الأسس الجديدة لمحاربة الاٍرهاب
المستقلة – القاهرة – بقلم د . ماريان جرجس
منذ سنوات قليلة كان العالم يطلق على الإرهابي “سجين سياسي”، كان يطلق على الإرهاب مجرد “حوادث”، كان يطلق على الشهداء “ضحايا حوادث “، في حين كان موقف مصر رادعًا ضد تنظيمات مسلحة محاربة الإرهاب نيابة عن العالم كله.
ولكن يبدو أن الأقدار تأمرت على العالم الغربي وأجبرته على تغيير تلك المصطلحات، فالرياح جاءت بما لا تشتهى السفن ولكن بقصص حزينة مؤلمة عن البشرية اثر الإرهاب الأسود.
وان كان التاريخ محدود الأبعاد يسير بخط مستقيم طولي، فالجغرافيا هي الشاشة ثلاثية الأبعاد التي لا تكذب أبدًا، فعندما انتهت داعش من تدمير سوريا والعراق كان السؤال الذي يحير الساسة والمحللين هو :- إلى أين يذهب ذلك العدد من مقاتلي داعش؟
ولان مصر أغلقت بوابة شمال إفريقيا بأصّمة الأمن المحكمة، رأينا حوادث إرهابية تحدث في أماكن غير مألوفة للإرهاب مثل حادث سريلانكا المؤسف فى شرق أسيا والذي هدد مستقبل السياحة في تلك البلد حتى صار عيد الفصح هناك مظلمًا وحزينًا ونيوزيلندا والتي كانت من أكثر الدول أمنًا وغيرها من الحوادث المؤسفة التي اضطرت العالم الغربي أن يغير بالفعل نظرته ويعترف بموقف مصر ضمنيًا، فنجد بالأمس الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدًا البيت الأبيض يدرس تصنيف جماعة الأخوان المسلمين جماعة إرهابية، أما عن جريدة ” وال ستريت جورنال” والتي تكتب اليوم عن قصة تُعد الأكثر حزنًا في تاريخ البشرية؛ عن أب سويدي يذهب إلى سوريا لا ليبحث عن ابنته “أماندا” التي تركت السويد منذ سنوات عديدة ؛ أجمل بقاع الأرض لتذهب لتنضم لصفوف داعش وتحارب وتلقى حتفها في سوريا وتترك طفلين واحد يبلغ من العمر ثمان أعوام والأخر عام واحد فقط، أحفاد بلا مصير ولا هوُية ، عقول صغيرة يمكن أن تٌطوع بكل سهولة لتصبح أجيالا جديدة من الإرهاب ، بين هؤلاء الأحفاد وجدهم الرجل السويدي الذي سيذهب إلى سوريا محاولة لإنقاذهم ، تحتضن تلك القصة بل تلخص أسوأ توابع الإرهاب الفكري الأسود.
إن داعش وغيرها من التنظيمات والفصائل المسلحة كلها أفرع شجرة واحدة ولكن كل فرع يختلف عن غيره في المظهر فقط ليتلاءم مع الهدف والأرض المراد تدميرها، وبما أن مصر كان لها الأسبقية في رصد ذلك الخطر ووأده في مهده وحملت على عاتقها تحذير العالم كله من ذلك الخطر، فلما لا تقيم مصر على أراضيها معهدًا استراتيجيا يضم كل العلوم الأكاديمية والعسكرية والإستراتيجية والقومية لمحاربة الإرهاب فكريًا قبل عسكريا، فإذا كانت إسرائيل تلك الدولة التي لم تقدم للبشرية سوي النزاع، تمتلك معهدًا لدراسات وأبحاث الأمن القومي، وبوجود ذلك المعهد تستطيع مصر أن تصدر من خلاله للعالم أفكارها وسياساتها التي برعت في دحر الإرهاب من خلالها، تستطيع أن تقدم من خلال ذلك وثيقة للتاريخ تحفظ حقوق مصر الفكرية في تلك القضية وتثّمن جهود مصر على أن تُطُبق الشروط والإحكام في كل حقوق مصر الفكرية كأولي الدول التي استطاعت أن تحقن الدماء لا المصرية فقط بل دماء البشرية أيضًا ولا تضيع مجهوداتها في ذلك المضمار بين صفحات التاريخ .