نيويورك تايمز: تركيا تعانى ركود اقتصادى وأردوغان يلقى باللوم على المؤامرات
قبل أكثر من عشرين عامًا؛ انتُخب رجب طيب أردوغان، للمرة الأولى، عمدةً للعاصمة التركية؛ اسطنبول، وقتذاك، تحدث عن الديمقراطية، قائلاً إنها “مثل عربة الترام، التي تنزل منها عندما تصل إلى وجهتك“.
موقع “فورين بوليسي إن فوكاس” التابع لمعهد الدراسات السياسية “IPS” الأمريكي، يرى أن هذا التصريح وبعد مرور عقدين من الزمان يلخّص واقع الرئيس التركي، الذي استطاع تحقيق مقولته عن طريق ملئ السجون بالمعارضين، وإسكات وسائل الإعلام، وترهيب المحاكم، وقتل أكثر من 150 ألف شخص.
وبينما تستعد تركيا للانتخابات البلدية في 31 مارس/أذار؛ قال الموقع الأمريكي إن هناك غيوم مظلمة في الأفق تهدده وحزبه، ومعظمها إلى حد كبير من صُنع أردوغان نفسه، مؤكدة أن الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية الحاكم “مُقبلين على نكسة”، على حد قول الموقع.
الطريق إلى التقشف
“فورين بوليسي إن فوكاس”، قال إن مسألة الخبز والزبد، التي يرفع شعارها حزب العدالة والتنمية، تظهر أن الاقتصاد يعاني بالأساس من مشكلة، وربما مشكلة بالغة الخطورة.
وانخفض الإنتاج الصناعي بنسبة 6 في المائة ومبيعات التجزئة بنسبة 7 في المائة، وانخفض النمو العام من 7.4 في المائة في عام 2017 إلى 2 في المائة المتوقعة في عام 2019. وبلغ التضخم 20.3 في المائة.
بالإضافة إلى ازدياد نسبة البطالة، إذ تشير أحدث الأرقام إلى أن أكثر من 11 في المائة عاطلون عن العمل، مع ضعف ذلك تقريبًا بالنسبة للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، والذين يشكّلون حوالي 20 في المائة من سكان تركيا.
في الماضي؛ كان “الإرهاب” مصدر القلق الرئيسي للناخبين، ولكن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن الاقتصاد هو القضية رقم واحد، تليها البطالة ثم اللاجئين السوريين.
ويرى الموقع البحثي أن أردوغان شيّد انتصاره الانتخابي على النمو الاقتصادي الذي أدى إلى خروج شريحة كبيرة من السكان من الفقر وأدى إلى نمو كبير في الطبقة الوسطى. تركز جزء كبير من هذا الاقتصاد على صناعة البناء والمشاريع الضخمة مثل مراكز التسوق والجسور، وأكبر مطار في العالم.
فبالنسبة لأردوغان، كان الاقتصاد الذي يرتكز على بناء مشروعات ضخمة، بمثابة صيغة مربحة لكل الأطراف –بحسب الموقع- الذي قال إن حزب العدالة والتنمية منح عقودًا مربحة لشركات البناء الكبرى، والتي بدورها ملأت الصناديق الانتخابية لحزب انزوى في هوامش الطيف السياسي بمرحلة ما، ليفوز في النهاية بحوالي 50% من أصوات الناخبين.
لكن هذا الوضع اختلف في الربع الثالث من العام الماضي؛ إذ انخفض النمو إلى 1.6 في المائة، وركدت صناعة البناء، وتم تسريح الكثير من العمّال، كما أن البناء كان له تأثير الدومينو على الصناعات الحليفة في الأسمنت والصلب والسيراميك، بحسب الموقع.
واستطرد: “مزيج من انخفاض قيمة الليرة، إلى جانب شعور الناس بعدم الأمان الاقتصادي، أدى إلى انخفاض المبيعات في صناعة السيارات والإلكترونيات والأجهزة المنزلية“.
أشار الموقع إلى أن الاقتصاد التركي لطالما اعتمد على رأس المال الأجنبي، أو ما يسمى بـ “الأموال الساخنة”، للحفاظ على استمرار دوران عجلة العمل بالمصانع ومواكبة مستويات المعيشة مرتفعة، ولكن الأموال الساخنة تبدأ في الجفاف ويحين موعد سداد الفواتير.
وبما أن معظم الديون التركية بالعملة الأجنبية، فمن الصعب تسديد تلك الديون بعملة الليرة منخفضة القيمة، ولذلك؛ فتحت أنقرة محادثات مع صندوق النقد الدولي لاستكشاف خطة إنقاذ، لكن عمليات الإنقاذ التي يقدمها صندوق النقد الدولي تأتي مع ثمن: التقشف، وليس بالضبط برنامج انتخابي ناجح.
هدير المقاومة
رغم أن الكثير من المعارضين السياسيين لنظام أردوغان تم سجنهم أو تهميشهم، إلا أنهم لم يتم تخويفهم وكتم أصواتهم بشكل كامل.
