اخبار العراق الان

حديث الخميس: أزمة شعر

حديث الخميس: أزمة شعر
حديث الخميس: أزمة شعر

2019-04-19 00:00:00 - المصدر: وكالة الحدث الاخبارية


الاحساس بالشعر اهم من كتابته وجِرس المفردة ووقعها في قلب الشاعر هما اولُ الشعر وبدايتُه، وتفعيلة المفردة وحدها لا تجعل البناء الشعري -او حتى النثري- جميلاً متماسكاً مدهشاً قدر ما يفعله لفظُها -اي جِرسُها- ووقعه في الاذن ثم معناها ومواءمتُه لما يسبقه ويلحقه من مفردة. كما أن التقليد ايها السادة لا يصنع شاعراً، ومخطيء من يظن ان المُقلِد سوف يلحقُ بالمُقلَد او يضرّ به، هو يضرّ بنفسه ويرفع المُقلَد من حيث لا يعلم.  كثيرون من حاولوا تقليد السياب ودرويش وقباني فذهبوا جميعا وبقي السياب ودرويش وقباني.  لا بأس في كتابة كل ما يخطر في بالك ولكن البأس كل البأس في نشرك كل ما تكتب، اخسرْه فالخسارة هنا ربح وغنيمة فمن لا يخسر لن يعرف مكامن الخسران ليتجنبها الى الربح ومن لا يتعثر ويقع ثم ينهض لن يدرك مواقع العثرات فيتنحى عنها الى السويِّ من الطرق، ومن يظن ان المتنبي حين قال في صباه: أَبلى الهَوى أَسَفاً يَومَ النَوى بَدَني...وَفَرَّقَ الوجدُ بَينَ الجَفنِ وَالوَسَنِ روحٌ تَرَدَّدُ في مِـثلِ الخِـلالِ إِذا ... أَطارَتِ الريحُ عَنهُ الثَوبَ لَم يَبِنِ كَفى بِجِسمي نُحولاً أَنَّني رَجُـلٌ ... لَـولا مُـخـاطَـبَـتي إِيّـاكَ لَم تَـرَني من يظن ان هذا كان اول شعره وكانت هذه هي بداياته فهو واهم ومن يتصور انه لم يكتب قبلها عشرات القصائد ومئات الابيات التي ربما استهجنها فمحاها فهو مخطئ، محاها فقط ليعرف طريقه الى الاجود والى الاكثر دهشة. من يظن ان النابغة لم يكتب شعراً قبل الاربعين فهو واهم ايضاً لعله لم ينشده حتى رضي عنه ووجده جديراً بان يُنشد على اسماع الملأ. من لم يدرك كل ذلك فهو لا يدرك ان الشعر تجريب ثم تجريب ثم تجريب ثم احسان ثم اجادة. محزن اننا اليوم ونحن في زمن اتيحت فيه الكلمة وتوفر فيه الكتاب حتى اصبح في جيب احدنا مكتبة عظيمة، وما زلنا نقرأ مجاميع شعرية بائسة لشعراء واضح انهم غير مثقفين، مؤسف حقاً اننا نجد ادباء لا يقرأون ولا يعلمون شيئاً عن التاريخ ولا عن الادب ولا عن تاريخ الأدب، محزن انهم لم يعلموا عن تفاعلات وغليان الشعر في صدور من سبقهم من الشعراء. لقد كان الجواهري يقول كنت أمتَحنُ كلّ يومٍ بشيء من شعر المتنبي وشيء من أمالي ابي علي القالي وكذا من البيان والتبيين وغيرها من امّهات كتب الأدب وتأريخه واللغة وعلومها علماً انه هو نفسه القائل: ولدت لاكون شاعراً، قدري ان اكون شاعراً. لكنه هو نفسه ايضا وقد عَلِم عِلْم اليقين ان القدر لا يصنع شاعراً فيه فتور وتوان وتثاقل وكسل. محزن ان البعض ممن يكتب شعرا اليوم مقلِدون عميان يريدون ان يكونوا شعراء، شعراء وحسب. كن مثقفا عارفاً قبل ان تفكّر بكتابة الشعر فإن لم تبلغ مصافَّ الشعراء نلت المعرفة والمعرفة اهم من الشعر ، أما اذا تبعت الشعر وحده فستخسره والمعرفة.