لماذا تهزّ موجة جديدة من الاحتجاجات الشرق الأوسط تحت شعار "كلّن يعني كلّن"؟
عمّت يوم الجمعة احتجاجات في ثلاث عواصم كبرى وعشرات المدن فهزّت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيما التحف الشباب بأعلام بلادهم مطالبين برحيل النخبة الحاكمة في لبنان والعراق والجزائر.
على امتداد أسابيع من الإحتجاجات التي لقيت بعضها قمعاً عنيفاً على أيدي رجال الميليشيات المدعومة من إيران، طالب العراقيون بإزاحة كل الطاقم السياسي الذي تولّى الحكم منذ الإطاحة بنظام صدام حسين في العام 2003 وهو الطاقم نفسه الذي يسيطر على ثروة البلاد النفطية الهائلة. وتدفّق المتظاهرون إلى شوارع العاصمة بغداد في وسط البلاد وغيرها من مدن الجنوب العراقي في موجة اعتبرها البعض أكبر تظاهرات إلى الحين. وقُتل 6 متظاهرين على الأقل يوم الجمعة حسب المعلومات التي أذاعتها وسائل الإعلام المحلية نقلاً عن أحد مسؤولي المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق.
ويطالب المتظاهرون اللبنانيون من جانبهم أيضاً برحيل أمراء الحرب الذين أصبحوا الطبقة السياسية الحاكمة التي تنهب البلاد منذ لحظة توصّلها إلى اتفاق لتقسيم السلطة وإنهاء الحرب الأهلية في 1989.
أمّا الجزائريون الذين نجحوا في إسقاط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد قضائه فترة طويلة في الحكم، فيطالبون الآن بإزاحة كافة أفراد النخبة العسكرية والأمنية التي تدير البلاد الغنية بالنفط منذ نهاية الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي. وتواصلت الاحتجاجات هناك للأسبوع الـ37 على التوالي.
وغردّت الصحافية الجزائرة فرح سواميس على تويتر قائلة "الجزائر تغلي والناس يسيرون ويصيحون بأسماء شهداء ثورة التحرير المعروفين. هذه الأجواء تصيبنا بالقشعريرة".
وتدور الاحتجاجات الأخيرة في العالم العربي في بلدان ظلّت على الحياد تقريباً عند اندلاع الربيع العربي في 2011. واعتبر الكثيرون أنّ لبنان والعراق والجزائر، وحتى السودان التي أطاحت هذا العام بحاكمها بعد مدة طويلة له في السلطة، أضحت منهكة بعد سنوات من النزاع المسلّح والفوضى ولن تقوى على المطالبة بالتغيير.
وتبيّن أنهم على خطأ إذ نزل المواطنون العاديون المطالبين بتوفير فرص العمل والخدمات العامة اللائقة من كهرباء وماء وتعليم وطبابة، إلى الشوارع بكثافة هذا العام، وفي مصر كذلك حيث واجه المحتجون في شهر سبتمبر (أيلول) القوات الأمنية التابعة للرئيس عبد الفتاح السيسي.
وقالت تمارا كوفمان ويتس، وهي خبيرة في شؤون الشرق الأوسط لدى مؤسسة بروكينغز "نجح الربيع العربي في العام 2011 بكسر حاجز الخوف وتغيير الفكرة القائلة بأن التظاهر غير مجدٍ. ولم تزل العوامل الكامنة المتراكمة التي تشكّل الضغط من أجل إحداث التغيير، على حالها. قليلة جداً هي الحكومات التي بذلت أي مجهود لافت من أجل معالجة الضغوط في المنطقة".
اجتاحت موجة متجددة من الغضب العالم أجمع هذا الموسم. فقد اكتسحت التظاهرات المناهضة للحكومة شوارع إثيوبيا وغينيا وتشيلي وهونغ كونغ فيما نظمت مسيرات حاشدة للمطالبة بالعمل الفعلي لمواجهة تغيّر المناخ. وتظهر هذه التحركات إيمان الشباب القوي والمستمر بالتظاهرات العلنية.
أما في الدول العربية، فيعود الغضب إلى قلة الفرص الاقتصادية.
ويشرح زيد علي، الباحث المتخصص في الشؤون الدستورية لدى المؤسسة الدولية للديمقراطية والإنتخابات (IDEA)، وهي ذراع الأمم المتحدة لتعزيز الديمقراطية أنّ "النماذج الإقتصادية في دول المنطقة غير ناجحة. فالقطاع الخاص فقير إلى أبعد حدود والقطاع العام غير قادر على توظيف ما يكفي من الناس والزيادة السكانية خارجة عن السيطرة تماماً".
ومنذ عشرين عاماً كان يمكن لخرّيج الجامعة في الجزائر أن يتوقع الحصول على وظيفة لائقة. لكنه لن يجد هكذا فرصة اليوم على الأرجح. ولسنوات طويلة، وفّرت الهجرة إلى أوروبا صمام أمان ومصدر دخل على شكل التحويلات المالية الخارجية. لكن هذا المنبع قد جفّ مع تعاظم غياب التسامح مع المهاجرين.
