واشنطن تسلح هذه الدولة بسخاء للوقوف بوجه ايران
في خضم أزمتها مع إيران، اتجهت الولايات المتحدة إلى تقديم المساعدات إلى أذربيجان التي شهد تاريخها الحديث خلافات ممتدة مع إيران. يحاول هذا المقال، الذي كتبه جوشوا كوسيرا ونشره موقع "أوراسيانت" الأمريكي، تسليط الضوء على طبيعة هذه المساعدات والاهتمامات الأمريكية المتزايدة بمنطقة بحر قزوين.
يستهل كوسيرا مقاله بالإشارة إلى أنه في الوقت الذي عملت فيه الولايات المتحدة على زيادة ضغوطها الدبلوماسية والعسكرية المفروضة على إيران، فإنها أخذت شيئًا فشيئًا في تقديم المساعدات إلى أذربيجان المجاورة في صورة أكثر من 100 مليون دولار من المساعدات العسكرية، فيما يبدو أنها أموال تهدف إلى مساعدتها في مواجهة تهديدات طهران.
يستعين المقال بتقارير قدمها البنتاجون إلى الكونجرس ونشرها موقع برنامج "مرصد المساعدة الأمنية (سام)" من خلال مراقب تابع له في واشنطن؛ إذ تشير تلك التقارير إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية خصصت مبلغ 58.6 مليون دولار في السنة المالية 2018، ومبلغ 42.9 مليون دولار في العام التالي لخدمات الحدود والجمارك الأذربيجانية.
أسباب الزيادة الكبيرة في حجم المساعدات الأمريكية لأذربيجان
وفقًا للمقال مثلت خطط التمويل زيادةً كبيرة في المساعدات العسكرية الأمريكية لأذربيجان مقارنة بالسنوات السابقة، وتفوقت إلى حد بعيد على المساعدات المقدمة إلى أي دولة أخرى في المنطقة تقريبًا. وخلال هذين العامين الماليين، من المتوقع أن تتجاوز المساعدات العسكرية المقدمة إلى أذربيجان تلك المقدمة إلى جورجيا، التي تعد الشريك الصريح والأكثر ولاءً للولايات المتحدة في المنطقة.
علاوة على ذلك فإنه بحسب ما أخبرت به مديرة مرصد المساعدة الأمنية، كريستينا أرابيا، موقع "أوراسيانت"، فإن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) لم تصدر جميع المعلومات المتعلقة بالميزانية المخصصة للبرنامج في السنة المالية 2019، وهو ما يعني أن الرقم الحقيقي الذي أُنفق على البرنامج خلال هذا العام قد يتجاوز 42.9 مليون دولار.
وعلى حد قول كريستينا، فإن هذه الأموال تأتي من صندوق التدريب والإعداد الرئيس التابع للكونجرس، ويخضع الصندوق لرقابة أخف من تلك التي تخضع لها برامج المساعدات العسكرية الأكبر التي تديرها وزارة الخارجية الأمريكية.
وعلى مدار العامين الماضيين كانت أذربيجان ثالث أكبر متلقٍ للمساعدات من ذلك البرنامج، ولا يسبقها سوى لبنان والأردن، وتشير كريستينا إلى أن "كليهما شريكان إستراتيجيان أساسيان للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب"، وتضيف أنه ليس من الواضح ما إذا كانت تلك المساعدات قد تم تسليمها بالفعل، لكن حتى لو لم يتم ذلك بالفعل فإن "مجرد حقيقة أن وزارة الدفاع تخطر في تقريرها الكونجرس ببرنامج المساعدات، فهذا أمر في غاية الدلالة لأن أذربيجان انتقلت من عدم تلقي أي مساعدات من خلال ذلك البرنامج إلى كونها ثالث أكبر متلقٍ" في السنة المالية 2019.
لكن كوسيرا يقول في مقاله: "إن الجانبين كانا متكتمين للغاية بشأن المساعدات، إذ إن بيانات السياسات الصادرة رسميًا في الفترة الأخيرة حول البرامج العسكرية الأمريكية في المنطقة لم تأت على ذكر أذربيجان أو بحر قزوين على الإطلاق، علاوة على أن وزارة الخارجية الأذربيجانية، من جانبها، لم ترد على طلب للتعليق".
ويشير المقال إلى أنه ردًا على أسئلة مكتوبة قدمها موقع "أوراسيانت" أصدرت السفارة الأمريكية في العاصمة الأذرية باكو بيانًا موجزًا قالت فيه: "إن الولايات المتحدة تشارك في برامج تعزيز الدفاع والأمن، ليشمل ذلك أمن الحدود وجهود مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، مع الدول الشريكة المستعدة للمساهمة في جميع أنحاء العالم".
