اخبار العراق الان

سبايا الخلافة.. هربتُ قبل أن يغتصبوني

سبايا الخلافة.. هربتُ قبل أن يغتصبوني
سبايا الخلافة.. هربتُ قبل أن يغتصبوني

2019-04-18 00:00:00 - المصدر: رووداو


رووداو- دهوك

منى: بقيت في قبضة داعش أسبوعاً.

رووداو: كيف؟

منى "ضاحكة": خدعت داعش في أسبوع.

رووداو: كيف، وهل كان خداعهم سهلاً إلى هذا الحد؟

منى: تلك قصة طويلة، الذي يهم أني عدت سالمة.

شعرها الأشقر الطويل وعيناها الواسعتان البنيتان، قامتها المتناسقة وشفتاها الممتلئتان اللتان لا تفارقهما البسمة، تمنح منى جمالاً منقطع النظير. هذا الجمال بحد ذاته يثير عشرات الأسئلة المتعلقة بكيفية تمكنها خلال أسبوع من الفرار من دولة الأشباح والعودة إلى أحضان عائلتها؟!

إنها من قرية (كوجو) الإزيدية الشهيرة، التي تفاوضت مع عربي سني يدعى (أبو حمزة) الذي نكث بكل تعهداته في نهاية الأمر. تقول منى إن ذلك الشخص ورفاقه كانوا يحاصرونهم، وأطلقوا الكثير من الوعود: "في 15 آب قالوا عليكم أن تجتمعوا جميعاً في مدرسة القرية في الساعة العاشرة من صباح الغد، ذهبنا مع أبي، وبقيت والدتي وأختان وثلاثة أخوة لي في الدار".

في المدرسة، وجدت منى جميع أهالي القرية محتشدين في المدرسة، كانت علائم الخوف تعلو وجوههم، وكان هناك نقاش محتدم بينهم بشأن ما سيحل بهم "هناك أخذوا منا كل ما كان معنا من مال وهواتف نقالة وحلي، وقالوا إن الرجال سيبقون في الطابق الأرضي، وتصعدن أنتن إلى الطابق الأول، هناك رأيتهم يأخذون خالتي في سيارة، بعدها شاهدتهم يقتادون الرجال إلى خارج القرية، وبعد عشرين دقيقة سمعنا أصوات إطلاق نار، كان مصدر الصوت بعيداً، لكننا عرفنا ما جرى".

مع نادية مراد

عزل أحد المسلحين منى وأختها وأشار بيده أن تركبا سيارة حمل كانت تعود لأهالي القرية لكنهم استولوا عليها "كانت أختي تجلس في الجهة الخلفية من السيارة، فسألتها؟ هل سيقتلوننا، قالت: لا، سينقلوننا إلى سنجار.

كان مسلح داعشي يتولى حراسة منى وأختها وست بنات أخريات، في السيارة، وبعد قليل علمن أنهن متوجهات إلى (سولاخ)، حاولت منى إخفاء جمالها، لكي لا يتحول إلى وبال عليها "أخذونا إلى مبنى معهد سولاخ، فوجدنا فيه عشرات من الإزيديات الأخريات".

في ذلك الزحام، برز شخص لمنى واختها، اسمه (أبو ديار)، كان ذلك الداعشي الكوردي يتحدث باللهجة السورانية أحياناً لكنه سرعان ما يعود ليتحدث بالعربية.

أبو ديار: ما اسمك؟

منى: (لا ترد).

أبو ديار: ابنة من أنت؟

منى: (تواصل النظر إليه).

أبو ديار: إذن، أنت ابنة مختار كوجو؟

منى (وهي تبكي): أين رجالنا؟

أبو ديار: لا تخافي، هذا المكان حار لكن مكاناً مريحاً بانتظاركن. سنأخذكن إلى مكان فيه مكيفات هواء.

يعزلون منى وعدداً من النساء لنقلهن إلى الموصل.

"كانت نادية مراد في الحافلة التي كانت تقلنا، عندما ركبنا، ظهر أبو ديار من جديد. وقف أمامي وقال: ارفعي رأسك. كان يريد أن يصورني بجواله، لكن داعشياً آخر جاء وقال منتهراً: التصوير ممنوع. لم يبال أبو ديار به وواصل تصويري، لكنه لم يرافقنا إلى الموصل".

في الحافلة، شاهدت مسلحاً من داعش يقترب من نادية مراد بين الحين والحين "كان يريد النيل منها، لكن نادية صدته".

نقلت البنات إلى منزل في الموصل. تقول منى: "كان هناك داعشي اسمه (حجي عبدالله) وكان عراقياً، وقال إنه كان في سنجار قبل خمس سنوات. ثم اقترب مني وسألني كم عمرك، كنت في الثامنة عشرة، لكني أخبرته بأني في الرابعة عشرة. قال ما اسمك؟ فكذبت عليه وقلت (ظريفة)، قال جيد، إذهبي إلى الطابق العلوي وارتاحي قليلاً".