وأضاف زيد علي "تتمحور مخاوف الناس الأساسية حول قدرتهم على إنشاء العائلة، ووضعهم بعد عشرين أو ثلاثين سنة من اليوم. وهم متشائمون إلى أبعد الحدود. وحتى لو لم يكونوا خبراء في الإقتصاد، يستطيعون أن يتبينوا الاتجاهات الاقتصادية ويعون جيداً ما الذي يحدث حولهم".
بدأت موجة التظاهرات في أواخر العام الماضي في السودان على إثر ارتفاع ثمن الخبز، ثم انتقلت إلى الجزائر بعد إعلان السيد بوتفليقة عن نيّته الترشّح لولاية خامسة. وانضمّ المتظاهرون العراقيون إلى هذه الموجة منذ أسابيع قليلة فقط في أعقاب طرد أحد الجنرالات بينما نزل اللبنانيون إلى الشارع جزئياً بسبب فرض ضريبة جديدة على اتصالات تطبيق واتساب للمراسلة. لا ينسّق المحتجون تحركاتهم عبر الحدود الدولية لكن يبدو أنهم يستمدون الحماسة من بعضهم البعض.
وفي هذا الإطار، شرح تيموثي كالداس، وهو أحد كبار الباحثين لدى مؤسسة التحرير لسياسة الشرق الأوسط الوضع فقال "من المرجّح أنّ مشاهد التظاهرات في مكان ما تثير الحماسة فتلهم أماكن أخرى. لديهم جميعاً أسبابهم المحلية الخاصة وتياراتهم الخاصة ولكنهم يتعلّمون من بعضهم بعضاً".
وتطالب كافة التظاهرات في المنطقة على سبيل المثل بتغيير النظام الحاكم وليس إقالة شخصية بارزة أو أكثر ومنع أي قادة سابقين من لعب أي دور في المرحلة الانتقالية وهو درس تعلّمه المتظاهرون من الانتفاضة الفاشلة في مصر.
لذا ينادي المتظاهرون في لبنان بشعار "كلّن يعني كلّن".
ويشير كالداس إلى أنّ "الثورة هذه ليست موجهة ضد رئيس وزراء أو رئيس جمهورية بس هي انتفاضة تطالب بالإطاحة بكامل الطاقم السياسي الحاكم".
وبذل المحللون جهدهم كي يفهموا سبب اندلاع كل هذه التظاهرات خلال العام الجاري. ربّما يكون أحد العوامل المسببة لهذه الموجة عبور تونس الناجح نسبياً نحو الديمقراطية وهو أول بلدٍ ثار على حاكمه المستبدّ في العام 2011. وبعد وفاة رئيسها خلال فترة ولايته، عقدت تونس انتخابات كانت نتيجتها مجهولة كلياً وفاز بها شخص غير معروف نسبياً من خارج كافة الأحزاب السياسية الرئيسية.
ولفتت ويتس إلى أنّ "القيمة الأساسية لتونس هي في مناقضتها لمزاعم من يدافعون عن استمرار الوضع القائم ويبررونه بقولهم إنه ما من سبيل آخر لتسيير الأمور. وتبيّن تونس بوضوح كيف يمكن التخلص من نهج العمل القديم وبناء نهج جديد ومختلف مع قادة يدركون أنهم غير مطلقي الصلاحيات والنفوذ وأنهم تحت سقف القانون ويغادرون السلطة بإرادتهم".
وأشار المراقبون إلى أنّ اندلاع الثورات بعد الخسارة الميدانية لداعش ليست صدفة محض. فقد استغلّت الأنظمة في الشرق الأوسط طوال سنوات عديدة خطر الجماعة الإرهابية أولاً كتحذير للمتظاهرين المحتملين كي لا يحدثوا الفوضى التي يمكن أن تستغلّها هذه الجماعة وثانياً كذريعة لتشديد الرقابة وتعزيز الدولة البوليسية.
وقال كالداس "استخدمت الأنظمة على امتداد العقود السابقة التهديد الأمني من أجل تبرير فرض قوانين الطوارئ واستخدام أساليب الدولة البوليسية".
أمّا في السودان، فحدث اجتماع نادر لقيادة معارٍضة منظّمة من ناحية ودعم أميركي وأوروبي لأهدافها من ناحية أخرى أدّى إلى تحوّل ديمقراطي حقيقي في البلد.
لكن لا دليل إلى الحين عن إحداث التظاهرات أي تغيير. ويقال إن المسؤولين المستندين إلى سيطرتهم على الثروة النفطية في بغداد لم يشعروا بأي طارئ بسبب التظاهرات بل يأملون أن يتجاوزوا هذه الأزمة. ومن جانبهم أيضاً، لم يبدِ المسؤولون العسكريون والأمنيون الهرمون في الجزائر إشارة على نيّتهم بالتوصل إلى مساومة مع المتظاهرين. وفي لبنان، صحيح أنّ رئيس الوزراء سعد الحريري قدّم استقالته لكن الحكومة التي شكّلها والنظام الذي انتمى إليه ما يزالان متشبثان بالسلطة.
وختمت ويتس بقولها "يدخل في الموضوع عنصر الفرق بين الأجيال. يظهر جيل جديد من العرب، وهو أفضل تعليماً وأكثر اتصالاً بالعالم. ويريد هذا الجيل أن يدير حياته بنفسه وأن تكون لديه خيارات. وهو يشكّل الأغلبية ويطالب بتغيير في السياسة والمجتمع".