّر عن طريق موانئ البصرة جنوب العراق من خلال الخليج العربي وهو معرّض إلى التوقف بسبب الأحوال الجوية أو لأسباب جيوسياسية فعندما تحصر تصدير النفط العراقي عبر منفذ بحري فسيكون رهينا بالأزمات في منطقة الخليج أو مضيق هرمز.

أن "تنويع مصادر تصدير النفط أمر في غاية الأهمية لان تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي متذبذب حاليا ومن ثم فأن مدّ أنبوب يوصل النفط العراقي بالأسواق العالمية عبر ميناء العقبة الأردني يعطي مرونة كبيرة في صادرات النفط وتنويعا في الأسواق الأمريكية التي تطلب النفط الثقيل على خلاف الأسواق الآسيوية التي تستهدفها موانئنا مع توفر كلفة نقل أرخص عبر الأنبوب.

غير ان كلفة نقل النفط العراقي من خلال هذا الانبوب التي تصل الى 4 دولارات للبرميل تعد مرتفعة جدا خاصة وأن كلفة نقل برميل النفط العراقي من خلال الخط العراقي – التركي الى ميناء جيهان تبلغ 1.15 دولار فيما لا تزيد كلفة تصدير البرميل عبر موائنا النفطية عن 10 سنت فضلا عن فقدان مردودات عوائد السفن وأجور الوكالات البحرية والخدمات البحرية وهي أموال ستذهب للحكومة الأردنية أو المستثمر.

3.تم الإتفاق على أن يقوم الجانب العراقي بتزويد الجانب الاردني ب(10) آلاف برميل يومياً من نفط كركوك آخذين بعين الاعتبار كلف النقل وإختلاف المواصفات في احتساب سعر النفط، الأمر الذي سيفتح باب تصدير النفط العراقي الى الاردن ويساهم في زيادة حركة النقل والشاحنات لدى الجانبين.

كان العراق يصدر الى الاردن في زمن النظام السابق 100 الف برميل يوميا نصفها بالمجان والنصف الآخر بأسعار تفضيلية.

وفي عام 2006 في وقت حكومة المالكي الاولى وقع الاردن والعراق مذكرة تفاهم لتجهيز ونقل النفط العراقي الخام للاردن بـ10 آلاف برميل يوميا من النفط الخام ترتفع إلى 15 ألف برميل، لتتم زيادتها مستقبلا إلى 30 ألف برميل وبخصم يصل إلى 18 دولارا للبرميل عن السعر العالمي، تم زيادته في عام 2008  الى 22 دولارا للبرميل بدلا من 18 دولارا للبرميل عن سعر نفط خام برنت مع خيار التحميل من منطقة (حديثة) العراقية.

بالنسبة إلى المذكرة الجديدة التي وُقعت بين الجانبين يوم 2 شباط 2019 الجاري والتي يصدر فيها العراق الى الاردن  10 آلاف برميل يوميا، فهي نسخة طبق الأصل من المذكرة السابقة، باستثناء أن المعادلة السعرية هي أقل بدولارين، فبدلًا من الـ18 دولارًا تم الاتفاق على 16 دولارًا اقل من سعر نفط برنت تغطي كلفة النقل ما بين كركوك والزرقاء، مع الفروق في نوعية نفط خام كركوك عن نفط خام برنت. علما ان صادرات العراق النفطية الى الاردن لا تعادل سوى 0.004% من اجمالي الصادرات العراقية يتحمل فيها العراق مبلغا قدره 58.560 مليون دولار سنويا يمثل الفرق بين سعر خام برنت والسعر المباع للأردن. ولم تتطرق الاتفاقية الى امكانية منح العراق للأسعار التفضيلية للنفط المصدر للأردن في حالة زيادة كميات النفط المصدرة للأردن او ان الامر يقتصر على الكمية المحددة في الاتفاقية ؟

أن تجديد العقوبات الأميركية على إيران، دفع العراق إلى التفكير في أهمية توسيع نطاق علاقاته الاقتصادية، وبالتالي فإن الإسراع في توسيع علاقاته التجارية مع الاردن وإقامة المنطقة الصناعية المشتركة بينهما، وكذلك إعادة الحديث بقوة عن أنبوب النفط من مدينة البصرة (جنوب العراق) إلى ميناء العقبة الأردني يعكس حرص الحكومة العراقية على زيادة إيراداتها من خلال رفع قدرات تصدير النفط وتحفيز الاستثمارات.

وعلى الرغم من ان الاثر الايجابي على الاقتصاد والاردني سيكون محدودا وخاصة في الاجل القصير بسبب صغر حجم الاقتصاد الاردني وضعف طاقاته التصديرية بسبب محدودية قاعدته الانتاجية إلا ان تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين سيترك آثارا ايجابية على الاقتصاد الاردني في المدى المتوسط.

وفي المقابل ستفضي هذه الاتفاقية الى بعض الآثار الايجابية المحدودة على الاقتصاد العراقي ومنها توفير بعض فرص العمل للعراقيين وتنشيط قطاعي التجارة والنقل. غير ان الاتفاقيات الاقتصادية العراقية الايرانية سيكون لها نتائج مهمة من الناحية الجيو- استراتيجية،إذ انها ستفضي الى نشر السلام في المنطقة الغربية في العراق التي كثيرا ما تتعرض للهجمات الارهابية من خلال تأمين الطريق الدولي الممتد من منفذ طريبيل الحدودي الى مدينة الرمادي من قبل الشركات الامنية الامريكية، واستثمار هذا الطريق. كما انه سينعش الوضع الاقتصادي المتدهور في المنطقة الغربية للعراق وستنخفض كثيرا النفقات العسكرية التي كان ينفقها العراق لتأمين الاوضاع الامنية في تلك المنطقة.