اخبار العراق الان

اللعبة الروسية - التركية في شرق الفرات

اللعبة الروسية - التركية في شرق الفرات
اللعبة الروسية - التركية في شرق الفرات

2019-02-15 00:00:00 - المصدر: رووداو


رووداو - أربيل

في أعقاب توصّل أمريكا وتركيا إلى خارطة تفاهم بشأن منبج، عمدت روسيا إلى التصريح، في كلّ مناسبة، إلى أنّ أمريكا تسعى إلى إقامة دويلة كردية في شرق الفرات. استغلّت روسيا، في ترويجها المرعب لتركيا هذا، إعلان الولايات المتحدة (أوائل عام 2018) دعمها لقوة حدودية شمال سوريا قوامها 30 ألف مقاتل، الأمر الذي فُسِّر على أنّه دعمٌ أمريكي يمكن أن يقود لإقامة كيان كردي مستقل في المنطقة. كانت التصريحات الروسية هذه رسالة إلى تركيا لإثارة الفزع لديها. وزادت روسيا من جرعة الفزع في أوصال تركيا من خلال التلميح إلى إمكانية ربط هذا الكيان (المزمع تشكيله) بإقليم كردستان العراق. كان الهدف من هذه الرسالة الروسية تصعيد التوتّر والخلاف بين أمريكا وتُركيا، وجرّ هذه الأخيرة إلى صفّها وتعميق انخراطها في مساري أستانا وسوتشي، تعزيزاً لهما كبديل عن مسار جنيف وهذا الطموح السياسي الأكبر لروسيا في تناولها لحلّ الأزمة السورية. فأكثر ما يوحّد تركيا وروسيا وإيران، ومع هاتين الأخيرتين سوريا، هو رفضها مجتمعةً لإقامة كيان كردي في سوريا برعاية غربية.

قمّة بوتين-أردوغان

بعد إعلان الرئيسي الأمريكي دونالد ترامب قرار سحب قوات بلاده من سوريا، ومن ثمّ اعلان عزمه على إقامة منطقة آمنة في شمال البلاد، سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين (موسكو - 23 يناير 2019). وفي اجتماعٍ مطوّل، تمّ تبادل الرئيسان بعض المقترحات والأفكار من دون التصديق عليها كقرارات نهائية بانتظار قمّة سوتشي الثلاثية للدول الضامنة.

ناقش الرئيسان فكرة انتشار وحدات عسكرية مختلطة من الجيش السوري والشرطة العسكرية الروسية في المناطق الحدودية وإقامة نقاط مراقبة مشتركة مع الجيش التركي على طول الحدود المشتركة، مع التزام روسي بعدم فرض تسوية بين الحكومة السورية والكرد قائمة على أيّ شكل من أشكال الفيدرالية أو الحكم الذاتي، وكذلك عدم السماح بالإبقاء على أي جسم عسكري شبه مستقلّ في المناطق الكردية وشرق الفرات، وتعهّد روسيا بضمان التنفيذ الكامل لاتفاقية أضنة وعلى طول الحدود المشتركة بين تركيا وسوريا، مقابل اعتراف تركيا بشرعية الحكومة السورية القائمة والرئيس السوري ومؤسسات الدولة السورية.

في الم قابل، أبدى أردوغان استعداده للتعهد بدعم مسار أستانا بديلاً عن جنيف ودمج المعارضة السورية بشقيها المدني والعسكري في التسوية الشاملة عبر مؤتمرات يتم التحضير لعقدها بداية الربيع المقبل، وكذلك التعهّد بدعم اللجنة الدستورية والاستحقاقات الانتخابية واجراءات إعادة بسط سيطرة الحكومة السورية على كامل الأراضي السورية.

عقدة الوجود الأمريكي 

في القمّة الثنائية، أبلغ الرئيس الروسي نظيره التركي بعدم استطاعة روسيا التدخّل في شرق الفرات، طالما لم يتمّ الانسحاب الأمريكي والدولي منها. هذا يعني أنّ تقاسم النفوذ الميداني بين أمريكا وروسيا سيظلّ قائماً ما لم تتخلّى أمريكا عن هذا التقاسم. والحال أنّ أمريكا قد تكون لديها خطط بديلة للإبقاء على نفوذها في منطقة شرق الفرات، سواءً سحبت كامل قواتها أو خفّضت وجودها. خاصّة وأنّ أمريكا قد جاهرت بمساعيها إلى إيجاد هذه البدائل، وآخرها تصريح القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي، باتريك شاناهان بأنّ بلاده تخطط لإقامة قوة مراقبة شمال شرقي سوريا تحت مظلة التحالف الدولي، وأنه قدم المقترح خلال اجتماع لحلف الناتو.

قمّة سوتشي الثلاثية

في قمّة سوتشي الثلاثية للدول الضامنة، أعاد الرئيس الروسي بوتين التأكيد على أنّ القرار الصائب الوحيد هو تسليم منطقة شرق الفرات إلى القوات المسلحة السورية بعد الانسحاب الأمريكي منها، مثلما أعاد التأكيد على اعتبار اتفاقية أضنة أرضية للعمل.

وكانت وزارة الخارجية الروسية قد استبقت القمّة، في تصريح للناطقة الرسمية باسمها، بالحديث عن المنطقة الآمنة التي تطمح إليها تركيا مشيرةً إلى أنّ وجود قوة عسكرية تعمل بتعليمات بلدٍ ثالث على الأراضي السورية يجب أن تحسمها دمشق مباشرةً. أيّ أنّه من الأرجح أنّ المقترحات التي نوقِشَت في قمّة بوتين-أردوغان السابقة لم تجد طريقها إلى المصادقة عليها. 

ورقة إدلب

كان لافتاً أنّ بسط سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) على معظم منطقة خفض التصعيد الرابعة (محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حلب وحماه واللاذقية) من دون معارك حقيقية مع الفصائل الموالية لتركيا علناً قد تزامن مع التطورات بشأن منطقة شرق الفرات. 

ربّما يكون افراغ محافظة إدلب وأطرافها لجبهة النصرة مناورة تركية لفتح بازار عليها مع روسيا للحصول منها على صفقة بشأن شرق الفرات بعدما توقّعت أن تعلو يد روسيا في المنطقة بعد الانسحاب الأمريكي المزمع منها. لكن بسط سيطرة الجبهة المصنّفة كمنظمة إرهابية من قبل مجلس الأمن الدولي يتيح الفرصة لروسيا وسوريا وإيران لتنقضّ على المنطقة عسكرياً وإعادتها للسيطرة السورية. هل يمكن لهذا أن يحدث من دون المساومة مع تركيا؟ نعم يمكن ذلك. هل من حسابات روسية قد تجعلها تترد في ذلك؟ ربّما حاجة روسيا إلى ابهام المعارضة السورية التابعة لتركيا في وثائق الحلّ السياسي الذي تطمح روسيا إلى تكون وفق منظورها. لكنّ مقرّ الائتلاف في استانبول لم يعد يحظى بأهميته السابقة، بعد تشكيل الهيئة العليا للتفاوض وكسر احتكار تركيا لولاء المعارضة السورية.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له أي علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية‬‬‬.