اخبار العراق الان

عاجل

الملامح السيستانيّة لنظام الحكم الصالح للعراق !

الملامح السيستانيّة لنظام الحكم الصالح للعراق !
الملامح السيستانيّة لنظام الحكم الصالح للعراق !

2019-04-18 00:00:00 - المصدر: نون


بقلم: نجاح بيعي


ليست المرة الأولى التي تُدرك بها المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف الأمّة (الساحة العراقية) وتنتشلها من اللغط والتشويش والتلبيس, الذي يُثيره كل مرّة مُدّعي العلم والمعرفة والسياسة من المتطفلين والمقامرين والفاسدين ـ محليين كانوا أم إقليميين ودوليين, حول طبيعة نظام الحكم في العراق ـ ومسيرة العملية السياسية التي انطلقت برعايتها بعد سقوط الديكتاتورية عام 2003م. فسارعت وأعربت عن موقفها إزاء شكل الدولة ونظام الحكم, في إستفتاء صدر عنها في 14/4/2019م.


وإذا ما استقرأنا النص واسترشدنا السبيل الى معرفة موقف المرجعية العليا من طبيعة وشكل (نظام الحكم في العراق) والذي تمّ حصره في مصدرين لا ثالث لهما:
ـ الأول: كتاب (النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية).
ـ الثاني: والبيان الصادر من مكتب سماحته قبيل انتخابات مجلس النواب بتاريخ (17 شعبان 1439). والتي ألقي من على منبر جمعة كربلاء ـ الخطبة الثانية في (4/5/2018).
نكون قد وقفنا على الخطوط العريضة لتجربة نظام (حكم) فريدة تلوح بدولة (لا دينية ـ ولكن مدنية مشروطة) تبنتها المرجعية العليا وارتأتها أن تكون نظام حكم سياسي لعراق ما بعد عام 2003م.