كن ستين فتاة عندما نقلن إلى تلك الدار، لكن لم يبق منهن سوى أربع وعشرين خلال ساعات، فقد كان المسلحون يستعجلون توزيع وأخذ البنات. كان حجي عبدالله يريد أن يضرب ضربته ويفوز بأجمل البنات "عزلنا أنا وأربع بنات وحبسنا في الحمام وأغلق علينا الباب، ليخفينا عن أعين مسلحي داعش الذين كانوا يأتون طلباً للبنات".

نذهب إلى أفغانستان

في يومها الثاني في الأسر، قال لها حجي عبدالله سأكون خير الناس لكم وسأعمل على أن لا تقعوا في أيدي ناس سيئين، لهذا إن جاء أحد وطلب أن تذهبن معه، تمسكن بالبقاء معي "بعد دقائق، جاء شخص يدعى حامد وقال تعالي معي، لكني رفضت الذهاب معه. وجه سلاح حجي عبدالله إلى رأسي وقال: تأتين معي أم لا؟ فاستنجدت بحجي عبدالله الذي أبعده عني". بعدها قال حجي عبدالله لمنى إنه سينقلها إلى بيت آخر، "فقلنا لا، خذنا إلى بيتك، لنعيش مع أولادك".

شعرت منى بوجود اتفاق من نوع ما بين حجي عبدالله وحامد. بعد ذلك أخذها حجي عبدالله معه "أخذني إلى بيت فيه أربع بنات أخريات، بينهن واحدة في الحادية عشرة من العمر، قال لهن خذن هذه الفتاة إلى الحمام لتغتسل، لأنها ستبقى الليلة هنا، وسنتزوج، لم تكن البنات الموجودات هناك إزيديات".

عند عودة حجي عبدالله، سمعته منى وهو يتلقى اتصالاً هاتفياً من حامد "طلب منه حامد أن يخبره عن طول قامتي ليفصل لي ثياباً تستر كل جسمي، وأخبر عبدالله: سآخذ منى معي إلى أفغانستان لنقوم برحلة معاً. خفت كثيراً، لكن واحدة من البنات أخبرتني همساً أن لا تخافي لن يأخذوك إلى أفغانستان، الهدف من هذا هو اغتصابك، فقلت لن أستسلم لهم حتى لو قتلوني".

الهروب عبر الشباك

لم يعد مع منى من الوقت ما يسمح لها أن تجلس غير مبالية وتنتظر ملاقاة المجهول. قررت الشروع في تنفيذ خطة للهروب مهما كانت العواقب.

"قلت لواحدة من الفتيات إني أشعر بمغص وأريد الذهاب إلى بيت الراحة، ثم سأذهب إلى الحمام وأغير ثيابي، أخذت معي سكيناً، وكنت قد ألقيت من قبل نظرة فاحصة على الحمام وبيت الراحة في الدار، وكان للحمام باب يطل على المطبخ، وكان للمطبخ بابان، أحدهما يؤدي مباشرة إلى باحة الدار".

كانت الخطة خطيرة، لكن الخطوات الأولى بدت مبشرة، كان يوم جمعة والساعة تشير إلى الثانية عشرة والنصف ظهراً، عندما مدت يدها إلى باب الحمام شاهدت قطعة ثياب كانت النساء يرتدينها عند الذهاب إلى صلاة الجمعة، أخذتها معها إلى الحمام، وارتدتها وفتحت الباب المطل على المطبخ، ثم اتجهت إلى الباب المؤدي إلى الباحة "عندما وصلت إلى الباب، وجدت امرأة واقفة هناك، سألتها: أنا بحاجة إلى هاتف، هل تستطيعين أن تعطيني هاتفك النقال؟ فقالت ليس معي هاتف. ثم سألتها أي جانب من الزقاق يؤدي إلى السوق؟ فأشارت علي أن أتجه يميناً إلى نهاية الزقاق، لكني عندما انطلقت، شاهدت عدداً من مسلحي داعش".

كانت منى قد قررت أن تشتري الهروب ولو كان الثمن روحها. كانت تعلم أن رهاناً من هذا النوع في عمق دولة داعش ضرب من المحال "عدت مسرعة، ودخلت زقاقاً آخر، حتى بلغت شارعاً. كان شارعاً لا أعلم إلى أين يؤدي، وماذا يكون مصيري لو سلكته، لكني وجدت شاباً يقف بجانب سيارة أجرة، كان ينتظر من يستأجره، استجمعت قواي رغم خوفي وتقدمت إليه".

