"دوافع شراء منظومة S-400 والتداعيات المستقبلية بين أنقرة وواشنطن"
2019-07-14 00:00:00 - المصدر: وكالة الحدث الاخبارية
محمد نبيل الغريب تشهد منطقة الشرق الأوسط نفوذاً عسكرياً كبيراً للعديد من القوى الكبري والعظمى على المستوى الدولي وتزايد حدته عقب تدهور الأوضاع في العديد من البلدان العربية عقب الثورات العربية عام ٢٠١١، ومنذ ذلك التآريخ وجدت روسيا كما وجد غيرها بعض الأزمات في الشرق الأوسط مناسبة للتدخل بها لما لها من مكاسب على أصعدة عدة منها العسكرية والإقتصادية والسياسية مثل الأزمة السورية، فمنذ الحرب الباردة وما ترتب عليها من سقوط الإتحاد السوفيتي عام ١٩٩٢، وبعد مغادرة الرئيس الروسي "بوريس يلتسين" الحكم عام ٢٠٠٠، وتسلم من بعده الحكم بوتين، تطلعت روسيا إلى لعب دور يناسبها على المسرح الدولي بل والتآثير فيه مستخدمة السياسة السّوفياتية ذاتها قبل السقوط دون الإيدلوجية الحاكمة آنذاك. تمكنت روسيا من إستغلال ميزة القرب الجغرافي من إقليم الشرق الأوسط، وتدخلت في بعض أزماته مثل التدخل الروسي في الأزمة السورية عام ٢٠١٥، فمنها إتخذت موسكو منصة للعودة بقوة على المسرح الدولي سياسياً وعسكرياً، فسياسياً أصبحت روسيا لها كلمتها ورأيها الذي يسمع في المنظمات الدولية مقارنتاً بفترة ٢٠٠٠:١٩٩٢ أما عسكرياً فتفوقت روسيا على الولايات المتحدة في سوق التسليح الدولي، كان أخرها إعلان الهيئة الروسية للتعاون الفني العسكري بدء تسليم تركيا أجزاء من منظومة الدفاع S-400 وفِي المقابل أعلنت الدفاع التركية أن أجزاء الدرع الصاروخي ستنتشر بالقرب من قاعدة المرتد الجوية في أنقرة. وليست تركيا هي الدولة الوحيدة التي طلبت هذه المنظومة المتطورة من روسيا بل طلبت المملكة العربية السعودية وقطر والجزائر ودوّل خليجية أخرى التسلّح بهذه المنظومة. (٢) ومن هنا يمكن تفسير الطلب التركي لتلك المنظومة والإستجابة الروسية لبيع تلك المنظومة لها في عدة مؤشرات وفق لما يلي:- أولاً: يعتبر توريد تلك المنظومة لأنقرة مكسب لموسكو حيث تسعى الأخيرة من خلال التحالفات التي تشكلها على النطاقين الإقليمي والدولي إلى توازن في منظومة القوى الدولية والحد من الهيمنة الأمريكية، بمعنى أن روسيا قد وجدت في تركيا ثاني أكبر قوة في حلف شمال الأطلسي، التحالف الذي يقودها إلى جلب التوازن والتعدد في القطبية إلى المنظومة الدولية والتي لم تعترف به الولايات المتحدة حتى اليوم وتعمل على الحد منها في إطار سياسة واشنطن المعروفة بالأحادية القطبية. ثانياً: تعد العلاقات التركية الأوروبية منذ عام ٢٠٠٣، وطلب تركيا الإنضمام للإتحاد الأوروبي وتعليق تلك العضوية حتى اليوم بمثابة العامل الرئيسي في تدهور العلاقات بين تركيا والعواصم الأوروبية حتى مع الولايات المتحدة ذاتها، وبالتالي التوجهة التركي نحو موسكو بمثابة عامل ضغط قوي على العواصم الأوربية الشريك الأساسي مع تركيا في حلف شمال الأطلسي "الناتو" وبالتالي فإن أنقرة تريد من هذا التوجهة كسب بعض التنازلات لصالحها من قبل الإتحاد الأوروبي فيما يخص سياستها ضد أنقرة وملف اللاجئين والعضوية في السوق الأوروبية المشتركة. ثالثاً: يعتبر موافقة أنقرة على شراء تلك المنظومة الروسية المتقدمة S-400 وتفضيلها عن منظومة باتريوت الأمريكية بمثابة مكسب اقتصادي كبير لروسيا هي في حاجة إليه في ظل وضعها الإقتصادي الحالي الصعب حيث ستطلب بعض الدول في الشرق الأوسط