اخبار العراق الان

بين المخلوع والمقلوع

بين المخلوع والمقلوع
بين المخلوع والمقلوع

2019-04-15 00:00:00 - المصدر: رووداو


نجا السودان والجزائر من فورات الربيع العربي التي اجتاحت شمال أفريقيا، وربما يعود ذلك لأسباب عدة معظمها من التكهنات والتحليلات، فالسودان كان مهيئاً للتقسيم من قبل قوى عالمية، فقد كان نظام البشير واحداً من الأسباب الرئيسية في ضياع نصف البلاد نتيجة قلة التدبير والحكمة، لقد كان النظام يستمد شرعيته تحت مظلة الإسلام السياسي، وهو ما كان الغرب يروم ترسيخة من خلال ثورات الربيع المشؤومة، في حين كانت الجزائر وما زالت تعاني من تداعيات المجازر التي قادها التيار الإسلامي المتطرف، والتي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء، والتي سميت بالعشرية السوداء بين عامي 1992 - 2002.

من بن علي زين العابدين الهارب، والذي فر من تونس، مروراً بالمخلوع مبارك الذي أمضى عدة سنوات في السجن، إلى القذافي الذي ذبحه ثلة من قومه من الغوغاء نتيجة الفوضى التي صاحبت تحرير ليبيا بهدف نشر الديمقراطية التي وُعد بها العراق من قبل، مروراً ببن صالح الذي انقلب على شعبه فقتله أعداء الشعب بعد أن أصبح ورقة خاسرة، مروراً بالمتنحي قبل أيام، بو تفليقة، الحاكم من على كرسي متحرك بعد إصابته بجلطة دماغية منذ سنوات، والذي أجبره الشعب على الاستقالة منذ أيام، وصولاً إلى الحاكم بأمر الله عمر البشير الذي "قلعه" الشعب "قلعاً" من على كرسيه.

اليوم يتفرد السودان في إنهاء حكم البشير ليستعمل المجلس العسكري "غير المنتخب" من قبل الشعب لإدارة حكم البلاد، كلمة "المقلوع" للتعبير عن نهاية حكم البشير الذي امتد لثلاثة عقود. لقد قلع الشعب السوداني عمر البشير قلعاً، وبناءً على إرادة الشعب السلمية.

لقد استوقفني هذا التعبير الذي وصف الحالة بكلمة واحدة، وهو تصريف للفعل قلَعَ يقْلَع ، قَلْعاً، فهو قالِع، والمفعول مَقْلوع، ويقال قلَّع الأشجارَ: بالَغ في قَلْعِها، استأصلها، وانتزعها من مكانها، وقَلِعَ الرَّاكِبُ: لَمْ يَثْبُتْ عَلَى السَّرْجِ، القَلَعُ: الوقت الذي تُقْلع فيه الحُمَّى، وهو أيضاً يأتي بمعنى ما يكون على جلْد الأَجرب كالقِشْر.

انتفاضة الشعب السوداني تزامنت مع الذكرى الـ34 لانتفاضة أبريل التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق جعفر النميري في 6 أبريل 1985، إذ أُجبِر على التنحي بعد وقوف القوات المسلحة إلى جانب المتظاهرين الذين قادهم وقتذاك "التجمع النقابي" الشبيه بـ"تجمع المهنيين السودانيين" الحالي، واستعار المتظاهرون هتافات ترددت في انتفاضة أبريل 1985، مثل جيش واحد.. شعب واحد، بالإضافة إلى شعارات ضد نظام البشير مثل "تسقط بس"، و"ما همانا جيشنا معانا"، وسقطت يا كيزان (الإخوان المسلمين) وحرية، سلام، وعدالة، والثورة خيار الشعب. 

على الجانب الآخر قام الشعب الجزائري بتنحية بورقيبة عن الحكم في ثورة سلمية شملت تظاهرات واعتصامات شلت حركة البلاد، وكما فعل إخوانهم السودانيون من بعدهم بأيام قليلة.

كل هذا يقودنا إلى التساؤل: لماذا نجح الجزائريون والسودانيون ومن قبلهم المصريون وحتى التونسيون في ثوراتهم الشعبية والسلمية، فيما فشل سواهم في اليمن وسوريا وليبيا، وتحولت تلكم البلاد إلى الفوضى والدمار والاقتتال الطائفي والديني؟، والذي أدى إلى أكثر الحروب الأهلية بشاعة في تاريخنا الحديث ومنذ حركات وثورات التحرر الوطني من ربقة الاستعمار بشكله التقليدي القديم مع بدايات النصف الثاني من القرن الماضي.

الجواب وببساطة هو وجود الجيش كمؤسسة وطنية هدفها حماية البلاد بشكل عام، وللثقة المتبادلة بين الجيش والشعب، نعم لقد كان للجيش الوطني الدور الأكبر في حماية مصر من حكم الإخوان االمسلمين والإسلام السياسي بشكل عام، وكذلك الحال في تونس، وهاهو الجيش يقف منتصراً لمطالب الشعب في الجزائر والسودان. 