ماذا تفعلين في (حي النور)؟

كان عليها أن تطلب منه إيصالها إلى مكان ما، ولكن إلى أين؟ تذكرت أن أحد معلميها في مدرسة القرية بـ(كوجو) كان يقول إنه يقيم في حي النور بالموصل. فعرفت اسم ذلك الحي منه، ولكنها لم تر الموصل قط.

منى: هل لك أن تقلني إلى حي النور؟

سائق سيارة الأجرة: اصعدي، على الرحب والسعة.

منى: هل يمكن أن تعطيني هاتفك لأتصل بوالدي؟

سائق سيارة الأجرة: هذا هاتفي النقال، لكنه بلا رصيد للأسف.

منى: هل نستطيع أن نعبئه برصيد؟ فمن الهام جداً أن أجري هذا الاتصال!

توقف في الطريق وابتاع الرصيد، لكنه لمح لها بأنه يعرف أن قصتها ملفقة وأنه لا يصدق ذلك السيناريو. لكنه لم يكن شخصاً شريراً.

تقول منى: "لكي أوحي له بأني في حالة طبيعية جداً، سألته عن اسمه. فقال اسمي محمود. اتصلت بزوج خالتي، وقلت له بالكوردية إنني في سيارة أجرة وعليك أن تحدثه وتقول له إلى أين يجب أن يقلني، لكن عليك أن تخبره بأنك والدي".

تحدث زوج خالة منى إلى السائق بلكنة عربية جيدة، وطلب منه أن ينزل منى عند محطة وقود في ذلك الحي "لكن سائق سيارة الأجرة رفض أن ينزلني هناك، وقال إنه واثق من أن مسلحي داعش سيأخذونها ولن تراها عيناك مرة أخرى، فشكر زوج خالتي حرص محمود هذا وطمأنه إلى أنه يملك الحل لهذا أيضاً".

طلب محمود من منى أن لا تعرض حياتها للخطر وأن ترافقه إلى البيت ليدبر لها في الليل حلاً أفضل، لكن منى شكرته على مبادرته وترجلت عند محطة الوقود وودعته.

السير على سلك الموت الرفيع

انتهت خطة منى هنا، لتبدأ خطة جديدة لا تعرف عنها منى أي شيء، كانت الخطة الثانية من وضع زوج خالتها. كان هناك شخص مرتبك ذو وجه عابس ينتظرها، كان يلتفت يميناً وشمالاً بصورة متتابعة.

ركبت السيارة مع ذلك الرجل المجهول وانطلقا. لم تكن منى تفعل شيئاً غير إمعان النظر في الأزقة المظلمة الخاوية إلا من الحفر والمطبات، وكانت وكأنها تمشي وهي نائمة. استقرت السيارة أمام باب منزل. كانت فيه عائلة مؤلفة من رجل وزوجته وابنهما، يتحدثون العربية، ولم يكونوا مسلمين.

أثناء مكوثها هناك، والذي دام ليلتين، تمت تهيئة هوية ووثائق مزورة لها، وكان عليهم أن يفكروا بتمعن خلال 48 ساعة. في الأخير، أخبر الرجل صاحب البيت منى بأن عليها أن لا ترتبك، وأن تحافظ على تقاسيم وجهها طبيعية عند المرور بنقاط السيطرة التابعة لداعش. أخبرها بأن والدها في واحد من مستشفيات دهوك لإجراء عملية جراحية له، وأن الحرب أدت إلى قطع الطريق عليهم، ولم تتسن لهم فرصة إعادته إلى الموصل، وقد تلقوا أخباراً تقول بأنه الآن بين الحياة والموت ويريد أن يرى ابنته "هذه هي خطتي، هل فهمت يا ابنتي؟"، وبدون أن تكون مطمئنة إلى نجاح الخطة، قالت منى: "جيدة جداً".

في يوم 22 آب 2014، أي بعد مرور أسبوع على وقوعها في الأسر، انطلقت منى مع العائلة التي كانت تؤويها باتجاه دهوك. في آخر نقاط السيطرة التابعة لداعش، عقّد أحد مسلحي داعش الأمر ورفض السماح لهم بالمرور، لكن الرجل توسل كثيراً لكي يسمح لهم بالمرور لتلتقي منى أباها قبل أن تفقده وتجلس عند رأسه بضع دقائق. إلا أن المسلح ركب رأسه وكان يردد باستمرار: "لا يسمح بالمرور".

في النهاية، عرض الرجل على المسلح مقترحاً جديداً: "حسناً، سنعود نحن، ولكن اسمح للفتاة بالمرور لوحدها"، فبدت علائم القبول على وجه المسلح "وسمح لي بالمرور ووصلت إلى قوات البيشمركة، الذين أدهشهم أني نجوت من منطقة داعش ووصلت إليهم".