إيران والعراق.. هل ينتهي الحلف المقدس ونبقى على الحياد؟
إيران والعراق.. هل ينتهي "الحلف المقدس" ونبقى على الحياد؟
في ظل التوترات في منطقة الخليج، والمخاوف من تطورها إلى مواجهة عسكرية أمريكية إيرانية، يبدو العراق في موقع معقد. فالضغوط الأمريكية قد تجبره على فك ارتباطه بإيران. كيف سيتصرف العراق في هذه الأزمة وما هي تداعيات ذلك عليه؟
التوتر الحالي في منطقة الخليج وتعرض ناقلات نفط سعودية وإماراتية للتخريب أمر لم تشهده المنطقة منذ زمن طويل. كما أن تحريك الولايات المتحدة لأساطيلها العسكرية وتنقلات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو المكوكية قد تكون مؤشرا على تطورات عسكرية مقبلة رغم نفي واشنطن وطهران. والسؤال المطروح هنا كيف سيكون دور العراق وإلى أي طرف سينحاز في حال تأزمت الأمور أكثر وتحولت لعمل عسكري؟ وهل يستطيع العراق نكث معاهداته مع ايران في حال وجود ضغوطات أمريكية قوية عليه؟.
هل سيقف العراق على الحياد؟
يؤكد الخبير والمحلل السياسي العراقي عباس موسوي أن تنوع المشهد العراقي يفرض تباينا في تعاطي بغداد مع الأزمة. فالكتلة الشيعية ستضغط من أجل عدم التخلي عن إيران، في حين أن الأكراد قد يحاولون مسك العصا من المنتصف. ويوضح الخبير العراقي أن السنة في العراق في حالة إنهاك حاليا، خاصة بعد الحرب على "داعش" حيث كانت المناطق السنية هي الأكثر تضررا وعانوا من الإرهاب، لذلك هم في أمس الحاجة إلى عدم اندلاع حرب في المنطقة.
من جهته يرى مناف الموسوي، مدير مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية، أن هناك توجها حكوميا للعمل على التهدئة بين الأطراف المتصارعة، والتأكيد على التزام الحياد. في المقابل هناك توجه شعبي رافض لتقديم أية تسهيلات للولايات المتحدة من أجل ضرب إيران، خصوصا مع وجود أذرع عسكرية إيرانية متواجدة في العراق.
هل باتت الحرب على الأبواب؟
وبالرغم من نفي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته إرسال 120 ألف مقاتل أمريكي إلى العراق، وقول الزعيم الإيراني خامنئي "لا نسعى لحرب وهم لا يسعون لذلك أيضا. إنهم يعرفون أن هذا ليس في صالحهم"، يرى الخبير عباس موسوي أن كل الاحتمالات باتت مفتوحة. فالولايات المتحدة قد تلجأ إلى ما وصفها بـ "العنجهية" وتعمل "على قصف إيران أو ضرب قواتها العاملة في العراق، وهو ما قد يشعل المنطقة بأكملها، وتداعيات ذلك ستكون مدمرة على العراق وقد تحدث تمزقا للنسيج المدني".
من جهته يؤكد حسن منيمنة، الأستاذ في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أن الحصار على إيران أثبت نجاعته بحسب المنظور الأمريكي، ويوضح أنه (الحصار) "يحقق النتائج المطلوبة منه"، لذلك فإن أمريكا ليست بحاجة إلى أي تصعيد عسكري.
العراق وإيران و"الحلف المقدس"
الوجود الإيراني في العراق هو أمر واضح وأقرت به حتى الولايات المتحدة، كما أن هناك اتفاقيات تعاون مع إيران من الصعب على الحكومة العراقية الإخلال بها بحسب الخبير العراقي عباس موسوي. ويؤكد موسوي على أن العراق سيحاول التوصل إلى حل دبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران وذلك بحكم علاقته المتشعبة، بيد أنه لن يغامر في السماح للقوات الأمريكية باستخدام أراضيه لمهاجمة إيران وذلك للتحالف الوثيق بين البلدين.