في حين لم يكن هناك جيش بالمفهوم الوطني في سوريا واليمن وليبيا  مهمته الحفاظ على مؤسسات الدولة وحماية الشعب، بل كانت مهمته الرئيسية حماية النظام، ولهذا ذهبت تلكم البلاد نحو الفوضى، وكان الشعب هو الضحية بعد أن اتخذ الجيش جانب الحاكم والنظام، وتمزق وانقسم وأصبح جزءاً من المليشيات بعد أن انهارت الدولة ومؤسساتها وأصبحت مجرد هياكل صورية لا تعني شيئاً.

ربما نتسائل لماذا فرض الحصار على العراق لأكثر من 10 سنوات طوال؟، الحصار الاقتصادي هو سياسة تجويع للشعب، تؤدي بالنتيجة إلى حالة من التذمر والبلبلة بين عامة الشعب من الطبقة العاملة في شتى المجالات، وهي سياسة مقصودة تؤدي إلى انخفاض حقيقي في دخل الفرد نتيجة التضخم وانخفاض سعر العملة، أي بمعنى آخر انخفاض القدرة الشرائية للدينار العراقي مع عدم زيادة الأجور وازدياد معدلات البطالة نتيجة توقف عجلة التنمية والاستثمار الوطني من خلال توقف البناء والإعمار، وبالتالي انخفاض معدلات الناتج المحلي كسلع وخدمات وانخفاض مهلات الناتج القومي باعتبار عوائد النفط تشكل ركناً أساسياً فيه، وكل هذا نتيجة الحصار وسياسة التجويع.

كان جاري أستاذاً جامعياً مرموقاً يحمل شهادة دكتوراه عالمية في تخصصه، كان يقول لي خلال سنوات الحصار المشؤوم: "لم نذق طعم البطيخ (الرقي) منذ سنوات لأنني لا أستطيع شراءه لأطفالي لأن سعره مرتفع". كانت هذه الفاكهة طعام الفقراء في عقود سابقة يتناولونها مع الخبز. الجوع والحصار والحرب الإعلامية والطابور الخامس والخونة الذين كانوا يتآمرون على الوطن مع الغازي والمحتل وتدني الشعور الوطني، كل هذه أسباب مهدت للغزو  الذي شاركت فيه الكثير من الدول بما فيها دول عربية ودول الجوار، كأكبر تحالف دولي ضد بلد محاصر ومنهك.

 إضافة إلى كل ما تقدم، كانت وعود بوش الصغير تقع كمفعول السحر في آذان العراقيين حين وعدهم بالديمقراطية والغنى والرفاهية، وعدهم بأن العراق سيكون مثل كوريا الجنوبية من حيث الرقي والتقدم خلال 8 ثماني سنوات، وبعد مرور 8 سنوات تركهم ومضى بعيداً مع وعده الكاذب ككذبة أسلحة الدمار الشامل.

انهار الجيش العقائدي الذي خرج منهكاً من حربين مدمرتين، الحرب ضد إيران والغزو الغادر للكويت، فقد كانت حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي كارثية على الجيش، حيث مني بخسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وتركت آثاراً نفسية بالغة السوء على العسكريين والمدنيين على حد سواء، وتبع ذلك أسوأ حصار اقتصادي في التاريخ أطلق عليه مسمى "النفط مقابل الغذاء". أول شيء فعله الغازي عام 2003 هو حل الجيش العراقي والشرطة وكافة قوى الأمن الداخلي.

لقد قام الشعب العراقي في المحافظات الوسطى والجنوبية بتظاهرات متكررة بعد الغزو طلباً للتغيير والعدالة ومكافحة الفساد نتيجة الفقر والمرض وغياب كافة الخدمات وازدياد معدلات البطالة، ناهيك عن القمع والاضطهاد وغياب الأمن والأمان وازدياد معدلات الجريمة وتفشي المخدرات، ولكن ليس من مجيب، فلا جيش وطني يحميهم ويرد لهم الحقوق، ولا طبقة حاكمة تستمع لشكواهم المستمرة.

اليوم ينتظر ويأمل ويحلم الكثير من العراقيين، عسى أن يخلصهم الرئيس ترامب من وضعهم المأساوي كما خلصهم من قبله بوش الصغير من الطاغية صدام، والذي بات عهده جنة في نظرهم قياساً بما عانوه ويعانونه منذ 2003، وكأنهم وللمرة الثانية كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولكن لا شيء محال، ولا بد للأشياء أن تأخذ مداها مهما طال، فالنهاية آتية ولا ريب، ولكنها ولا ريب لن تكون على الطريقة الأمريكية مرة أخرى.

تحية للشعوب العربية في مصر والجزائر والسودان لثوراتهم السلمية ضد الاستبداد، وتحية لجيوشهم الوطنية التي حمت الشعب والبلاد.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له أي علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية‬‬‬.