اخبار العراق الان

قصة عشرة أيام داخل "دولة الخلافة"

قصة عشرة أيام داخل
قصة عشرة أيام داخل "دولة الخلافة"

2019-04-18 00:00:00 - المصدر: رووداو


الصحفي (يورغن تودنهوفر) من الصحفيين العالميين الذين كان لهم حضور في أغلب حروب هذه الفترة، والأعمال التي يقوم بإنجازها هي في الغالب أعمال قلما يجرؤ غيره على القيام بها، فقد غامر تودنهوفر بحياته في سبيل إبراز حقائق الأحداث وإظهار الجانب الخفي منها.

تودنهوفر مسيحي، لكنه يدافع في كتاباته وباستمرار عن حقوق المسلمين ويوضح برؤية مستقلة معتدلة مشاكلهم للعالم الغربي، ما جعله محبوباً ومعروفاً في الدول المسلمة. بعد أن ضمن تودنهوفر رحلة إلى مناطق نفوذ داعش، توجه يحدوه قلق بالغ إلى تلك المناطق وبقي فيها عشرة أيام.

ولدى عودته إلى ألمانيا، نشر كتاب (عشرة أيام مع داعش) ليشتهر به في عموم العالم.

(عشرة أيام مع داعش) واحد من الكتب الهامة في هذا العصر، وأرى أن على من يريد التعرف على الجوانب الخفية لتنظيم داعش أن يقرأ هذا الكتاب.

في الفصل الأول من كتابه يتحدث يورغن تودنهوفر عن ولادة داعش ويقول: "بعد أن استقرت فصائل المقاومة المختلفة في العراق، غيّر تنظيم القاعدة في العراق اسمه في تشرين الأول 2006 إلى (الدولة الإسلامية في العراق)، وتولى زعامة التنظيم مسلح مصري يدعى (أبو أيوب المصري) وأصبح عراقي يدعى (أبو عبدالله الرشيد البغدادي) الزعيم الروحي للتنظيم".

وفي الفصل الثاني من الكتاب، ينتقد تودنهوفر الدول الغربية عموماً ويرى أن الغرب سعى إلى إبقاء الشرق خاضعاً لنفوذه وهيمنته، ويعتقد أن الصورة التي عمل الغرب على رسمها للإسلام كعدو، منذ مئات السنين، ترسخت في الأذهان، لكنها على أية حال صورة مشوهة وزائفة، ويمثل للحرب الغربية بالقول: "لم يكن المسلمون هم الذين شنوا (الحرب المقدسة) وقتلوا أكثر من أربعة ملايين مسلم ويهودي خلال الحملات الصليبية، بل المسيحيون هم الذين أغرقوا أورشليم بالدماء وقطعوا الطرق، لم يكن المسلمون من قتل عشرة ملايين سلافي وستة ملايين يهودي بطريقة بشعة وفاضحة، بل نحن الألمان فعلنا ذلك".

ويدافع تودنهوفر بصراحة عن المسلمين ويقول إن عبارة "ليس كل المسلمين إرهابيين لكن كل الإرهابيين مسلمون" جوفاء لا معنى لها، فهو يرى أن الإرهاب ظاهرة عالمية لا تختص بالمسلمين، فبيانات الموقع العمومي للإرهاب العالمي، وهو مركز عالمي أسسته أمريكا، تظهر أن 239 عملية إرهابية جرت في الغرب خلال العام 2013 نفذ المسلمون اثنتين منها فقط. لهذا يخلص إلى القول بأن الإرهاب ليس مرتبطاً بالدين، وليس هناك شيء اسمه الإرهاب الإسلامي في الواقع، وليس إرهاب إيرلندا الشمالية أو إرهاب (أندريس بريفيك) النرويجي إرهاباً مسيحياً، نحن نسمي الإرهاب الذي ينفذه مسلمون بالإرهاب الإسلامي، لكننا لا نسمي الإرهاب الذي ينفذه الغربيون بالإرهاب المسيحي.

ويخلص تودنهوفر إلى أن الإرهابيين أنذال لا خير فيهم تحتاج إليهم السياسة الأمريكية باستمرار لإضفاء الشرعية على تدخلاتها العسكرية.

وعن تعريف الإرهاب، يمثل تودنهوفر بأقوال مسؤول أمريكي، هو مساعد رئيس فريق بحوث الإرهاب في البيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، إدوارد بيك، الذي يصف بنبرة تهكمية يائسة صعوبة التمييز بين إرهاب الدولة والإرهاب العادي: "قدمنا ستة تعاريف للإرهاب، تم رفضها جميعاً وبشدة، فعند الدراسة الدقيقة لها، ظهر في كل مرة أن لأمريكا ضلعاً في هذا النوع من النشاطات".

