اخبار العراق الان

أرض الخوف والرعب..  "إرهاب جديد" يهدد العراق

أرض الخوف والرعب.. 
أرض الخوف والرعب..  "إرهاب جديد" يهدد العراق

2019-12-10 00:00:00 - المصدر: الحرة


بعد أكثر من سنتين على عملية دحر داعش من الموصل التي كانت مفصلا في سقوط الخلافة المزعومة، يطل رأس ثعبان إرهاب جديد في العراق الذي تحول في الأشهر الماضية إلى بلد يسيطر عليه الرعب.

ومن رحم الجماعات التي شكلت تحت ذريعة محاربة داعش، خرج هذا الثعبان ليبث سمومه في العراق، فبات يسيطر، بأوامر من راعيه الإيراني، على مقدرات البلاد ليمعن في الأشهر الأخيرة في إرهاب المتظاهرين.

الحشد الشعبي الذي شكل عام 2014 لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، تحول لأداة قتل في العراق بعد أن أدرك أن المظاهرات التي تشهدها البلاد منذ أكتوبر الماضي تهدد وجوده ومكتسباته ونفوذ إيران.

ويتألف الحشد بصورة رئيسية، من فصائل شيعية موالية لإيران، تتواجد منذ سنوات في العراق، لكنها باتت اليوم جزءا من القوات الأمنية للبلاد، وهنا تكمن خطورته فهو يعمل تحت غطاء القانون ومؤسسات الدولة.

وعقب اندلاع المظاهرات المنددة بالفساد ونفوذ إيران، حاولت القوات الأمنية، ومن خلفها ميليشيات الحشد، احتواء الاحتجاجات عبر إرهاب المتظاهرين بالرصاص ومختلف وسائل القمع، ما أسفر عن مقتل المئات.

ولم يقف الإرهاب عند القتل العشوائي للمتظاهرين عبر القناصة أصحاب الأقنعة السوداء أو "الهجمات المجهولة"، بل شمل أيضا خطف الناشطين واغتيالهم لتتحول البلاد إلى أرض للخوق والرعب.

والخميس الماضي، اجتاح العشرات من مؤيدي الحشد الشعبي على متن شاحنة مزودة بنظام صوتي موقع المتظاهرين في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، في محاولة جديدة لإرهاب المعتصمين.

وليلتها، توقف أنصار الحشد أمام مساحة وضعت فيها شموع وأمتعة شخصية لضحايا عمليات القمع من أحذية وملابس وخوذات خفيفة، في رسالة تهديد غير مباشرة للمتظاهرين المتمسكين برحيل الطبقة السياسية.

وتخوف المتظاهرون حينها من توابع استعراض القوة وشككوا في دوافع أنصار الحشد الشعبي، الذي يضم فصائل موالية لإيران وباتت تحمل صفة رسمية بعدما صارت جزءا من القوات العراقية.

بعدها بيوم واحد، هاجم مسلحون ملثمون جسر السنك قرب ساحة التحرير، موقع الاعتصام الرئيسي، وقتلوا نحو 25 شخصا وأصابوا أكثر من 120 آخرين، وحرقوا خيام المتظاهرين، وحتى عربات "التكتك" الصغيرة التي يستخدمها المتظاهرون في إسعاف الجرحى.

ويؤكد الباحث في الشأن العراقي، رعد هاشم، لـ"موقع الحرة" أن "هناك دلائل كثيرة على ارتكاب الحشد الشعبي للمذبحة، منها مركباتهم الحكومية وسياراتهم المعروفة، وهناك توثيق بأماكن خروجهم وأماكن انسحابهم، حتى أن الجيش وقطاعات منه انسحبت قبل وقت من دخولهم بقليل في تصرف غير مسؤول، ما سمح لهم بدخول أماكن الاعتصام".

واعتبرت منظمة العفو الدولية أن "الهجوم الجيد التنسيق" من قبل العديد من "الرجال المدججين بالسلاح في قافلة طويلة من المركبات" يطرح "تساؤلات جدية حول كيفية تمكنهم من عبور نقاط التفتيش في بغداد وارتكاب مثل هذه المذبحة".

وغداة هجوم الجمعة، أصدر رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، أمرا "بعدم تكليف أية قوة أو تشكيل من تشكيلات الهيئة في دور ميداني في ساحات التظاهر بشكل عام وساحة التحرير في بغداد بشكل خاص، وتحت أي عنوان كان كحماية المتظاهرين أو أية ممارسة ميدانية أخرى"، الأمر الذي اعتبره المتظاهرون اعترافا بالمسؤولية.