ويذكر المقال أن أذربيجان كانت قد حصلت، على مر السنين، على أشكال متنوعة من المساعدات من الولايات المتحدة لتعزيز قواتها البحرية وقوات خفر السواحل لحماية سواحل بحر القزوين الغني بالنفط والغاز. فقد ساهم برنامج المساعدات العسكرية "حرس قزوين" خلال السنوات الأولى من "الحرب على الإرهاب" في تدريب القوات البحرية الأذربيجانية الخاصة.
وتبرعت الولايات المتحدة بزوارق دوريات عسكرية مستعملة لأذربيجان، وكذلك لكازاخستان وتركمانستان، لكن حجم التبرعات في برنامج المساعدات الجديد أعلى بكثير من أي مبلغ قدمته الولايات المتحدة من قبل، بحسب المقال.
الأهمية الإستراتيجية لمنطقة بحر قزوين
يشير كوسيرا إلى أن المنظور الأمريكي يعتبر بحر قزوين منطقة حساسة من الناحية الإستراتيجية بشكل خاص لأن إيران تطل على أجزاء منه، وقد عملت الولايات المتحدة في هدوء، ولفترة طويلة، على مساعدة أذربيجان على الدفاع عن نفسها في مواجهة الحضور العسكري الإيراني الأقوى في بحر قزوين.
وبحسب المقال، فإن ثمة مجموعة مذهلة من البرقيات الدبلوماسية الأمريكية سربتها ويكيليكس وصفت مواجهة متوترة جرت في عام 2009 بين سفن إيرانية وأذربيجانية، وبينت مشاركة عميقة للولايات المتحدة في تقديم المشورة لباكو حول كيفية حل الوضع ومساعدتها، بشكل عام، في دعم أمنها البحري.
وفي حين أن الوثائق التي تسوغ المساعدات الجديدة لا تشير صراحة إلى إيران، فإن هناك العديد من العناصر التي تشير، بحسب المقال، إلى تركيز مسلط على هذا التهديد المفترض، رغم حقيقة أن بحر قزوين هو بحر مغلق، تعني أن التهديدات المحتملة هي محدودة بالفعل.
ويُقدم هذا التمويل بوصفه جزءًا من برنامج "أمن الحدود الجنوبية" التابع لقيادة العمليات الأمريكية الأوروبية، وهو بند يلائم سياسات التعامل مع إيران وليس غيرها من جيران أذربيجان. وتُعرف الجهات المتلقية لهذا التمويل في الوثائق على أنها مكاتب مراقبة الحدود ومكاتب الجمارك في آستارا الأذربيجانية، وهي مدينة أذربيجانية ساحلية تقع على الحدود مع إيران.
دلالة توقيت تقديم الدعم
يرى كوسيرا أن توقيت حزمة المساعدات الجديدة جدير بالملاحظة، إذ إنه في الوقت الذي تصاعدت فيه التوترات بين الولايات المتحدة وإيران منذ أصبح دونالد ترامب رئيسًا في عام 2017، فإن العلاقات الأذربيجانية الإيرانية تتمتع بفترة من الهدوء النسبي. فالاتفاق الذي جرى التوقيع عليه العام الماضي لترسيم حدود بحر قزوين، أزال أحد العوامل التي ظلت مصدر قلق لفترة طويلة.
بالإضافة إلى أنه وفق ما كتب المحلل الأذربيجاني آزاد جاريبوف في مقال كتبه مؤخرًا لدورية "أوراسيا دايلي مونيتور" فإنه منذ تولى الرئيس الإيراني حسن روحاني منصب سلفه الأكثر إسلامية أحمدي نجاد، غدا الترويج للتشيع – الذي كان سابقًا أحد أبرز شكاوى باكو ضد طهران – "هامشيًا"، وذكر جاريبوف أيضًا أنه قد "حُلت مؤخرًا المشكلات الأساسية التي كانت قد ولدت الشكوك المتبادلة وأبقت العلاقات الثنائية متوترة في معظم فترات تاريخ أذربيجان ما بعد الاستقلال".
يضيف المقال أنه علاوة على ذلك، فإن تحسن العلاقات ذلك قد انعكس أيضًا في العلاقات العسكرية بين البلدين. فقد شرعت السفن الحربية الإيرانية والأذربيجانية منذ عامين في إجراء اتصالات ودية إلى موانئ كل منهما، واستمرت تلك الممارسة هذا الصيف، وفي 28 يوليو (تموز) الماضي، وصلت سفينتان حربيتان إيرانيتان متوسطتا الحجم إلى باكو للمشاركة في مسابقة بحرية دولية ودية.
وعن تقرير حصل عليه مرصد المساعدة الأمنية، واطلع عليه موقع "أوراسيانت"، ينقل المقال ما كتبه ديفيد تراختنبرج، نائب وكيل وزارة الدفاع الأمريكية لشؤون السياسات، في تقريرٍ إلى لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، قوله: "تهدف حزمة التمويل الجديدة إلى مواجهة التهديدات العابرة للحدود الوطنية ودعم استقرار أذربيجان من خلال مساعدة قواتها الأمنية على تطوير القدرة على تأمين حدودها ورصد ومنع العمليات الإرهابية ومكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل والتعامل مع الأزمات الطارئة".
