اخبار العراق الان

مخيم "الركبان" السوري.. ساحة صراع جديدة بين واشنطن وموسكو

مخيم
مخيم "الركبان" السوري.. ساحة صراع جديدة بين واشنطن وموسكو

2019-04-19 00:00:00 - المصدر: رووداو


رووداو – أربيل

"إذا تصارع فيلان كبيران فإن الحشائش هي التي تعاني"، مثل إفريقي ينطبق على واقع مخيم الركبان للنازحين السوريين في المنطقة المحرمة بين الأردن وسوريا، والذي تحول، بحسب مراقبين، إلى ساحة صراع جديدة بين واشنطن وموسكو.
"الركبان" الذي بات يطلق عليه "مخيم الموت"، والواقع في المنطقة الحدودية مع الأردن من الجهة السورية، ويمتد على طول 7 كيلومترات، بين البلدين، هو مخيم عشوائي لا تديره جهة بعينها، سواء من الجانب السوري أو الأردني، ويضم حالياً قرابة 45 ألف نازح سوري، كانوا ينتظرون السماح لهم بدخول الأراضي الأردنية هرباً من الحرب.

سكان "الركبان" المنسيون في البادية السورية يعيشون ظروفاً إنسانية قاسية، في ظل حصار القوات الحكومية للمخيم، وندرة المساعدات، ورغم الحديث عن بدء عودة تدريجية لهم إلى مناطق سكناهم الأصلية داخل سوريا بتنسيق روسي، فإن هواجس جمة تنتابهم من التعرض للتعذيب ولأعمال انتقامية.

وتدعو موسكو ودمشق، واشنطن إلى تفكيك المخيم، فيما تشترط الأخيرة، التي تحتفظ بوجود عسكري محدود قربه، أن تجرى عملية إجلاء النازخين بالتنسيق معها ومع الأمم المتحدة، لضمان مغادرة آمنة وطوعية.

وفي 11 مارس/آذار الماضي اتهمت الحكومة السورية وموسكو في بيان مشترك واشنطن بتبني "تفكير استعماري" حيال مخيم الركبان، الذي يقع قرب قاعدة التنف الأمريكية.

وأضاف البيان أن "واشنطن لا تهتم بالكارثة الإنسانية التي تسببت بها في المخيم، وهي تحاول نقل المسؤولية على روسيا وسوريا".

وتابع أن "من المفيد للولايات المتحدة الاحتفاظ بمخيم النازحين أكثر قدر ممكن من الوقت في التنف من أجل تبرير وجودهم غير القانوني في جنوب الجمهورية (السورية)".

في المقابل، وبتاريخ 22 من ذات الشهر قال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية روبيرت بلادينو "إن الولايات المتحدة تؤيد دعوة الأمم المتحدة لإيجاد حل مستدام لمشكلة الركبان وفقاً لمعايير الحماية وبتنسيق الجهود مع كافة الأطراف المعنية، غير أن المبادرات الروسية التي تنفذ من جانب واحد لا تفي بهذه المعايير".

وأكد بلادينو عبر تويتر استعداد واشنطن والأمم المتحدة لجهود منسقة لضمان المغادرة الآمنة والطوعية والواعية لمن يرغبون في ذلك.

ومطلع أبريل/نيسان الجاري اضطرت نحو مئتي عائلة سورية إلى مغادرة المخيم ووصلت مناطق سيطرة الجيش السوري وسط البلاد، وذلك وفق تسوية روسية.

ومن المرجح أن العائلات التي خرجت كانت جمعيها مجبرة على ذلك، بسبب العوز والحالة الصحية المتردية لأطفالهم، حيث وصلوا إلى مراكز إيواء مؤقتة في ريف محافظة حمص.

إلا أن المجلس المحلي لمخيم الركبان أكد في بيان منتصف الشهر الجاري أن الحكومة السورية تحتجز المئات من سكان المخيم الذين خرجوا قسراً نتيجة الحصار ويمارس كافة أنواع التعذيب بحقهم، داعياً الأمم المتحدة للقيام بواجباتها تجاه المخيم.

وفي ذات اليوم، أعلنت الأمم المتحدة، على لسان استيفان دوغريك المتحدث باسم الأمين العام أنطونيو غوتيريش عدم قدرتها على الوصول إلى "الملاجئ الجماعية" التي أقيمت في محافظة حمص، وسط سوريا، لاستقبال الأهالي الذي غادروا المخيم.

