الإعلام تحت مرمى نيران السلطة في العراق
تستمر السلطة في بغداد بعمليات قمع وترهيب الحريات عموماً، وحرية الصحافة والتعبير عن الرأي خصوصاً، حيث أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية أمراً بإغلاق وإنذار 17 وسيلة إعلام تلفزيونية وإذاعية، وفيما استنكر صحافيون وناشطون هذا القرار باعتباره تكميماً للأفواه، محملين السلطات الرسمية مسؤولية سلامتهم.
عقاب على الموقف من الحكومة
ترى منظمات حقوقية وصحافيون، أن ما يجري من استهداف للصحافيين والمؤسسات الإعلامية، عمل ممنهج بدأ منذ اندلاع الاحتجاجات مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، موضحين أن قرارات إغلاق المؤسسات الإعلامية هو عقوبة على موقفها من الحكومة العراقية.
ويقول رئيس النقابة الوطنية للصحافيين ياسر السالم (وهي غير نقابة الصحافيين العراقيين)، إن "القرار مرتبط بالمساعي الحكومية لقمع الاحتجاجات"، مشيراً إلى أن "القنوات التي وردت هي الأكثر نشراً لأخبار الاحتجاج، فضلاً عن الإنذارات التي وجهت لمؤسسات أخرى مصنفة بالمستوى الثاني من ناحية نقل أخبار الاحتجاج".
وأضاف لـ "اندبندنت عربية"، "القرار ليس فقط استهدافاً للمؤسسات الإعلامية، بل استهداف لحرية التعبير في العراق".
ولفت إلى أن "القرار بمضمونه يخالف المادة 38 من الدستور العراقي والتي تكفل حرية التعبير عن الرأي".
وبيّن السالم أن "القرار يشكل خرقاً لقانون هيئة الإعلام، إذ ليس من صلاحياتها إغلاق مؤسسات إعلامية"، موضحاً أن "مجلس القضاء الأعلى وحده القادر على إصدار أمر قضائي بإغلاق تلك المؤسسات"، فيما عد "القرار باطلاً ولا يمكن تنفيذه إلا بقرار قضائي".
وأوضح سالم "اتصلنا بعدد من الوسائل المشمولة بالقرار، ونعمل على أخذ توكيلات من المؤسسات المعنية لإعداد ملف قانوني للقيام برفع دعوى قضائية على الهيئة"، مشيراً إلى أن "القرارات هذه لا تتعلق بمخالفات سجلت على تلك المؤسسات بل هو عقاب على موقفها من الحكومة".
ترهيب أمني
يحمل صحافيون وإعلاميون الحكومة وهيئة الإعلام والاتصالات، مسؤولية سلامة العاملين في القنوات المشمولة بقرار الإيقاف، معتبرين تلك القرارات جزءاً من الترهيب الممارس على الصحافيين، وتحريضاً يفتح الباب لتهديدات قد يتعرضون لها.
وأوضح السالم أن "جزءاً من عمليات الترهيب على الصحافيين، هو اللجوء إلى الحل الأمني من دون إعطاء فرصة لوسائل الإعلام لنقض القرار قانونياً".
وحمّل السالم، "هيئة الإعلام مسؤولية سلامة العاملين في تلك المؤسسات على اعتبار أن هناك شبه تحريض على تلك القنوات"، موضحاً أن "مجاميع مسلحة اعتدت على نفس الوسائل الإعلامية المذكورة في كتاب الهيئة مطلع أكتوبر، ما يشكل تهديداً لحرية العمل الصحافي والحريات بشكل عام".
مجزرة بحق حرية التعبير عن الرأي
عبّر عدد من العاملين في قنوات فضائية عن قلقهم إزاء هذه الخطوة التي تشكل تهديداً لمصير العاملين في تلك القنوات، عادين ما يحصل "مجزرة بحق حرية التعبير عن الرأي".