ويرى هاشم أن "هذا اعتراف واضح بأن عناصر من الحشد الشعبي هي من قامت بارتكاب مذبحة الجمعة، وإلا لماذا يوجههم السبت وبعد الهجوم بساعات بعدم الاقتراب من أماكن الاحتجاجات"، مضيفا أن "بيان الفياض جاء لتفادي انتقادات المجتمع الدولي".

وكان مسؤول أمني عراقي رفيع يعمل في قيادة عمليات بغداد قد كشف لـ"موقع الحرة"، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن "مجموعة من ميليشيا كتائب حزب الله التابعة لهيئة الحشد الشعبي يستقلون مركبات صغيرة تحمل أسلحة خفيفة ومتوسطة دخلت إلى ساحة الخلاني في قوت متأخر من ليلة الجمعة".

"الأكثر شراسة"

وبعد تشكيلها، أصبحت فصائل الحشد الشعبي عنصرا ثابتا مع تزايد النفوذ الإيراني، وأحيانا تعمل بالاشتراك مع قوات الأمن العراقية لكنها تحتفظ بهياكل القيادة الخاصة بها.

ويقول هاشم "عندما تم تشكيل الحشد الشعبي كانت هناك توجسات مخيفة حول ظهور هذه القوة الأكثر شراسة، ويبدو أن التظاهرات السلمية سرّعت بأن تكشف لنا هذه القوة الخطيرة ألا وهي الفصائل الميليشيا المنفلتة التي استغلت اسم الحشد وسخرت إمكانات الدولة لصالحها من رواتب وسلاح ومال، لتنفيذ أجندات إيران مباشرة من الحرس الثوري".

ويتابع "هذه حقيقة بات يعرفها المجتمع العراقي بعد أن كشفت له وقائع التعاطي مع المتظاهرين من عمليات هجوم غادرة وحملات تصفية وخطف واعتقالات".

ويوضح أن "ميليشيا حزب الله العراقي الذي يتبع للولي الفقيه ويستلم أوامره من قاسم سليماني مباشرة، قام باعتقال أكثر من 2700 شخص بتهمة التحريض ضد النظام السياسي، وهم في الأصل متظاهرون سلميون".

ويتساءل هاشم "من خوّل ميليشيا حزب الله العراقي التابع لهيئة الحشد الشعبي بأن تقوم مقام الشرطة أو قوات مكافحة الشغب وتعتقل المتظاهرين السلميين".

ويضيف "إن كان هذا هو عدد المعتقلين المعلوم فقط من ميليشيا واحدة من الحشد الشعبي، فكيف بالميليشيات الأخرى مثل عصائب أهل الحق وجند الإمام وكتائب الخرساني سيئة السمعة والتي وزعت قناصة بالقرب من أماكن الاحتجاجات وكانت أول من بادرت بإطلاق النار على المتظاهرين في بداية أكتوبر الماضي".

وكان مسؤولان عراقيان قد أكدا لرويترز، في أكتوبر الماضي، أن فصائل مدعومة من إيران نشرت قناصة على أسطح البنايات في بغداد خلال أكثر الاحتجاجات المناهضة للحكومة دموية منذ سنوات.

وقال المصدران الأمنيان لرويترز إن قادة فصائل متحالفة مع إيران قرروا من تلقاء أنفسهم المساعدة في إخماد الاحتجاجات الشعبية على حكومة رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، الذي تحظى إدارته منذ تولت السلطة قبل عام واحد بدعم من جماعات مسلحة قوية مدعومة من إيران ومن فصائل سياسية.

وقال أحد المصدرين الأمنيين "لدينا أدلة مؤكدة بأن القناصين كانوا عناصر من المجاميع المسلحة والذين يتلقون الأوامر من قادتهم بدلا من القائد العام للقوات المسلحة".

وغير القناصة، كثيرا ما شوهد مسلّحون يرتدون ملابس مدنية يهاجمون المتظاهرين في محافظات مختلفة ويطلقون أعيرة نارية وقنابل الغاز المسيل للدموع.

"حملة اغتيالات"

وقتل أكثر من 450 شخصا في أنحاء العراق جراء قمع السلطات للمتظاهرين في إطار الاحتجاجات التي دفعت عبد المهدي إلى الاستقالة. واتسعت رقعة الاحتجاجات لتطال مدنا عشائرية وزراعية ونفطية في جنوب العراق، حيث ووجهت بقمع عنيف.

