العراق… تهويل غير "دستوري" بالفراغ إذا استقالت الحكومة
لم تؤدِّ كل الخيارات السياسية المطروحة في العراق إلى التخفيف من حدة الاحتجاجات المستمرة منذ مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفيما يحذر رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي من أن إقالة حكومته من دون توفير البديل، ستتسبّب بفراغ دستوري، يرى خبراء قانونيون أن هذه المخاوف غير مستندة إلى الدستور العراقي، الذي نظم كل تلك الحالات.
في الإطار السياسي، يرى خبراء أن لا بوادر حقيقية من الكتل السياسية لتشكيل حكومة إنقاذ وطني، مشيرين إلى أن ما يجري هو محاولات لـ"تخدير" المحتجين.
تبرير للحفاظ على السلطة
في المقابل، يعتبر سياسيون أن التخويف من فكرة الفراغ الدستوري هو مجرد محاولة لتبرير التمسك بالسلطة من قبل رئيس الحكومة والقوى السياسية المسيطرة. وفي حين أشاروا إلى أن تشكيل حكومة مؤقتة تتكفل بإجراء الانتخابات يوفر حلاً للأزمة، أكدوا أن التعنت في الموقف الحكومي سيزيد الأزمة حدةً ويدفع المحتجين إلى الرد بصورة "أعنف".
وقال السياسي العراقي أثيل النجيفي إن "فكرة الفراغ الدستوري تُطرح كتبرير للحفاظ على السلطة، وهناك طريق يمكن سلوكه من دون إحداث أي فراغ دستوري، عبر إقالة أو استقالة الحكومة وتشكيل حكومة مؤقتة لإجراء انتخابات مبكرة".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن "استخدام الفراغ الدستوري كمبرر، يُبيّن أن الحكومة والقوى السياسية المسيطرة تدرك أن هذا الوقت غير مناسب لإجراء انتخابات لأنها ستفقدها نفوذها السياسي"، مشيراً إلى أن "الحكومة والقوى الداعمة لها تحاول البقاء لأطول فترة ممكنة في مسعى إلى إعادة ترتيب وضع الشارع العراقي بما يتناسب مع مصالحها".
وتابع "التعنت الحكومي يؤدي إلى نتائج أسوأ"، مرجّحاً أن يردّ المحتجون بصورة "أعنف".
ثمن "قنص" المحتجين
ولفت النجيفي إلى أن "القائمين على القمع من ميليشيات وغيرها من القوى، سيطالبون باستحقاقات جديدة وثمن لحماية الحكومة، وسنرى طبقة جديدة أسوأ من هذه، تطالب بحصد مكافآت للقنص والقمع الذي قامت به".
وفي سياق الحديث عن القوى التي تعارض تشكيل حكومة مؤقتة، أوضح أن "القوى السياسية المهيمنة على البرلمان لا تريد هذا الحل، وهناك عدد من النواب الذين طالبوا بتشكيل حكومة مؤقتة، لكن الغالبية المسيطرة على البرلمان ترفض هذا الإجراء"، مضيفاً "إذا لم يكن هناك ضغط دولي يحذّر الحكومة والطبقة السياسية من مغبة التهوّر في معالجة الأزمة، فإنّ هذه السلطة لن تستجيب لمطالب المتظاهرين".
مخارج دستورية
في السياق ذاته، أكد خبراء قانونيون أن الدستور العراقي نظم مسألة استقالة أو إقالة الحكومة بطريقة تكفل عدم الذهاب نحو الفراغ الدستوري، مشيرين إلى أن حديث رئيس الوزراء في هذا الإطار غير دقيق من الناحية القانونية، ومعتبرين أن خيار تشكيل حكومة إنقاذ وطني غير "دستوري".
في المقابل، قال الخبير القانوني طارق حرب إنه "لا يوجد شيء اسمه فراغ دستوري وكل شيء نظمه الدستور العراقي"، مضيفاً في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "في حال سحب الثقة من الحكومة، تُعتبر بحكم المستقيلة وتبقى في سياق تصريف الأعمال إلى حين انتخاب حكومة جديدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت إلى أن "ذلك حصل في فترة حكومة نوري المالكي، التي استمرت كحكومة تصريف أعمال لمدة سبعة أشهر".
وعن الإطار القانوني للحكومة إذا حُلَّ مجلس النواب، أشار حرب إلى أن "رئيس الحكومة يستمر في إطار تصريف الأعمال إلى حين تنظيم انتخابات جديدة تتمخّض عنها حكومة أخرى"، مبيناً أنه "في جميع الأحوال ليس هناك ما يُسمى بفراغ دستوري".
وأوضح أن "الحديث عن حكومة إنقاذ وطني أو طوارئ، ليست خياراً دستورياً، ولا يوجد نص قانوني يدعمها"، موضحاً أن "الأمم المتحدة غير مخوّلة القيام بصلاحيات تشكيل حكومة إنقاذ، إذ إنّ قرار البعثة الدولية لعام 2007، لا يشتمل سوى على تقديم العون والمساعدة للحكومة العراقية".
واستبعد "قيام المرجعية الدينية أو الأمم المتحدة بدور الوساطة لتشكيل حكومة إنقاذ وطني".
ثلاثة "مطالب" للمرجعية
ورأى خبراء أن المطالب الثلاثة التي دعت المرجعية إلى تنفيذها تمثّل مخرجاً مهماً للأزمة، وهي إقرار قانون انتخابي جديد وتشكيل مفوضية مستقلة عن سلطة الأحزاب السياسية وإجراء انتخابات مبكرة.
وقال المحلل السياسي مناف الموسوي إن "دعوات تشكيل حكومة إنقاذ وطني، مجرد مخدرات لامتصاص الضغط الجماهيري ولا وجود لأي بوادر حقيقية لتشكيلها".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن "حكومة الإنقاذ الوطني التي تحاول كتل الترويج لها على أنها استجابة لمطالب المحتجين، ستأتي من رحم المكونات السياسية وستعمل على تنفيذ أجنداتها".
وأشار إلى أن "المرجعية الدينية لم تطرح بشكل صريح قضية تغيير الحكومة، ودعوتها اقتصرت على القانون الانتخابي وقانون مفوضية الانتخابات، فضلاً عن الدعوة إلى انتخابات مبكرة".