في المقابل، يرى نبيل جاسم، مقدم برنامج "وجهة نظر" على قناة دجلة المشمولة بقرار الهيئة، أن "القرار غير مستغرب بالنسبة لنا، نحن المتعاطين بالشأن العام نظراً للسياق العام لتعامل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 مع حرية التعبير".
وأضاف في حديث لـ "اندبندنت عربية"، "القرار يشكل صدمة بالنظر إلى حجم القنوات المستهدفة في الكتاب".
وبيّن جاسم أنه "منذ مطلع أكتوبر، أصبح الحراك الحكومي يتجه الى تكميم أفواه وسائل الإعلام، وما يجري اليوم استمرار لذلك".
وأضاف "يبدو أن وسائل الإعلام تشكل للسلطة صداعاً أكبر مما تشكله الحركة الاحتجاجية". وعن قضية التحريض على الصحافيين، لفت إلى أن "مجرد الإعلان عن أن هذه القنوات تحرض على السلطة، يفتح المجال لأكثر من تهديد، وقمع للرأي، ويفتح الباب أيضاً لبعض الأطراف الأخرى لاستهداف تلك المؤسسات، نظراً لأننا نعيش في واقع منفلت".
وعد جاسم تلك الإجراءات بالـ "الضوء الأخضر لاستهداف وسائل الإعلام"، خاتماً "نحن مستمرون بالعمل إلى حين قدوم قوات أمنية لإغلاق مؤسساتنا".
أوامر رئاسية
من جانبه، قال مدير مرصد الحريات الصحافية، زياد العجيلي، إن "محاولات قتل الإعلام تشبه عمليات القتل التي تجري في الاحتجاجات".
وأضاف "كل ما يحدث من تهديد وملاحقة وغلق وسائل إعلام من مسؤولية القائد العام للقوات المسلحة". وكشف العجيلي أن "هذا الكتاب جاء بأمر من عبد المهدي، حيث اجتمع بهيئة الإعلام والاتصالات وطلب منهم إغلاق بعض الفضائيات وإنذار الأخرى".
أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات، قراراً بإغلاق مكاتب عدد من القنوات الفضائية العراقية والعربية، وعدد من المحطات الإذاعية، بسبب تغطيتها تطورات الاحتجاجات العراقية منذ مطلع الشهر الماضي، وإنذاراً بحق عدد آخر من وسائل الإعلام، فيما أشارت إلى أنها ستقوم بتزويد مكتب رئيس الوزراء بقائمة لما وصفتها بـ "القنوات المحرضة" التي تبث من خارج البلاد.
وأظهرت وثيقة للهيئة، 8 قرارات صادرة عن مجلس الأمناء، تقضي بإغلاق مكاتب قنوات، "العربية الحدث، NRT، الشرقية نيوز، دجلة، الفلوجة، الرشيد، هنا بغداد، و anb "، لمدة 3 أشهر، فضلاً عن تجديد إغلاق مكتب قناة "الحرة" لـ 3 أشهر أخرى، وإقفال محطات إذاعية وهي "راديو الناس وسوا، وإذاعة اليوم، ونوا"، فضلاً عن إنذارات بحق قنوات "روداو والسومرية، وسكاي نيوز عربية، و أور وآسيا".
وتضمنت القرارات تزويد مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بقائمة لما أطلقت عليها بالـ "القنوات المحرضة" التي تبث من خارج العراق، لمفاتحة الدول التي تتواجد فيها تلك القنوات.
وكانت هيئة الاتصالات والإعلام العراقية، قد أصدرت بياناً الشهر الماضي، هددت فيه وسائل الإعلام التي وصفتها بـ "المحرضة على العنف" بعقوبات إدارية وقانونية.
ويرى مراقبون أن الحكومة العراقية تشكك في أعداد ضحايا الاحتجاجات التي تعلنها بعض الجهات الرسمية وغير الرسمية، للاستمرار في قمع الاحتجاجات الدائرة منذ مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وكان مرصد الحريات الصحافية وبعض المنظمات الحقوقية قد أعلنوا عن أن حصيلة ضحايا الاحتجاجات بلغت 600 قتيل ونحو 17 ألف جريح.