وقبل أن نلج النص ونغور فيه (من غير تنظير مسهب) ونتعرف على أبرز ملامح تلك التجربة (بشكل سهل لا تعقيد فيه) ونلمس ملامح (دولة لا دينية ـ ولكنها مدنية مشروطة) ربما علينا أن نقف على معان ٍ عدة مستوحاة من نص الإستفتاء منها:
1ـ أن المرجعية العليا لا يغيب عنها عبث المتطفلون والمقامرون والفاسدون من مُدّعي العلم والمعرفة والسياسة في الداخل والخارج وهي لهم بالمرصاد دائما ً.
2ـ أن المرجعية العليا حريصة كل الحرص على أن تكون الأمّة حرّة وبلا قيود, وأن تكون على درجة من الوعي في إدراك قضاياها المصيرية, وأن لا تكون أسيرة (خزعبلات وتوهمات) البعض الذين لا حظ لهم إلا في ذرّ الرماد في العيون أوفي خلط الأوراق, لمصلحة ما في سلطة أو نفوذ أو مال ـ أو تنفيذا ً لأجندات خارجية مُغرضة.
3ـ الحكم بعدم صحة ودقة ما يذهب اليه هؤلاء (المُتنطعون والمتطفلون)من تصريحات وتحليلات يُبدونها حول مواقف ورؤى المرجعية العليا في هذا الشأن, وبالتالي هي بمجموعها لا تعدو كونها انطباعات أصحابها فقط.
4ـ أن مواقف المرجعية العليا تجاه القضايا التي تخص وتهمّ (الأمّة) الشعب العراقي تتصف وتتميز بالثبات, وأن مواقفها لا يطرأ عليها تغيير (قط) مع مرور الوقت وتغيّر الأحداث وفي جميع الأدوار. ولا يُمكن تفسير هذا الثبات إلا بصواب (رؤاها الفكرية والسياسية والإدارية) الذي ينم عن قراءة مُتبصّرة لأدق تفاصيل الأحداث ومجريات الأمور في الساحة العراقية فضلا ً عن الإقليمية والدولية, والمستند قطعا ً إلى الشرع الإلهيّ الذي تُدرَك به المصلحة العليا التي غابت ولا تزال تغيب عن أذهان الكثيرين.
5ـ أن المرجعية العليا لا تزال تمتلك الثقل الأكبر والقوّة اللازمة لكبح جماح المسارات الخاطئة على الأصعد كافة (السياسية والأمنية والإجتماعية وغيرها)وتصحيحها بما يضمن سلامة العراق شعبا ً وأرضا ً ومقدسات, وهذه الصفة مُستمدة من مقامها الديني والإجتماعي السامي.
6ـ جواب الإستفتاء كان قد أقرّ عنوان منطوق السؤال الباحث عن الموقف المُتفرد للمرجعية العليا حول (نظام الحكم الصالح للعراق) في إشارة إلى:
ـ أن المشكلة تكمن في تجربة (نظام الحكم) الذي أصرّت عليه المرجعية العليا.
ـ أن هناك نفي لجميع البدائل الأخرى كـ(أنظمة سياسية) إذا ما أردنا للشعب العراقي مستقبل (يحظى بالتقدم والإزدهار ويحافظ فيه على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا).
ـ وجود نظام حكم غير صالح (أو يكون كذلك) في حال عدم الإلتزام بتوجيهات المرجعية العليا.
ـ حكومة لا (دينية) ولكنها (مدنية) مشروطة..
وهل نجد ذلك في المصدرين اللذين تمّت الإشارة إليهما في الإستفتاء؟.
ـ نعم!
ففي تموز عام 2003م تقدمت جريدة (الإقتصاد اليابانية) بالسؤال التالي إلى مكتب السيد "السيستاني" في النجف الأشرف وكان:(ما هو رأيكم بالحكم الجديد في العراق؟هل تؤيدون الحكم الإسلامي؟ هل تحبون أن تكون دولة العراق مثل دولة إيران الإسلامية؟).
ـ فكان الجواب: ـ(أمّا تشكيل حكومة دينية على أساس فكرة ولاية الفقيه المطلقة فليس واردا ً. ولكن يُفترض بالحكم الجديد أن يحترم الدين الإسلامي الذي هو دين أغلبية الشعب العراقي ولا يقرّ ما يخالف تعاليم الاسلام)(1).
ـ وكذلك كانت صحيفة (الواشنطن بوست)تقدمت هي الأخرى بسؤال مهم إلى مكتب السيد "السيستاني" في النجف الأشرف مفاده: (ما هي العلاقة بين الدين والدولة؟).
ـ فجاء الجواب: (يُفترض بالحكومة التي تنبثق عن إرادة أغلبية الشعب أن تحترم دين الأغلبية وتأخذ بقيمه ولا تخالف في قراراتها شيئاً من أحكامه)(2).
ـ إذن.. يُفهم ويُعرف من ذلك أن ـ لا حكومة دينية في العراق وأن تأسيس حكومة على أساس نظرية (ولاية الفقيه) المطلقة ليس واردا ً عند المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف. ولكن نعم لحكومة (مدنية) ـ أي نظام سياسي (يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الاقتراع في انتخابات دورية حرّة ونزيهة)(3). تكون قادرة على تحقيق العدالة الإجتماعية لجميع مكونات الطيف العراقي بأديانه ومذاهبه وطوائفه, على أساس (المواطنة) الصالحة والمساواة في الحقوق والواجبات ولكن بشرط:
1ـ أن يحترم نظام الحكم الجديد (الدين الإسلامي) الذي هو دين أغلبية الشعب العراقي.
2ـ أن لا يُقرّ هذا النظام ما يخالف تعاليم الإسلام.
ومن هذا المنطلق تكون هذه التجربة المتفردة بامتياز قد أعطت نقلة نوعية للنجف الأشرف في مجال الفكر السياسي في عصر الغيبة الكبرى.