خلفاً لتركيا التسلّح بهذه المنظومة وهذا يعتبر طعن في السلاح الأمريكي الذي أخذ يهبط إلى مستويات ليست بالقليلة منذ دخول روسيا المنطقة وتوجهها مرة أخرى إلى سوق السلاح. ثالثاً: تلعب روسيا على الإستفادة من الأخطاء الأمريكية، حيث ساعدت تلك الأخطاء التي أرتكبتها السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط على تهيئة الأجواء أمام السياسة الروسية الجديدة، لاسيما في ظل فشل الأخيرة في إدارة العديدة من الملفات والعلاقات على المستوى الدولي خاصة منذ مجئ ترامب إلى الحكم عام ٢٠١٦، فعلى سبيل المثال الأخطاء التي وقعت فيها السياسة الخارجية الأمريكية تجاة تدهور العلاقات الثنائية مع تركيا، وإستغلال روسيا تلك الفجوة في العلاقات لملئه وتعويضه، من خلال التوجهة لأنقرة وبناء معها شراكة قوية أدى في النهاية إلى توريد موسكو منظومتها المتطورة لها وهذا يعتبر في حد ذاته تحدياً للغرب الذي دجر من السلاح "الشرقي" الروسي لدول لها وزن عسكري كبير في حلف شمال الأطلسي كأنقرة. (٣) لذلك من المرجح أن يستمر تصاعد النفوذ الروسي في أزمات الشرق الأوسط خلال الأعوام المقبلة، بما يعزز صورة روسيا كدولة عظمى،إستناداً للمؤشرات التي تم ذكرها وذلك عن طريق استغلال جميع الثغرات والفجوات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية التي تحدثها الولايات المتحدة مع بعض الدول على مستوى الشرق الأوسط حتى في الإتحاد الأوروبي ذاته. *تأثير توريد المنظومة الدفاعية أس-٤٠٠ الروسية على العلاقات التركية- الأوروبية الأمريكية. من المرجح أن تحدث بعض التجاذبات في العلاقات التركية الأمريكية بل وتعود مرة أخرى فرضية العقوبات الاقتصادية الأمريكية على أنقرة كما هدد الرئيس الأمريكي ترامب في وقت توقيع الصفقة بين روسيا وتركيا في حال شراء تركيا تلك المنظومة، وبالتالي ستوقف واشنطن تدريب أي طيار تركي في الولايات المتحدة على جميع أنواع الطائرات الحربية بما فيها الطائرة المروحية F-35، ومن هنا ستضطر واشنطن إلى وقف أي صفقات عسكرية مع أنقرة على خلفية هذا القرار وهو شراءها لتلك المنظومة وذلك إستناداً لما قاله وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان فى رسالة لنظيره التركي - الخطوات المتخذة بشأن برنامج "F-35" مرتبطة بالحصول على صفقة "S-400" الروسي. فمن المتوقع أيضاً إقتصادياً فيما يخص الوضع الإقتصادي التركي أن يتعرض لبعض الهزات خصوصاً في سعر الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي.كما قال شاناهان في رسالته: هناك تصميم متوافق عليه من قبل الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في الكونغرس لفرض عقوبات على تركيا بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا في حال حصولها على صفقة "S400" وبخصوص العلاقات مابين تركيا والعواصم الأوروبية، من المرجح أن يتخذ حلف الناتو بعض التدابير تجاة تركيا على خلفية شراء هذه المنظومة، بجانب زيادة التوتر في العلاقات مابين أنقرة وبعض عواصم الإتحاد الأوروبي. ومن هنا يمكن القول أن أنقرة قد أولت العلاقات مع موسكو في سبيل العلاقات مع واشنطن مع العلم أن العلاقة مع الأخيرة هي أكثر نفعاً لها اقتصادياً وعسكرياً من الأولى، وربما أتخذت أنقرة هذه الخطوة كما تم الذكر للتضييق على الاتحاد الأوروبي سياسياً فيما يخص بعض الأوراق التي تريد أنقرة أن تنجزها مع العواصم الأوروبية.