ويؤكد الخبير والمحلل السياسي العراقي أن أمريكا قادرة على إشعال المنطقة بأكملها بكبسة زر إلا أنها لن تكون قادرة على ضبط الأمور بعدها، فردة الفعل ستكون أكبر من القدرة الأمريكية على الحسم، وستصبح قواتها في العراق مهددة بفضل الأذرع العسكرية الإيرانية العاملة في بلاد الرافدين، وهو ما قد يقود إلى عمليات ثأر متبادلة.
بيد أن مناف الموسوي، مدير مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية، قلل من احتمال دخول العراق في هذه الأزمة حتى لو اندلعت الحرب أو حصلت أية اشتباكات بين القوات الإيرانية والأمريكية. ويوضح: "أمريكا لديها قواعد عسكرية عدة في دول الجوار مثل قطر وغيرها، كما أنّ لديها أسطولا بحريا وحاملات طائرات ضخمة ولن تحتاج الأراضي العراقية من أجل استهداف إيران".
ويرى مناف الموسوي أن القوات الأمريكية لن تدفع بأية قوات عسكرية إضافية إلى العراق بيد أن ذلك لا يعني أبدا أنها تسعى إلى التهدئة ويوضح "بحسب متابعتنا لأسلوب عمل الولايات المتحدة العسكري فإن الحرب البرية أو المواجهة المباشرة هي آخر الخيارات، حيث تلجأ القوات الأمريكية عادة إلى استنزاف الخصم أولا وإنهاكه بالعقوبات كما نشاهد حاليا، ثم تتبعه بقصف جوي من أجل تدمير المرافق الحياتية الأساسية"، وهو أمر تستطيع أمريكا فعله دون أية حاجة لحليفها العراق.
رهان إيراني على تغيير سياسي
من جهته قلل حسن منيمنمة، الباحث المتخصص في الشأن الأميركي، من أهمية الأراضي العراقية في حال نوت الولايات المتحدة توجيه أية ضربة لإيران. وأكد أن القواعد الأمريكية في البلدان المجاورة والأساطيل البحرية قادرة على هذه المهمة لو رغبت. ويرى منيمة أن الولايات المتحدة ستلجأ في حالة واحدة فقط لمهاجمة التواجد الإيراني في العراق، أي إذا تعرضت للقوات الأمريكية هناك. وأوضح أن "الرد الأمريكي على ذلك سيكون بمطالبة العراق التدخل، وفي حال عجزه عن الرد لأية اعتبارات فستقوم القوات الأمريكية هناك بالرد ".
ويقول منيمنة أن الولايات الأمريكية سحبت موظفيها من العراق بهدف إرسال رسالة إلى إيران مفادها "ندرك إمكانياتكم على إلحاق الألم بقواتنا وموظفينا في العراق، بيد أننا نتحسب لذلك".
وكانت السفارة الأمريكية لدى العراق قد أعلنت، الأربعاء، إنها تعرضت إلى تهديدات متزايدة دفعت إلى دعوة الموظفين "غير الضروريين" في بغداد وأربيل، لمغادرة البلاد. وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية إن مغادرة الموظفين غير الأساسيين جاء رداً على "تزايد التهديد الذي نشهده في العراق".
وفي ذات السياق التقى بومبيو الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي وتطرق معهما إلى "أهمية تحقق العراق من قدرته على حماية الأميركيين بالشكل المناسب في بلادهم"، حسب مصادر أميركية. ولكن بومبيو لم يعط تفاصيل إضافية بشأن الخطط التي تحدث عنها وهو أمر شككت فيه أوساط عدة بينها نواب أميركيون أعربوا عن خشيتهم من سعي إدارة ترامب لإشعال الحرب مع إيران.
ويرى منيمنة أن إيران قادرة على الصمود والمناورة وأن الولايات المتحدة تدرك ذلك. فإيران تريد الالتفاف على القرارات الدولية والمناورة لسنيتين أخريين على أمل نهاية ولاية ترامب وقدوم رئيس أمريكي جديد. بيد أنه يقول إن أمريكا، في المقابل، تفهم هذه السياسة ولا تعول عليها كثيرا. فحتى لو تغير ترامب وقدم رئيس ديمقراطي فإن الرئيس المقبل سيرسم الطريق لإيران من أجل إتاحة مجال لها لرفع الحصار بشروط، ولن يعمل على إنهائه بشكل تلقائي.
الكاتب: علاء جمعة