اخبار العراق الان

الفنان هادي ضياء الديني يروي قصة نصب "لوحة الأنفال"

الفنان هادي ضياء الديني يروي قصة نصب
الفنان هادي ضياء الديني يروي قصة نصب "لوحة الأنفال"

2019-04-13 00:00:00 - المصدر: رووداو


رووداو – أربيل

هادي ضياء الديني (من مواليد سنندج 1956) رسام ونحات معروف في كوردستان والعالم، وقد يكون الفنان التشكيلي الكوردي الوحيد الذي يخطر اسمه ببالنا عند الحديث عن مجالات أخرى كالشعر، الأدب، التاريخ والسياسة. فقد نحت ضياءالديني تماثيل لعشرات الشخصيات الكوردستانية والعالمية في مدن كوردستان وإيران، ومن بينها تماثيل الشعراء (قانع، مولوي، مستورة، هيمن وهزار) وتمثال الحرية الذي تحول إلى رمز لمدينة سنندج، وتمثال بطلات كوباني الذي أضحى رمزاً للبطلات الكورديات، ونحت تمثالاً ضخماً بعنوان "لوحة الأنفال".
طلبت حكومة إقليم كوردستان نحت "لوحة الأنفال" قبل عشر سنوات ليتم نصبه في واحدة من الساحات الرئيسة في مدينة أربيل، فعمل عليه ضياءالديني بكل جد ووطنية، وأرسله إلى أربيل لكنه لم ينصب حتى الآن في أي مكان.

تزامنت زيارتنا إلى ضياءالديني في سنندج مع ذكرى القصف الكيمياوي لحلبجة، حيث كان منشغلاً بمعرضه السنوي، وفرحاً جداً بإقبال الناس على معرضه. رحب بنا بحفاوة، وكان معه هذا اللقاء:

رووداو: السيد ضياءالديني، نبارك لك إقامة هذا المعرض، هل لكم أن تحدثونا عن خلفية هذا المعرض السنوي؟

هادي ضياءالديني: أنا أقيم معرضاً سنوياً منذ العام 1975، ومنذ فاجعة حلبجة، أصبح واجباً علي أن أعمل من خلال الفن على أن لا ينسى شعبنا هذه الفاجعة الأليمة، فأصبحت أقيم المعرض كل سنة في ذكرى حلبجة، وفي معرضي الحالي هناك 34 لوحة معنية بالمناسبة ولكن بصيغ ترتبط بقضايا اجتماعية وإنسانية.

رووداو: كيف تجدون واجب وأثر الفن والفنان تجاه الأحداث التاريخية والإنسانية؟

هادي ضياءالديني: أنا مقتنع تماماً بأن الفن يجب أن يكون في خدمة الإنسان والمجتمع، وأعتقد أن الفن الذي لا يسلك هذا الاتجاه أجوف لا نفع منه.

رووداو: قد يكون لهذا الرأي معارضون، لكن الفنان لا يمكن أن يقصر ولا يبين موقفاً تجاه شعب عانى ومازال يعاني.

هادي ضياءالديني: أنا لست مع القول بأن الفنان يجب أن يكون ذا موقف لأن شعبه مضطهد، لأن ذلك يعني أن أكون بلا موقف عند زوال الاضطهاد، وهذا غير صحيح لأنني عندها يجب أن أتناول أفراح أمتي، وبدلاً عن 34 لوحة تعبر عن الألم أعرض 34 لوحة تعبر عن الأمل.

رووداو: بعض أعمال معرضكم ذو علاقة بفاجعة حلبجة، بينما عانى الكورد الكثير، لماذا اتخذتم من ذكرى فاجعة حلبجة مناسبة تقيمون فيها معرضكم السنوي، ولم تتخذوا غيرها مناسبة؟

هادي ضياءالديني: الفنان ليس مراسلاً ينقل الأخبار والأحداث، بل هو متأثر بخصائص عصره، ويتأثر بدون قرار أو تخطيط بأحداث وأوضاع مجتمعه. نعم مرت بنا فواجع كثيرة، وقد اتخذت من حلبجة رمزاً يمثلها ويمثل جميع الظلم الذي لقيناه.

رووداو: لم تلق فاجعة الأنفال الاهتمام اللازم، إذا قورنت بحلبجة، من حيث التماثيل والأفلام والنصب التذكارية، ولكنكم أشرتم من خلال صفحات التواصل الاجتماعي إلى مشروع عملتم عليه قبل سنوات وسلمتموه إلى الجهات المعنية في أربيل، لكن مصيره مجهول، نريد أن تتحدث لنا عن هذا المشروع...

هادي ضياءالديني: جاء هذا العمل بناء على طلب من حكومة إقليم كوردستان، عندما تلقيت المقترح فرحت به كثيراً وكان محل اعتزاز لي، أن تم تكليفي بهذا العمل. فباشرت بالعمل بشغف، استغرق عملي سنة ونصف سنة، في ظروف صعبة جداً. كان حقاً عملاً صعباً، لكن عشقي للعمل جعلني لا أشعر بالتعب، لأني كنت قد تقمصت حال المؤنفلين، وأشعر أني أتعرض للأنفال معهم وأدفن حياً معهم، وأقتل معهم... لذا استحسنت أن لا أرسمه على ورق، وأن أعمل وفق ما يمليه علي شعوري، بخلاف كل النحاتين في العالم والتاريخ. ضم العمل 23 إلى 25 شخصية معقدة غير عادية، عند نحت كل واحدة منها لم أكن أعرف ملامح التالية، إلى أن أكملت العمل وغلفته بغلاف من الفايبرغلاس، وصممت الصورة التي يجب أن يتم بها نصب التمثال. ثم بعثت به إلى أربيل، لكن المؤسف أنه بعد مرور عشر سنوات، لم يأتني خبر عنه ولا يعلم ما حل به إلا الله، من المؤسف أن كل ذلك العمل راح هباء.