فالحكومة التي لا يُباشر فيها (الفقيه) صلاحياته وسلطاته الواسعة هي حكومة لا دينية ـ ولكنها ليست مدنيّة حسب المفهوم (العلماني) البحت الذي يُفصل الدين عن الدولة, وإنما هي حكومة مدنيّة مشروطة على أن لا تُقرّ ما يخالف تعاليم الإسلام, تضمن إعتماد (التعددية السياسية) و(التداول السلمي للسلطة)عبر الرجوع الى (صناديق الإقتراع) في (انتخابات دورية حرّة ونزيهة).
ومن هذا نفهم أن إصرار المرجعية العليا على انتهاج مثل هكذا نظام إنما يعود لأسباب منها:
أنها مؤمنة بـ(أنه لا بديل عن سلوك هذا المسار في حكم البلد) إن أردنا لهذا البلد مستقبل ينعم بـ(الحرية والكرامة ويحافظ فيه على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا)(3). وهذا يكشف حِدّة المواجهة التي أبدتها المرجعية العليا مع سلطات (الإحتلال) ومنظمة (الأمم المتحدة) بعد زوال الديكتاتوية عام 2003م, حتى أجبرتهم بالإسراع في إجراء إنتخابات عامة في العراق (لإتاحة الفرصة أمام العراقيين لتقرير مستقبلهم بأنفسهم من خلال اختيار ممثليهم المخوَّلين بكتابة الدستور الدائم وتعيين أعضاء الحكومة العراقية) الجديدة ـ هذا أولا ً.
وأن المرجعية العليا وبعد (16) ستة عشر سنة من تغيير النظام الشمولي السابق لا تزال عند رأيها من أن (سلوك هذا المسار (المسار الديمقراطي والتعددية السياسية..) يُشكّل ـ من حيث المبدأ ـ الخيار الصحيح والمناسب لحاضر البلد ومستقبله) أما لماذا ؟ فلأنه يضمن (تفادي الوقوع في مهالك الحكم الفردي والنظام الإستبدادي تحت أي ذريعة أو عنوان) ـ ثانيا ً.
أما الطعن في هذه التجربة(السيستانيّة) الفتيّة وتحميلها مسؤولية المآسي والإخفاقات وتردّي الأوضاع الأمنية والإقتصادية والإجتماعية والأخلاقية والسياسية وتفشي الفساد في الدولة وغيرها..حتى تصاعدت أصوات نشاز هنا وهناك تنادي بإسقاط العملية السياسية أو تغيير شكل النظام الى رئاسي أو الدعوة لإنقلاب عسكري أو للإعلان الأحكام العرفية وو.. ـ هذا إدّعاء مُجانب للحق والحقيقة مما لا يخفى.
وكانت المرجعية العليا قد شخّصت أسباب تلك الإخفاقات التي شابت التجربة السياسية الجديدة ورافقت مسيرة العملية السياسية, وحصرتها في (محورين) تتحمل الطبقة السياسية المتنفذة المتصدية للشأن السياسي, كامل المسؤولية الشرعية والقانونية والأخلاقية والتأريخية لكليهما:
ـ الأول: ويخص المسار الإنتخابي. حيث قالت بالحرف الواحد: (من الواضح أن المسار الإنتخابي لا يؤدي الى نتائج مرضية إلا مع توفر عدة شروط منها:ـ أن يكون القانون الإنتخابي عادلا ً يرعى حرمة أصوات الناخبين ولا يسمح بالإلتفاف عليها. ومنها:ـ أن تتنافس القوائم الإنتخابية على برامج إقتصادية وتعليمية وخدمية قابلة للتنفيذ بعيدا ً عن الشخصنة والشحن القومي أو الطائفي والمزايدات الإعلامية. ومنها:ـ أن يُمنع التدخل الخارجي في أمر الإنتخابات سواء بالدعم المالي أو غيره وتُشدّد العقوبة على ذلك. ومنها:ـ وعي الناخبين لقيمة أصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد فلا يمنحونها لأناس غير مؤهلين إزاء ثمن بخس ولا اتّباعا ً للأهواء والعواطف أو رعايةً للمصالح الشخصية أو النزعات القَبلية أو نحوها)(3).