لفت الموقع الأمريكي، إلى أنه على الرغم من سجن 9 نواب برلمانيين من حزب الشعوب الديمقراطي اليساري، ومعقله المناطق الكردية، إلا أن هذا الحزب تمكّن من الحصول على ما يكفي من الأصوات في الانتخابات الأخيرة ليحافظ على مكانته كثالث أكبر حزب في البرلمان.
كما أن الإضراب عن الطعام من قبل النشطاء الأكراد السجناء قد ولّد أيضًا تعاطفًا مع حزب الشعوب الديمقراطي، وللمرة الأولى في التاريخ التركي شكّل العديد من الأحزاب الكردية جبهة موحدة.
كما قرر الحزب عدم تقديم مرشحين لرئاسة المدن الكبرى، مثل اسطنبول وأنقرة، من أجل المساعدة في انتخاب مرشحين من حزب الشعب الجمهوري العلماني، “باختصار؛ أي كيان سياسي عدا حزب العدالة والتنمية”، على حدّ تعبير الموقع.
أشار الوقع إلى أن حزب العدالة والتنمية كان يحصل على عدد كبير من الأصوات الكردية، خاصة من المناطق الريفية المحافظة، لكن عندما شنّ أردوغان حملة قمعية ضد الأكراد في محاولة لتهميش حزب الشعب الديمقراطي، فقد العديد من هؤلاء الناخبين. وفي حين أن جميعهم لم يتحولوا إلى الحزب اليساري، إلا أنهم حوّلوا أصواتهم إلى أحزاب كردية أخرى، متحدة الآن في ظل تحالف انتخابي كردستاني.
ما يثير السخرية -على حد قول الموقع- هو أن أردوغان مرر قانون يسمح للأحزاب بتشكيل تحالفات انتخابية. ويتيح القانون لأي حزب -حتى إذا لم يصل إلى الحد الأدنى المسموح به البالغ 10%- للدخول إلى البرلمان، فإن يمكنه الاحتفاظ بالمقاعد التي يفوز بها إذا كان متحالفًا مع حزب أكبر، وذلك في محاولة للتأكد من أن حليف حزب العدالة والتنمية، حزب العمل الوطني اليميني المتطرف، وصل إلى البرلمان، كان
ومن هذا المنطلق وبموجب قانون أردوغان نفسه، شكّل حزب الشعب الجمهوري تحالفًا مع حزب الخير الليبرالي، ومعظم الأحزاب الكردية تحت مظلة واحدة، ويرجح الموقع البحثي أن يفوز هذا التحالف بمقاعد لم يكن يحصل عليها في ظل القوانين القديمة.
مشاكل إقليمية
ويؤكد الموقع الأمريكي أنه إلى جانب المشكلات التركية الداخلية التي يواجها أردوغان؛ فإن سياسته الخارجية أيضًا لم تحقق نجاحًا كبيرًا.
وأوضح الموقع أن “الاحتلال التركي” لشمال سوريا فشل في تشتيت قوات سوريا الديمقراطية، ويبدو بشكل متزايد أن أنقرة “مُتعثّرة في مستنقع”؛ موضحًا أن خطة أردوغان كانت طرد الأكراد من شمالي سوريا وإعادة توطين اللاجئين السوريين، لكنها وقعت في فخّ المواجهة مع الروس والأمريكيين.
وقال إن هناك سلسلة قوية من النزعة القومية في تركيا، وربما يجني أردوغان حصادها فيما بعد عن طريق الضغط على الأكراد في جنوب شرقي تركيا والعراق وسوريا. ولكن يواجه الجيش التركي تشتيت مبالغ فيه على جبهات ممتدة، ولا يزال يعاني من مغبة عملية تطهير الضباط والرتب والملفات التي أعقبت الانقلاب الفاشل في عام 2016. كما أن هناك تقارير موثوقة تفيد بأن الجيش غير راضٍ عن عمليات احتلال جزء من سوريا.
وأضاف أن رغبة الرئيس التركي في افتعال تحديًا للعقوبات الأمريكية ضد إيران، ربما تمنحه زخمًا شعبيًا أو انتخابيًا، لأنها تعني ازدهار التجارة ورفع اقتصاد تركيا المتدهور.
ومع ذلك، يرجّح الموقع أن تركز انتخابات مارس على القضايا الداخلية لا الخارجية؛ وهو ما يدفع أردوغان لبذل قصارى جهده في حلّ أزمة الاقتصاد.
خدع “قذرة“
تدّعي المعارضة التركية أن تحالف حزب العدالة والتنمية، يحشو قوائم الناخبين بأسماء غير موجودة، ووجد محققو حزب الشعب الديمقراطي، أن بيت واحد في هكاري بجنوبي شرق تركيا لديه 1108 من الناخبين المسجلين.
بعد 17 سنة من القوة، وباستخدام كل الوسائل الممكنة، بما في ذلك تعبئة صناديق الاقتراع “بأصوات انتخابية مزورة”، لبناء نظام تنفيذي قوي يدور حول فلك أردوغان، يصعب تخيل أن أردوغان يعاني من نكسة، بحسب الموقع.
توقع الموقع الأمريكي أن تكون رسالة الأتراك في انتخابات 31 مارس، رسالة “توبيخ“.