إلغاء امتيازات مسؤولين عراقيين لا يلبي طموحات المحتجين
على الرغم من استمرار البرلمان العراقي بإصدار القرارات والقوانين العاجلة لإرضاء المتظاهرين في المحافظات الوسطى والجنوبية، إلاّ أنّه لم يتمكن حتى الآن من مناقشة المشاريع المهمة والحساسة التي من شأنها المساهمة في إنهاء الأزمة الراهنة.
ومن بين تلك القوانين التي صوّت عليها البرلمان قبل يومين، قانون إلغاء امتيازات كل المسؤولين في الدولة، بدءاً من منصب مدير عام وحتى رئيس الجمهورية، ما أثار حفيظة بعض الأطراف السياسية من دون أن يلبّي طموح المتظاهرين.
وبشكل عام، تضمّن القانون الجديد إلغاء قانون المنح لنواب البرلمان والرئاسات الثلاث ومنع تخصيص مبالغ علاج لهم أو بدلات إيجار "لمَن لا يمتلك عقاراً في العاصمة"، إضافةً إلى منع استئجار الطائرات الخاصة وتخفيض مستحقات المسؤول الموفد بنسبة 50 في المئة.
إجراء متأخر
ووفق غالبية المتظاهرين في ساحات الاحتجاج العراقية، فإن تلك القوانين والقرارات جاءت متأخرة جداً ولا تلبّي الطموح، بعدما أصبح الهدف هو إقالة الحكومة وحل البرلمان واللجوء إلى انتخابات مبكرة بقانون انتخابي جديد.
وقال الناشط المدني حمزة علي إن "القوانين التي يصدرها البرلمان أخيراً لم تُناقَش في ساحات الاحتجاج ولا يعلم بها متظاهرون كُثر بسبب بعدها عن مطالبهم وقناعتهم بأن البرلمان الحالي لن يتّخذ أي إجراء لصالحهم"، مضيفاً أنّ "بعض الامتيازات التي أُلغيت بموجب القانون الجديد، كان البرلمان أقرها خلال الأشهر القليلة الماضية، الأمر الذي يؤكد أن الكتل البرلمانية الحالية غير مدرِكة لحجم الخراب الذي تعيشه البلاد وترى أنها تقدم التنازلات من أجل البقاء في السلطة وتجاوز مطلب حلّ البرلمان".
ورأى أنّ "الكتل ترفض حتى الآن حلّ البرلمان أو التصويت على موعد الانتخابات المبكرة وكأنها تريد القول من خلال القوانين والقرارات التي تصدرها الآن بضغط من الجماهير لا بقناعتها، إن الأوضاع يمكن أن تتحسن بمجرد وقف الهدر ومحاربة الفساد الذي نمارسه طيلة السنوات الماضية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اعتراضات
مع ذلك، فإن بعض الأطراف السياسية ما زالت غير مقتنعة بأن إلغاء الامتيازات ضرورية لامتصاص غضب الجماهير الناقمة على الأحزاب والكتل السياسية، وهي تعترض على إبقاء بعضها للرئاسات الثلاث والوزراء والوكلاء والمدراء.
ورجّحت مصادر سياسية اللجوء إلى المحكمة الاتحادية للطعن بقانون إلغاء الامتيازات الخاصة بالرئاسات والنواب بحجة مخالفتها بعض المواد الدستورية، ومنها المادة 63 التي تنص على أنّ "حقوق وامتيازات رئيس مجلس النواب ونائبَيْه وأعضاء المجلس، تُحدَّد بقانون".
وقال النائب سلام المالكي إنّ "بعض الكتل السنية والكردية اعترضت على القانون، لكنّ الغالبية كانت مع تمريره، لا سيما أن حجم الامتيازات الخاصة بالنواب والرؤساء كانت تكلّف الدولة 50 مليار دولار سنوياً"، مشيراً إلى أن هذا القانون سيوفر بعض الأموال التي من شأنها المساهمة في حل بعض المشاكل في الموازنة العامة للدولة لعام 2020.
ثغرات قانونية
في سياق متّصل، أكد خبراء في القانون أن نصوص التشريع الجديد تحمل ثغرات ومنافذ يمكن من خلالها الإبقاء على امتيازات عدّة، خصوصاً تلك المتعلقة بالبرلمانيين، على سبيل المثال، المادة الخاصّة بعدم منح بدل إيجار لمَن لا يمتلك عقاراً في بغداد حيث مقر البرلمان. وفي الواقع، فإن 71 نائباً فقط هم من سكان العاصمة، وبالتالي ستشمل تلك المخصصات حوالى 258 نائباً.
وقال الخبير القانوني علي برهان إن "القانون فصّل المنافع الاجتماعية واقتصرها بمبالغ المرض والسفر والوقود، فيما تحتوي هذه المادة على مبالغ أخرى ضخمة ترهق ميزانية الدولة". وأضاف أن "المنافع الاجتماعية للمسؤولين تتضمّن مخصصات طعام بالملايين، ومبالغ مالية كبيرة بعنوان مساعدة المواطنين، إضافةً إلى مبالغ مالية ضخمة للطوارئ، وأخرى للمؤتمرات والندوات على الرغم من أن مسؤولية عقدها تقع على عاتق ديوان رئاسة الجمهورية وأمانة مجلس النواب وأمانة مجلس الوزراء".
كما أن القانون أعطى الحرية للرئاسات الثلاث بإصدار أوامر لتحديد المبالغ المخصصة للضيافة ولبدلات السكن، وكذلك بالنسبة إلى عدد السيارات. ولم يتطرق إلى مشكلة العقارات العامة التي تُقدَّر بنحو 60 ألف عقار تشغلها الأحزاب وبعض الشخصيات السياسية بصورة غير شرعية منذ عام 2003 وحتى الآن.
وعلى أي حال، لن يكون قانون إلغاء امتيازات النواب وكبار المسؤولين في الدولة العراقية سبباً في إنهاء أو تخفيف وتيرة الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل إنها قد تكون سبباً إضافياً لزيادة زخم التظاهرات والاعتصامات كونها تتضمّن اعترافات ضمنية بمسؤولية البرلمان عن هدر المال العام وتعمّد تأخير القوانين التي من شأنها معالجة الأوضاع الاقتصادية وإزالة الفوارق الطبقية التي أحدثتها بعض التشريعات الجائرة.