رآس الفساد
المستقلة – القاهرة – بقلم دكتورة هاجر عبد الحكيم
الفساد عمومًا ظاهرة مرتبطة بالإنسان دون غيره من المخلوقات حيث يقول تبارك وتعالى :(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) ، كما أنه ظاهرة مركبة ومعقدة كتركيبات وتعقيدات الإنسان ذاته ، فهي مزيج من خلل في جوانب شتى من جوانب الحياة السياسيةوالاقتصادية والاجتماعية والعقائدية.
وإذا جاز لنا تجسيد الفساد فإن له رأس وقلب وزراعين وقدمين.
فرأس الفساد هو الفساد العقدي:
وهو فساد الاعتقاد الذي هو أساس كل فساد، فسعي الإنسان وتصرفاته تتبع معتقده، فإذا كان المعتقد فاسدًا كان السعي فاسدًا، وإذا كان المعتقد صالحًا صلح سعيه، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11، 12]، فلولا اعتقاد الصهاينه فى إغتصاب حقوق الغير بأنها قربة يتقربون بها إلى الله وأنهم شعب الله المختار وأن سواهم ليس لهم الحق فى حياة صالحة بدون إفساد، وكذلك الإرهابي الذي يفسد فى الأرض ويسفك الدماء، إنما يقدم على فعلته نتيجة الاعتقاد الخاطئ بأنه يتقرب إلى الله بسفك دماء خلق الله، وكذلك من يسرق المال العام يعتقد أن من حقه هذا المال، والمرتشى يعتقد انه يحصل على الرشوة نتيجة عمله، وهكذا كل مرتكب لأى صورة من صور الفساد يحمل فى طيات سريرته معتقدا ومبررا خاطئا.
فهل نري قريبا تدخلا من علماء النفس وعلماء الدين وعلماء الإجتماع وعلماء التربية متضامنين لغرس المعتقدات المقاومة لصور الفساد فى نفوس الأطفال وكذلك تصحيح المعتقدات الخاطئة لدى البالغين
كما ان قلب الفساد هو الفساد الأمني والاجتماعي:
فمن فقَدَ الأمن لا يشعر بسائر النعم… يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا)
كما ان ازرع الفساد هو الفساد السياسي والإداري:
فالفساد السياسي هو إساءة استعمال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، والفساد الإداري هو سلوك بيروقراطي يستهدف تحقيق منافع ذاتية بطرق غير شرعية.
وكذلك فان أرجل الفساد هو الفساد الاقتصادي والمالي:
فالفساد الاقتصادي يتمثل في جرائم الشركات، التي تستغل تفشي البطالة في الاستغلال البشع لليد العاملة، أو الجرائم الاقتصادية التي ترتكب بقصد الاحتكار أو الغش … الخ من الجرائم الاقتصادية
آما الفساد المالي فيقصد به كافة المعاملات المالية التي تؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل وإلى عدم استقرار المجتمع، والحياة الضنك لطبقة الفقراء .
أما عن أنواع الفساد ، فيمكن التمييز من حيث الحجم بين الفساد الصغير والكبير:
الفساد الصغير:
وهو الفساد الذي يُمارَس من فرد واحد دون تنسيق مع الآخرين؛ لذا نراه ينتشر بين صغار الموظفين عن طريق استلام الرشاوى.
الفساد الكبير:
وهو الذي يقوم به كبار المسؤولين والموظفين لتحقيق مصالح مادية أو اجتماعية كبيرة، وهو أهم وأشمل وأخطر.
أما عن أنواع الفساد من حيث القصد فيمكن التمييز بين الفساد والإفساد.
فالفساد قد يبرره مرتكبه لتعويض نقص ما، ولكن الإفساد هو أشنع واخطر حيث يقوم به مرتكبه بقصد الإفساد في المجتمع والبيئة من حوله.
مؤشرات الفساد:
إن مؤشرات الفساد تنتشر وتتفشى داخل المجتمع، ويتجسد ظهورها بصيغ وهيئات مختلفة، تتمثل في:
• شيوع ظاهرة الغنى الفاحش والمفاجئ لقلة من أفراد المجتمع.
• شيوع ظاهرة الرشوة لدرجة تصل الاعتراف بها فى السجلات المحاسبية تحت بند إكرامية في أية معاملة.
• المحسوبية والولاء لذوي القربى في الوظائف والمناصب، بدلاً من الجدارة والكفاءة والمهارة والمهنية.
• ضعف الرقابة أو ظهورها شكليا فقط.
• بيع الممتلكات العامة لتحقيق منافع ومكاسب خاصة.
• انتشار ظاهرة الابتزاز، متمثلة في التعقيدات الإجرائية والروتينية.
والجدير بالاهمية أن ارتفاع مؤشر الفساد في أي مجتمع يعد دلالة دامغة على مدى تخلف هذا المجتمع عن ركب الحضارة والتحضير، .
كفانا الله وإياكم شر الفساد والإفساد….