اخبار العراق الان

لوحة “بعد الظهر يوم الأحد”.. عبقرية الفن التنقيطي في الضوء واللون

لوحة “بعد الظهر يوم الأحد”.. عبقرية الفن التنقيطي في الضوء واللون
لوحة “بعد الظهر يوم الأحد”.. عبقرية الفن التنقيطي في الضوء واللون

2019-08-21 00:00:00 - المصدر: قناة التغيير


كانت ومازالت بعض اللوحات ترمز إلى حركة أو مدرسة فنية على مدار تاريخ الفن، فلا يمكننا الحديث عن عصر النهضة الإيطالية بدون ذكر لوحة “الموناليزا” الشهيرة لليوناردو دافنتشي وتمثال “ديفيد” المصنوع من الرخام لمايكل أنجلو، ولوحة “صرخة” لإدوارد مونخ التي تجسد الحركة التعبيرية.

وتعتبر “بعد الظهر يوم الأحد في لاغراند جات” من الرسومات الأكثر شهرة والأكبر حجما للرسام المعروف جورج سورات، وهي واحد من أبرز الأعمال التي تركت بصمة فارقة بعد المدرسة الانطباعية في القرن 19.

تبدو اللوحة للوهلة الأولى صورة دافئة لأشخاص يسترخون في متنزه بالقرب من نهر السين في باريس، لكنها تتخطى كونها لوحة فنية بسيطة عند التمعن فيها ودراسة دلالاتها.

قراءة فنية لنزهة الأحد
كان سورات يعيش في باريس عندما بدأ رسم هذه القطعة الفنية ربيع عام 1884، واستغرق العمل عليها عامين قام خلالهما بإنشاء أكثر من سبعين رسما أوليا ورسومات زيتية.

تناول رمزية اللون والضوء والشكل، وقام بمحاذاة مجموعات صغيرة من الألوان بصبغة منفردة تظهر كأشكال صلبة ومضيئة. وبذلك أثبت نظريته بشكل مذهل في أن استخدام نقاط صغيرة متقاربة ومتعددة الألوان من الطلاء يمكن أن تسمح لعين المشاهد بمزج الألوان وتكوين صورة معينة. فكانت هذه التقنية المنهجية للغاية وشبه العلمية بديلا ثوريا لما اتبعه الرسامون الانطباعيون في تحديد الأشكال ضمن أعمالهم الفنية.

ويعتبر مزج تقنية التنقيط والضوء واحدا من الأمور المميزة للقطعة، فنرى أشعة الشمس تغمر شخصيات المشهد التي يبلغ عددها 48 شخصا في توهج سماوي منتصف بعد الظهر. إلا أن جمود الأشكال والظلال التي تلقيها هذه الشخصيات يجعلها صامتة وغامضة إلى الأبد، وهو بمثابة نقد موجه للفنان في ذلك الوقت، إذ يتكون لدى المشاهد انطباع أولي يعبر عن الصمت والسيطرة والجمود.

عادة ما يتم تمثيل الظلال باللون الأسود في الرسم، إلا أن سورات اختار تحديد ظلاله حسب اللون الذي يتلامس معه، أي باستخدام تقنية مزج الألوان. وتقدم تنورات النساء أفضل مثال على ذلك، فتبدو وهي تلقي ظلالها وسط اللوحة باللون الأزرق على الأرض الخضراء. ويتكرر هذا النهج في لباس المرأة على اليمين عندما يلقي مزيج الضوء واللون الأخضر هالة صفراء للأشجار. فكانت ظلال “نزهة يوم الأحد” انطباعا معاكسا للوحة “باذيرز أت أسنيير” المغمورة بالضوء والتي أنجزها قبل ذلك بفترة وجيزة عام 1884.

ولا يرى المشاهد الرموز الاجتماعية التي تميز هذه اللوحة إلا بعد فحص دقيق، فعلى اليمين سيدة تقف وبجانبها قرد بوثاق بدلا من الكلب، ورجل بقبعة عالية يعبر مظهرهما على الطبقة الأرستقراطية.

أما السيدة التي بالقرب من ضفة النهر على اليسار فتصطاد الأسماك، وهذا بمثابة استعارة للبغاء الذي كان شائعا بهذا الجزء من باريس. ووسط اللوحة، نرى فتاة صغيرة ترتدي اللون الأبيض وهي الشخصية الوحيدة التي ليس لها ظل وتحدق مباشرة كما لو كانت تستجوب المشاهد في صمت.

أما باقي الشخصيات فهي محجبة في الظلال التي سلبت هويتها إلى حد كبير وتخفي آفاقها الكئيبة والشك والخطيئة، سواء تحت الأشجار أو المظلات أو من شخص آخر.

وهناك خدعة بصرية أخرى واضحة بهذه القطعة، وهي إدراج سورات إطارا تنقيطيا مبتكرا يعمل على جعل تجربة مشاهدة اللوحة أكثر كثافة من خلال إضافة المزيد من درجات الألوان والضوء والقوام على بنية العمل الفني.

الفن التنقيطي
نشأ في باريس على يد سورات، وهو اسم صاغه الناقد الفني فيليكس فينون. واعتنق سورات من خلال هذا الخط الفني موضوع الحياة الحديثة بشكل نموذجي للغاية ومختلف عن رواد الحركة الانطباعية التي ظهرت مع الفنان فان جوخ وبول سيزان عام 1880.

تعتمد توليفة الفن التنقيطي على وضع المئات من النقاط الصغيرة بجانب بعضها لتبرز لمعان ألوان اللوحة باستخدام لمسات صغيرة ذات ألوان موحدة لم يتم خلطها لتوضع جنبا إلى جنب على القماش وتمتزج معا عند مشاهدتها من مسافة بعيدة، فيتم بذلك خلط الألوان معا بواسطة العين وليس بواسطة ريشة الفنان.

الفنان الشاب
افتتح سورات استوديو رسم صغيرا في باريس بعد الانتهاء من دراسة الفنون الجميلة عام 1881، قام بعدها بالخدمة العسكرية لفترة قصيرة، ثم واصل دراساته عن الآثار التدرجية للون. اكتمل العمل على لوحته الأكثر شهرة “بعد الظهر يوم الأحد في لاجراند جات” وهو في سن 26 فقط. وتوفي وعمره 32 سنة، ويقال إنه مات بسبب ساعات عمله الطويلة.

كان مصمما على تطوير أسلوب فكري مختلف لفتح إمكانيات جديدة للفن، وأصبح من مؤسسي المدرسة الانطباعية الجديدة في القرن 19.

المصدر: الجزيرة نت

lbnm2Avk3Qg