هل تسعى الاحتجاجات العراقية إلى "إسقاط النظام"؟
تستمر الاحتجاجات في العراق بترديد مطالبها، التي تتلخص بتشريع قوانين جديدة للانتخابات وحل البرلمان والتمهيد لانتخابات مبكرة بإشراف أممي، فضلاً عن محاسبة قتلة المتظاهرين وإطلاق سراح المختطفين، فيما يرى ناشطون أن تنفيذ مطالبهم يعني تغيير بنية النظام القائم على الفساد والمحاصصة الحزبية والطائفية، وهذا ما يمنع السلطات من تنفيذها.
ومن خلال التعاطي العنيف من قبل النظام العراقي مع المحتجين، يتبين أن السلطة غير راغبة في تنفيذ مطالبهم، حيث ترى أن تنفيذ تلك المطالب قد يؤدي إلى انهيار النظام الحالي وتفتيته، بحسب مراقبين.
ويشير خبراء إلى أن السلطة باتت تدرك أن الاحتجاجات تسير باتجاه إسقاط المنظومة السياسية، مؤكدين أنه بات المطلب الرئيس والوحيد للاحتجاجات.
ويرفع عدد من المتظاهرين شعارات تطالب بـ"إسقاط النظام" وشعارات تطالب الأحزاب المتنفذة بمغادرة العمل السياسي، حيث لا يحمّل المحتجون أطرافاً دون أخرى مسؤولية الفساد والقتل، بل إنهم ينظرون إلى كل الحركات والأحزاب السياسية المشكلة للنظام الحالي على أنها مسؤولة عما حدث ويحدث.
إسقاط نظام المحاصصة
ويرى الناشط مهتدى أبو الجود أن "تنفيذ مطالب المحتجين بأكملها هو بحد ذاته تغيير لشكل النظام الحالي والسياقات السياسية التي قام عليها النظام منذ 2003".
ويضيف لـ"اندبندنت عربية" أن "تغيير النظام وإسقاطه لا يعني تحويله إلى نظام رئاسي أو شبه رئاسي، بل يعني إسقاط نظام المحاصصة والفساد القائم منذ 16 عاماً".
ويلفت إلى أن "السلطة تعي جيداً أن تنفيذ المطالب كلها هو تهديم لأدواتها السياسية داخل المنظومة الحكومية، لذلك تعمل على عدم إفساح المجال لتنفيذ المطالب الجذرية، مثل تغيير قانون الانتخابات أو قانون المفوضية أو العمل على قانون الأحزاب"، مؤكداً أن "الشباب في الساحات مصرون على تحقيق مطالبهم الكاملة مهما كلفهم الأمر".
لا مطلب سوى "إسقاط النظام"
ويؤكد مراقبون أن كل مطالب المحتجين تتجه باتجاه إسقاط النظام السياسي القائم، مشيرين إلى أن تنفيذ مطالب المحتجين بشكل حقيقي سيؤدي بالنتيجة إلى إسقاط القوى المتنفذة ويضمن عدم وصولها إلى السلطة مرة أخرى.
في المقابل، قال الكاتب والصحافي حيدر البدري، إنه "لا يمكن الفصل بين مطالب المحتجين وإسقاط النظام، بعدما بات المطلب الرئيس والوحيد".
وأضاف "حتى المطالب التي وضعها المحتجون، من قوانين انتخابية عادلة ومفوضية غير متحزبة وقانون أحزاب حقيقي وفاعل، هي نوع آخر من أنواع التأكيد على مطلب إسقاط النظام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح البدري أن "الاحتجاجات لن تتوقف إلا بضمانات حقيقية تضمن تأسيس خريطة طريق تمنع وصول القوى المتنفذة حالياً إلى السلطة مرة أخرى".
وبين أن "السلطات تتعامل بعنف مفرط، منذ بداية الموجة الأولى للاحتجاجات مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث سقط نحو 500 شهيد وأكثر من 20 ألف جريج، وهذا يعني أننا أمام إبادة جماعية وحرب حقيقية من السلطة وأذرعها"، مؤكداً أن "السلوكيات القمعية للحكومة وأتباعها من الميليشيات، تمثل دلالة يأس وتُعجل في سقوط النظام".
وختم بالقول إن "نهاية الحراك الحتمية هي إسقاط النظام الفاقد للشرعية في الداخل العراقي، وحتى في الخارج، حيث إن بعض الدول الداعمة له باتت تتحدث عن الخروقات فيما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان وبدأت تتنصل منه".
إسقاط "مستحيل"
من جهته، قال الناشط والصحافي محمد المحمودي، إن "المحتجين وضعوا قائمة مطالب واضحة وغير قابلة للتسويف والتأويل، وهي محاسبة مصدري أوامر إطلاق النار والإفراج عن المعتقلين، وتشريع القوانين الثلاثة وتحديد موعد الانتخابات المبكرة".
وأوضح أن "المحتجين يدركون أن الإسقاط الكامل للنظام مستحيل وفقاً لإمكانيات الأحزاب الحالية من المال والسلاح والنفوذ، لذلك نعتقد أن هذه الخطوات قد تحجمها وتؤدي إلى تحييدها بشكل أو بآخر".
ميليشيات منفلتة
ويرى خبراء أن السلطة باتت تدرك أن الاحتجاجات تسير باتجاه إسقاطها، وقد يعلن المحتجون مطالبهم بالإسقاط بشكل واضح في تظاهرة يوم 10 ديسمبر (كانون الأول).
ويقول المحلل السياسي سرمد البياتي إنه "من غير المرجح أن تتساهل السلطة مع الاحتجاجات وتنفذ مطالبها بسهولة".
ويشير إلى أن "السلطة لن تقوم بإجراءات قمع مباشرة من قبلها، لكن ربما تظهر تصعيدات من ميليشيات منفلتة لإخافة المواطنين".
وعن التحشيد لتظاهرات يوم 10 ديسمبر، يقول البياتي إن "التصعيد من قبل المحتجين وارد جداً، وقد تتصاعد الأصوات المطالبة بإسقاط المنظومة السياسية بشكل واضح، ويوم غد سيكون يوماً صعباً على السلطة بعد الإعلان عن التظاهرة الكبرى".