ويستكمل المقال نقله عن الوثائق التي يرد فيها أن الأموال قد خُصصت لشراء عدد من المركبات، بما في ذلك 15 قاربًا فائق السرعة، وعدد 14 منظومة لـ "الكشف عن الأهداف تحت الماء"، و25 شاحنة دفع رباعي و34 مركبة للاستخدام في مختلف التضاريس. وتشمل حزمة المساعدات الخاصة بأذربيجان معدات اتصال، بما في ذلك أجهزة لاسلكي ورادارات بحرية وأجهزة إرسال واستقبال لـ"نظام التعريف الأوتوماتيكي" الملاحي (نظام تتبع عالمي للسفن).
وتذكر الوثائق أيضًا أن هناك أموالًا مخصصة للتدريب على عمليات "المراقبة تحت الماء". ولا تشمل الوثائق الحديث عن أي شيء يمكن تصنيفه على أنه مميت، كما تنص على أن الولايات المتحدة ستتولى الإشراف على استخدام المعدات لمدة عامين من تسليمها، ثم تتولى أذربيجان بعدها المسؤولية عنها.
وتتقيد المساعدات العسكرية الأمريكية لأذربيجان اسميًا تحت بند قانوني يعرف بـ"القسم 907"، إلا أنه منذ عام 2001، أُخذ في التخلي عن هذا التقييد بشكل منتظم. وقد وقع آخر تفاهم في أبريل (نيسان) الماضي، وينص على السماح بتقديم مساعدات عسكرية لأذربيجان ما دامت تشارك في مكافحة الإرهاب، وأن تدعم القوات الأمريكية أو تساهم في تأمين الحدود الأذربيجانية، مع عدم السماح باستخدام أي من البنود الواردة في التفاهم لمهاجمة دولة أرمينيا المجاورة.
الموقف الأرميني من تلك المساعدات
يلفت المقال إلى ما أشار إليه المحلل إميل سناميان في إحدى التدوينات بأن بعض قوات حرس الحدود كانت قد شاركت في عمليات قتال ضد أرمينيا. وكان سناميان هو أول من أثبت بشكل علني التمويل الأمريكي المقدم إلى أذربيجان، وأشار إلى أنه في الوقت الذي تحصل فيه أذربيجان على دعم كبير، فإن الولايات المتحدة قد خفضت مساعداتها العسكرية لأرمينيا.
ويتطرق المقال إلى أن التدوينة التي نشرها سناميان كانت قد أثارت بعض النقاش في الصحافة الأرمينية والأذربيجانية، لينقل عن تقرير للموقع الإخباري news.az1، ما صرح به راسم موسابيوف، أحد أعضاء البرلمان الأذربيجاني، قائلًا: "إن تعزيز سيطرة أذربيجان على حدودها البرية والبحرية والجوية يلبي المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة، التي استثمرت شركاتها مليارات الدولارات في مشاريع النفط والغاز في منطقة بحر قزوين، بالإضافة إلى استخدام الجيش الأمريكي الأراضي الأذربيجانية للعبور من خلالها إلى أفغانستان".
وقال موسابيوف: إن حجر الزاوية الأساسي للأمر كان هو الاهتمام الإستراتيجي من واشنطن تجاه أذربيجان، "فبالنسبة إلى أذربيجان المهم بالأساس هو حقيقة تقديم المعونة ومصدرها، وليس حجمها".
وزعم موسابيوف أيضًا أن الارتفاع الطفيف مؤخرًا في انتهاكات وقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان كان مرتبطًا ببرنامج الدعم هذا، وقال: "أعتقد أن السبب وراء هذا التحركات هو أن جماعات الضغط الأرمينية في الكونجرس الأمريكي لديها أسبابها التي تهدف إلى تعطيل هذا الحجم الكبير (100 مليون دولار) من المساعدات الأمريكية لقوات الحدود الأذربيجانية".
يختتم كوسيرا المقال بالإشارة إلى رأي الخبير العسكري الروسي بافيل فيلجنهاور الذي يعتبر هذه المساعدات موجهة أكثر كدعم لعمليات تطبيق القانون، ولا يراها مفيدة بالضرورة في نزاع عسكري مع إيران، لكنه قال: إن أذربيجان تستفيد من الاهتمام الأمريكي المتزايد بإيران، وأضاف فيلجنهاور لموقع "موسكو-باكو" الإلكتروني قائلًا: "لقد أخذت العلاقات الأمريكية الإيرانية في التدهور بسرعة كبيرة، ومن ثم فإن أذربيجان وجدت نفسها في بؤرة اهتمام الولايات المتحدة، على خلاف أرمينيا، التي غالبًا ما يُنظر إليها كحليف لإيران".