ـ إذن..لا يوجد قانون إنتخابي عادل. ولا يوجد تنافس إنتخابي نبيل وشريف ونزيه. ولا توجد برامج وطنية قابلة للتنفيذ. وتوجد بدلا ً عن ذلك(الشخصنة والشحن الطائفي والقومي والمزايدات الإعلامية) الفارغة. مع وجود التدخل الأجنبي وبشكل فاضح في أمر الإنتخابات. ووجود الجهل وعدم الوعي لقيمة ودور الأصوات الإنتخابية لدى الناخب.
ـ الثاني: يخص بصورة مباشرة الطبقة السياسية المتنفذة والمتصدية للشأن السياسي في العراق. حيث قالت المرجعية العليا بالحرف الواحد: (ومن المؤكد أن الإخفاقات التي رافقت التجارب الإنتخابية الماضية ـ من سوء إستغلال السلطة من قبل كثيرٍ ممن انتخبوا أو تسنّموا المناصب العليا في الحكومة، ومساهمتهم في نشر الفساد وتضييع المال العام بصورة غير مسبوقة، وتمييز أنفسهم برواتب ومخصصات كبيرة، وفشلهم في أداء واجباتهم في خدمة الشعب وتوفير الحياة الكريمة لأبنائه ـ ـ لم تكن إلا نتيجة طبيعية لعدم تطبيق العديد من الشروط اللازمة ـ ولو بدرجات متفاوتة ـ عند إجراء تلك الإنتخابات)(3).
ـ إذن الإخفاقات ليست في طبيعة نظام الحكم السياسي الذي تبنته المرجعية العليا, وإنما نتيجة طبيعية لسوء استغلال السلطة من قبل الذين تسنموا المناصب الحكومية والسيادية. ومساهمتهم بشكل فعال في نشر الفساد بأنواعه, وكانوا سببا ً في تضيع المال العام بشكل لم يسبق له مثيل, وميّزوا أنفسهم بامتيازات كبيرة فاحشة, ففشلوا فشلا ً ذريعا ً في أداء الواجب المناط بهم وأخفقوا في تقديم الخدمة العامة وفي توفير الحياة الكريمة لجميع العراقيين.
ـ وفي الختام.. نعم لنظام سياسي يسير وفق مبادئ الدستور والقوانين (وصولا ً الى إرساء دعائم دولة ـ مدنية ـ قائمة على مؤسسات دستورية تُحتَرمُ فيها الحقوق والواجبات)(4).
ـــــــــــــــــ
(1)ـ وثيقة رقم (22) من النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني دام ظله في المسألة العراقية ـ إعداد حامد الخفاف ـ بيروت ـ لبنان الطبعة السادسة.
http://www.iraqstudents.ir/wp-content/uploads/2016/book/nosoos_sistani.pdf
(2)ـ وثيقة رقم (13) من النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني دام ظله في المسألة العراقية ـ إعداد حامد الخفاف ـ بيروت ـ لبنان الطبعة السادسة.
http://www.iraqstudents.ir/wp-content/uploads/2016/book/nosoos_sistani.pdf
(3)ـ بيان مكتب سماحة السيد (دام ظلّه) حول الإنتخابات النيابية في العراق عام 2018م
١٧شعبان١٤٣٩هـ:
https://www.sistani.org/arabic/statement/26025/
ـ وألقي هذا البيان في خطبة جمعة كربلاء الثانية في 4/5/2018م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=384
(4)ـ خطبة جمعة كربلاء الثانية 28صفر 1434هـ الموافق 11/1/2013م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=90

الملامح السيستانيّة لنظام الحكم الصالح للعراق !