رووداو: ما هي أبعاد العمل وقياساته؟

هادي ضياءالديني: يبلغ ارتفاعه نحو 18 متراً ويضم نحو 25 هيئة وشخصية، وعلى حد علمي لا يوجد في الفن المعاصر أو على الأقل في دول المنطقة تمثال يبلغ ارتفاعه 18 متراً، وكان ممكناً أن يكون هذا العمل من هذه الناحية مفخرة كوردية، ويقر السائح الأجنبي بأن للكورد فناً حين يراه.

رووداو: ما سبب عدم نصب التمثال؟ هل تلقيتم جواباً عن هذا التساؤل؟

هادي ضياءالديني: لا، ليس إلى الآن، والأمر موضع تساؤل بالنسبة إلي أنا أيضاً، أحب أن أعرف الجواب، وأنا واثق أنه ليس مرتبطاً بالعمل بحد ذاته.

رووداو: كانت لكم أعمال في إقليم كوردستان ومعارض في حلبجة والسليمانية وأربيل، وهناك تماثيل من عملكم تزين السليمانية وأربيل، وتمثال بعنوان الانتفاضة في قلعة دزة. كيف كانت ردود الفعل على تلك الأعمال؟

هادي ضياءالديني: من دواعي السرور أني راض عنها وهم أيضاً راضون عنها، ورغم تعرضي للغبن من حيث الأتعاب في مسألة تمثال قلعة دزة، لكن الذي يسر أنه موضوع في المكان المناسب له.

رووداو: متى تم هذا العمل؟

هادي ضياءالديني: كان مع مشروع لوحة الأنفال، أي قبل عشر سنوات.

رووداو: كيف تنظرون إلى مستقبل تعاملكم مع إقليم كوردستان، وهل ستؤثر هذه التجارب عليه؟

هادي ضياءالديني: أنا أركز على واجبي، ربما شعرت بالاستياء أحياناً، لكن لم أصب بالفتور، فواجبي هو الذي يوجهني، ومازلت أكن مشاعر تجاه إقليم كوردستان الذي أحبه، وأعمالي ليست من أجل حزب أو فئة معينة بل هي لعموم الناس.

رووداو: ربما يكون العمل الذي أرسلته إلى أربيل منذ عشر سنوات قد أصيب بشيء من التلف، ولو أن جهة أو إرادة أرادت الالتفات إلى المشروع، هل أنت مستعد للمساهمة بترميم ما أصيب منه بالتلف ونصب التمثال في مكان ما؟

هادي ضياءالديني: إن لم يكن أصيب بتلف كامل، وكان التلف جزئياً، لا شك أني سأعمل عليه ولكن بشروط.

رووداو: المواقف والمشاعر الوطنية والإنسانية هي المحرك الرئيس للفنان الأصيل، لكن هذا الفنان كسائر البشر يستحق مقابلاً مادياً ومعنوياً، لذا أرجو أن يلتفت المعنيون بالمشروع إلى ذلك العمل ولا يذهب جهدكم هباء.

هادي ضياءالديني: أنا أيضاً أرجو أن تكون هناك متابعة للموضوع وأن لا يتكرر شيء كهذا، وأنا على أية حال أتقبل ما جرى وأعلم أني في العالم الثالث، وهذه المشاكل شائعة فيه، وعندي الآن عمل آخر يبلغ ارتفاعه 15 متراً وقد تأخر نصبه سبعة أعوام ولا أدري لماذا...

رووداو: هل تخبرنا ما هو هذا المشروع وأين سيكون؟

هادي ضياءالديني: إنه عمل بمناسبة القصف الكيمياوي لـ(مريوان)، لكن عندما شاهده المسؤولون ولمسوا تأثيره، طلبوا أن يمنح معاني أوسع واسماً معبراً، سموه "رمز صمود وتفاني أبناء كوردستان"، وهو فريد في إيران من حيث ارتفاعه البالغ 15 متراً. كما أن ارتفاع منصته سبعة أمتار. أي سيكون مجموع ارتفاعه عن سطح الأرض 22 متراً، وفي حال نصبه إن شاء الله سيكون سبباً ليقال إن للكورد فناً.

رووداو: أغلب عملكم ينصب على النحت والعناصر المدنية، من هو المسؤول عن رفع مستوى فهم الجماهير لمثل هذه الأعمال، الفنان أم الحكومة ومخططو المدن؟

هادي ضياءالديني: الاثنان مترابطان ويكمل أحدهما الآخر. فواجب الفنان يتمثل في عمله الذي يجب أن يكون فنياً مرتبطاً بالحياة ليكون أبلغ أثراً. لكن إن تفانى الفنان في عمله ولم يتمكن من نشره، وعرضه على الجمهور، هنا يأتي دور الحكومة والسلطة والإعلام.

رووداو: كانت لكم معارض في دول عديدة، إلى جانب كوردستان وإيران، كيف تجدون الإقبال على معارضكم عند مقارنتها بالإقبال الذي تشهده في كوردستان؟

هادي ضياءالديني: أقولها بدون تعصب، إن اللذة التي أشعر بها من المتلقي الكوردي لا أجدها أبداً في المتلقي الأوروبي أو الغربي. فالمادة هي الغالبة على الرؤية الغربية، وعندما يشاهدون عملاً يتساءلون ترى كم ثمنه وكم يستحق، بينما هنا أجد العديد من رواد المعرض ينظرون إلى اللوحات فتتحرك مشاعرهم ويذرفون الدموع عندها، وهذا هو ما أبحث عنه، وهو ألذ عندي من التفاخر بأني أقمت معرضاً في أمريكا.