كما اتسعت وسائل إرهاب المتظاهرين في الأيام القلية الماضية، حيث ارتفعت وتيرة اغتيال واختفاء النشطاء.

وعثر الاثنين على جثة ناشطة شابة، تبلغ من العمر 19 عاما، قتلت بطريقة بشعة بعد خطفها وترك جثتها خارج منزل عائلتها.

وفي وقت متأخر من مساء الأحد، اغتيل الناشط المدني البارز فاهم الطائي (53 عاما) برصاص مجهولين في مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة، بينما كان في طريق العودة إلى منزله من التظاهرات المناهضة للحكومة.

والأحد أيضا، تعرض الناشط المدني المستقل إيهاب جواد الوزني لمحاولة اغتيال في محافظة كربلاء أيضا، بالتزامن مع محاولة مسلحين قتل الناشط المدني باسم الزبيدي في محافظة ميسان، حيث أصيب بطلق ناري.

كما تعرض الناشط الدكتور مهند الكعبي، أحد أعضاء تنسيقية كربلاء للحراك المدني المستقل، لمحاولة اغتيال بعبوة استهدفت سيارته أثناء وقوفها في منطقة سيف سعد، و"هو مصاب يرقد بالمستشفى"، بحسب بيان الحراك المدني في العراق الاثنين.

واختطف المصور الشاب زيد الخفاجي أمام منزله بعد عودته من ساحة التحرير فجرا، بحسب ما قال أقرباؤه، الذي أضافوا أن أربعة أشخاص وضعوه في سيارة سوداء رباعية الدفع تحت أنظار والدته، واقتادوه إلى جهة مجهولة.

وأشار البيان إلى أن "هذه الأحداث وغيرها وقعت بيوم واحد وتأتي من خلال سلسلة أحداث من بعد واقعة السنك تشير إلى أن الجهة التي قامت بتلك الحوادث جهة منظمة ولديها من المعلومات الاستخبارية بأماكن الناشطين وتواجدهم".

ويقول هاشم إنه ثبت أن الفصائل المسلحة التابعة للحشد الشعبي هي من تختطف النشطاء وتغتالهم، مشيرا إلى أن هناك فيديوهات توثق تعذيب بعض النشطاء المختطفين من خلال الطعن بالسكاكين حتى الموت.

"مسألة مصيرية"

وحول سبب إقدام ميليشيات الحشد الشعبي على عمليات قتل وخطف واغتيال المتظاهرين يقول هاشم "هم يعتبرون أن المظاهرات تقوض وجودهم، ولهذا هم مستقتلون على وأد التظاهرات".

يوضح "إذا نجحوا (المتظاهرون) في مسعاهم بتغيير النظام السياسي والأمني، فهذا سيجعل الميليشيات تخسر الكثير من نفوذها ووضعها" حيث أنها تحكم قبضتها حاليا على مقدرات العراق.

وأردف هاشم قائلا إن وأد المظاهرات بالنسبة لميليشيات الحشد أمر "مصيري"، ولذلك "يتعامون بقسوة، كما أنه إذا ما تفاقم الوضع سيؤثر على راعيهم الإيراني."

ودعت البعثات الدبلوماسية لعدد من الدول الغربية، الحكومة العراقية الى عدم السماح للجماعات المسلحة بـ"العمل خارج سيطرتها".

وبدون ذكر اسم فصيل محدد، قال سفراء كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، إنهم "يشجعون الحكومة على ضمان.. إبعاد الحشد الشعبي عن أماكن الاحتجاجات".

والاثنين، استبق زعيم ميليشيات عصائب أهل الحق التي تتبع الحشد الشعبي، قيس الخزعلي، مظاهرات الثلاثاء ووصفها بـ"التخريبية"، مما جعل النشطاء يعبرون عن تخوفاتهم من مذبحة جديدة أوسع من التي حدثت الجمعة الماضية، وإقدام ميليشيات الحشد الشعبي على الهجوم على ساحة التحرير في بغداد.

والخزعلي احد الشخصيات التي فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها بجانب ليث الخزعلي وحسين عزيز اللامي، وجميعهم قادة فصائل ضمن قوات الحشد الشعبي المقربة من إيران، لتورطهم في الحملة الأمنية ضد المتظاهرين خلال الاحتجاجات التي شهدها العراق.