وقال الناطق الرسمي باسم "هيئة العلاقات العامة والسياسية" بمخيم الركبان، شكري شهاب، في تصريح صحفي، إن "النظام (الجيش السوري) يُحاصر المخيم منذ 10 فبراير الماضي، ويمنع دخول المواد التموينية والغذائية إليه وحليب الأطفال، في محاولة لإجبار الأهالي للعودة قسراً إلى المناطق التي يسيطر عليها".

وأشار في السياق ذاته إلى أن "ما يقلق النازحين من العودة هو تحكم الأجهزة الأمنية والمليشيات بالقرار السوري، كما أننا نعلم بأن النظام سينتقم من الناس وسيعتقلهم ويجند الشباب ويزجهم بحروب لا علاقة لنا بها".

وأكد "ما نطلبه هو حماية أممية لأهالي المخيم من تعديات وحصار المليشات وقوات النظام وفك الحصار عنا، ونقلنا للشمال السوري.. نحن صابرون حتى يسقط الأسد أو حل سياسي يضمن لنا العيش الكريم في مدننا".

ولفت "شهاب" إلى أن "المخيم تحول لساحة صراع بين الأمريكان والروس، وأعتقد أن الكفة راجحة للأمريكان بهذا الخصوص، ولن يسمحوا للروس بالتمدد أكثر من ذلك".

من جهته اعتبر المحلل السياسي الأردني والخبير في العلاقات الدولية، عامر السبايلة، في تصريح صحفي، أن "مخيم الركبان يعد معضلة أساسية وأهم نقاط إنهاء أزمة اللجوء في الداخل السوري، وله بعد أمني ويشكل نقطة للتشارك الحدودي الأردني السوري العراقي".

وأضاف أن "المخيم نقطة استراتيجية مهمة، والإبقاء على عدم حلها هو إبقاء لعدم حل المسألة السورية، فهو ورقة أساسية في موضوع الضغط في إطار الحل السياسي مستقبلاً أو في تركيبة الوضع الجغرافي في هذه المنطقة".

أما الخبير في النزاعات الدولية، حسن المومني، فقال في تصريح صحفي: "لا نستطيع اختزال الخلاف الروسي الأمريكي فقط حول الركبان، وإنما هذا جزء من كل".

وأكد المومني أن "هناك اختلاف حول سوريا تعكسه حالة خلافية أشمل في السياق العالمي بين واشنطن وموسكو".

وأردف أن "مشكلة الركبان تكمن في أنه يقع ضمن منطقة تواجد أمريكي، وفي منطقة مهمة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة".

واعتبر "أن المخيم هو عبارة عن ورقة مساومة بين الأطراف في سياق الصراع، حيث أن المسألة ينظر إليها على أنها سياسية أمنية أكثر منها إنسانية".

 واستطرد قائلاً: "لو أن الأطراف تعتبرها إنسانية بحته لحلت، لكن ما يحكمها هو الواقعية السياسية، وبالتالي سوف تستمر ويتم استثمارها حتى تتوصل الأطراف لاتفاق أو ضمن حل شامل في سوريا".

أما بالنسبة للروس على وجه الخصوص، فاعتبر المومني أن "الوجود الروسي في سوريا أعمق وأشمل سياسياً وعسكرياً، حيث استثمرت موسكو كثيراً في هذا الوجود مدفوعاً بمصالح استراتيجية كقوة تسعى إلى استرداد مكانتها الدولية وخاصة في المنطقة".

وزاد بالقول: "لذلك لها مصلحة في إنهاء الصراع بما يتلاءم مع مصالحها ومصالح حلفائها".

 ولفت إلى أن "الوجود الأمريكي محدود لكنه مؤثر وفعال يتم تبريره لمكافحة الإرهاب ودعم الحلفاء، وأيضاً لضمان تسوية سياسية مقبولة في سوريا"، معتبراً أن "الوجود المحدود هو أداة ضغط على النظام والروس".

 وبين الصراع الأمريكي الروسي، تتزايد الأوضاع سوءاً داخل المخيم، المكون من مساكن 70 بالمئة منها بيوت طينية سقوفها شوادر بلاستيكية، و30 بالمئة خيام، والذي يعيش أكثر من 80 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر.

يذكر أن سيدة سورية "32 عاماً" من سكان المخيم أقدمت على إحراق نفسها مطلع العام الجاري بسبب معاناة أبنائها من الجوع، وربما كانت تلك رسالة قوية للعالم من أجل التحرك لإنقاذ الآلاف ممن تقطعت بهم السبل في الصحراء، ووجدوا أنفسهم داخل بلادهم بين مطرقة وسندان المتصارعين.