ويعتقد تودنهوفر أنه يجب اعتبار قسم من الساسة الأمريكيين والبريطانيين إرهابيين "لو كانت السياسة الغربية صادقة، يجب أن تقر بأن ساسة من قبيل جورج بوش، ديك تشيني، رامسفيلد وتوني بلير إرهابيين أسوأ بكثير، إن لم يكن لسبب فبسبب عدد الضحايا الذي خلفوهم، فحيثما تدخل هؤلاء مات مئات الآلاف، وليس الآلاف فحسب، من المدنيين موتاً مفجعاً".

في الفصل الثالث من كتابه، يتحدث تودنهوفر عن رحلة بحثه عن الحقيقة ويرى أن على من يريد إدراك حقيقة الأحداث أن يسمع لطرفي الخلاف: "اتبعت نداء الثوار الذين انتفضوا ضد من كانوا يحكمون العالم من على كراسيهم وهم واثقون من أن الحقيقة موجودة عندهم فقط".

في الفصل الرابع من كتابه، وبعد أن شاهد تودنهوفر 400 مسلح من داعش يهزمون جيشاً عراقياً مدرباً قوامه عشرون ألف جندي وآلاف عناصر الشرطة، توجه إلى أقليم كوردستان، ليتمكن من زيارة الموصل، فاجتمع مع عدد من المسؤولين الكورد والسنة العراقيين، لم يبد أي منهم استعداده لإيصاله إلى الموصل، فاكتفى بزيارة مواقع البيشمركة الأمامية ومخيمات النازحين.

في الفصل الخامس من الكتاب، يبدأ الكاتب عمله الرئيس، وهو حوار مع الجهاديين الألمان في صفوف داعش، ولكي لا يقع في مشاكل قانونية وأمنية قام مسبقاً بتبليغ المسؤولين الألمان وزملائه الصحفيين بعمله.

عثر تودنهوفر بمساعدة من ابنه (فريدريك) على ثمانين جهادياً ألمانياً من خلال شبكة فيسبوك الاجتماعية، وكتب رسالة وجهها لهم جميعاً ليتلقى أجوبة من خمسة عشر منهم.

وبعد الدردشة مع عدد من الجهاديين الألمان، وجد كلامه طريقه إلى مسؤول في داعش (أبو قتادة) وإعلاميين في داعش عن طريق أحد الألمان الدواعش.

يبدأ حوارهم بطلب يوجهه تودنهوفر إلى أبي قتادة، إذ يقول له أريد أن ألتقيكم في مناطق القتال، فيرد أبو قتادة أنه تحدث إلى مسؤوليه بهذا الخصوص، ونحن نريد أن نعرض على العالم الخارجي صورة واقعية لداعش، ونستحسن أن تزور منطقتنا وترى الحقائق بعينيك، ونحن نتولى حمايتك.

بعد أن أعد أبو قتادة كتاب أمان من ديوان الخليفة (البغدادي) شعر تودنهوفر بشيء من الأمان رغم شكوكه الكثيرة تجاه الأعمال الوحشية لداعش.

ورغم محاولات عائلته وابنه فردريك إثناء تودنهوفر عن هذه الرحلة، فإنه يصر عليها ويتجه قلقاً إلى مناطق داعش صحبة ابنه وزميل له.

يصل تودنهوفر وفريقه عبر الحدود التركية إلى أشخاص نظم أبو قتادة موعداً مسبقاً معهم، ليقوم هؤلاء عن طريق أشخاص آخرين بنقله إلى حيث أبو قتادة في سوريا. بعدها بقي الفريق عشرة أيام في المناطق الخاضعة لسيطرة داعش صحبة أبي قتادة وأربعة من مسلحي داعش يتولون حمايتهم.

خلال تلك الزيارة، وقعت مشادات كلامية متكررة بين فريق تودنهوفر وداعش، فرغم كون تودنهوفر في منطقة نفوذ داعش إلا أنه كان يرفض الانصياع للقيود التي تفرض عليه، وخاصة التي تقيد حريته في العمل، ومنها فرض الرقابة عليهم ومنعهم من اصطحاب الكاميرا في واحدة من المرات والذي تسبب في مشادة كلامية عنيفة بين أبي قتادة وتودنهوفر.

في سادس أيام جولته، شاهد تودنهوفر بيشمركة أسرى في واحدة من ساحات الموصل، وحاور أحدهم واسمه (حسن محمد) وهو من قضاء خَبات، وطرح عليه عدداً من الأسئلة، ومنها سؤاله عما قرر داعش بشأن مصيره؟ فأجاب: أخبرونا أنهم سيبادلوننا بأسراهم، وقد دعونا حكومة إقليم كوردستان أن تتعاون في هذا التبادل، لكنها لم تفعل شيئاً ولم تُبد رغبة في ذلك.

وفي مكان آخر، التقى تودنهوفر عدداً من مسلحي داعش الذين شاركوا في احتلال الموصل، وحاور أحدهم وسأله كم يوماً استغرقت عملية السيطرة على الموصل وكم عدد المسلحين الذين شاركوا في تلك المعركة، وكم كان قوام القوات العراقية؟ فأجاب المسلح: "استغرقت السيطرة على الموصل أربعة أيام، ولم يكن عدد المشاركين منا يزيد على 300، وكان قوام القوات العراقية 24000 جندي".

في اليوم السادس أيضاً، وجه تودنهوفر عدداً من الأسئلة إلى أبي قتادة، كان أحدها: إذا احتلت الدولة الإسلامية الجزء الأكبر من سوريا والعراق، ماذا سيكون هدفكم التالي؟

أجاب أبو قتادة: "هدف الدولة الإسلامية الأول هو ترسيخ شريعة الله، سواء في سوريا أم في العراق، ولا شك أننا سنسيطر على أوروبا أيضاً".

خلال جولته في مناطق نفوذ داعش، التقى تودنهوفر مدير شرطة وقاضي داعش وشخصيات مختلفة من التنظيم، وبعد انقضاء عشرة أيام انتهت جولة تودنهوفر وفريقه وعادوا إلى بلادهم عن طريق تركيا.

في الفصل التاسع من كتابه، يوجه يورغن تودنهوفر رسالة إلى خليفة الدولة الإسلامية (أبي بكر البغدادي)، يشكره فيها على تنظيم تلك الزيارة إلى مناطق نفوذ داعش، ويوصيه بأن يقوموا بدعوة الصحفيين لزيارة دولتهم بدلاً عن ذبحهم.

والرسالة بكاملها عبارة عن نصائح، ويقول فيها: "عندما زحفت على العراق وسوريا، حققت أحياناً انتصارات كبيرة واسعة النطاق لم يتوقعها أحد من قبل، ومع ذلك، وكما تعلمون فإن الحظوظ متقلبة، ولن يحالفك الحظ كل يوم، والأساليب التي يتبعها مسلحوك في الحرب، لاإسلامية وضارة إذا قورنت بأحكام القرآن، وتصرفاتكم هذه تضر بجميع مسلمي العالم، وهي تضر أكثر من أي شيء بالإسلام الذي تدعون إليه وتقاتلون في سبيله".

ويخبره: قرأت القرآن عدة مرات، وأفدت منه، ولم أعثر فيه على تلك الروح العنفية التي تنميه عامداً أنت وجنودك، أنتم تتخطون الخطوط الحمر للقرآن وتخالفون رسالته.

ويستشهد تودنهوفر في رسالته بآيات من القرآن تدل على رحمة الله ويقارنها بالتصرفات الوحشية لداعش، ويختم رسالته بالقول: "كنت أحب كثيراً أن أرى دولة إسلامية في يوم من الأيام، لأن تلك الدولة كان بإمكانها في وقت السلم أن تواجه ظلم وتكبر الغرب، لكن يؤسفني أني وجدت حكومة مضادة للإسلام".

في نهاية كتابه، نشر يورغن تودنهوفر صوراً من كتاب الأمان الصادر عن ديوان الخليفة وتحمل تاريخ 19 تشرين الأول 2014، وجاء فيه: "هذه الرسالة خاصة بحماية الصحفي الألماني (يورغن تودنهوفر) ويستطيع استخدامها لزيارة الدولة الإسلامية ويكون ماله ونفسه ومرافقوه محفوظين بموجبها، وعلى جنود الدولة الإسلامية الالتزام بهذا وعدم إلحاق أي ضرر بالمُجاز وبمرافقيه طوال فترة بقائهم هنا، لحين أداء عمله ومغادرته".

ترجم كل من أحمد طه ناريني وسرور عمر الكتاب من الفارسية إلى الكوردية، ونشر كل منهما ترجمته للكتاب، وقد أفدت من الترجمتين في كتابة هذا الموضوع.