45 مليار دولار سنويا لأحزاب السلطة... شرطاً لاختيار رئيس لوزراء العراق
تخشى أحزاب عراقية من أن تؤدي التوافقات السياسية إلى تكليف شخصية بتشكيل الحكومة الجديدة، لا تراعي اتفاقاً سابقاً يوفر أرباحاً سنوية بمليارات الدولارات للأطراف الحاكمة في بغداد.
عندما كان الحاكم المدني بول بريمر يدير شؤون العراق العام 2004، بعد إعلانه بلداً محتلاً من قبل الولايات المتحدة إثر إسقاط حكم صدام حسين، اقترح المصرف المركزي العراقي خطةً للسيطرة على سعر صرف الدولار الأميركي في السوق المحلية، إذ كان يشهد اضطراباً كبيراً آنذاك نظراً إلى عدم وضوح الرؤيا الاقتصادية.
نافذة العملة
بالتنسيق مع بريمر، الذي كان يحتكر السلطات التنفيذية والتشريعية، وفقاً لقانون إدارة الدولة الذي كتبته سلطات الاحتلال آنذاك، فتح البنك المركزي نافذةً لبيع الدولار الأميركي إلى الراغبين من التجار والشركات والمصارف، لكبح جماح تراجع قيمة الدينار العراقي، ولكن الشراء من النافذة كان مقيداً بشروط، أبرزها أن تذهب الأموال حصراً لتغطية عمليات استيراد البضائع من الخارج.
سرعان ما أتت هذه السياسة مفعولها، إذ تحسن سعر صرف الدينار العراقي في مواجهة الدولار الأميركي، ليدخل مرحلة طويلة من الاستقرار، فتحت مجالاً أمام استكشاف السوق من قبل الشركات والمستثمرين في الداخل والخارج.
مع مرور الوقت وزيادة القيود المفروضة على شراء الدولار، نشأ ما يُعرف بالسعر الموازي للعملة الأميركية في السوق المحلية، بعيداً عن المصرف المركزي العراقي، وهو سعر يفوق قليلاً السعر الذي حدده المركزي للدولار. ولكن أسواق العملة، لا تحتاج إلى هوامش كبيرة لمضاعفة الأرباح، وهو ما حدث فعلاً، إذ تحوّل الفارق البسيط بين سعر الدولار في البنك وسعره في السوق إلى بوابة لتحقيق أرباح طائلة.
وفي بعض الأحيان، كان مجموع الفرق بين السعرين، ينتج أرباحاً تصل إلى مليون دولار للمصرف المساهم في النافذة.
في هذه اللحظة وتحديداً عام 2013، كان ما يُعرف بمزاد العملة هدفاً ضخماً تريد الأحزاب الكبيرة الوصول إليه، لأنه يوفر لها مصدر دخل ثابت ومريح، ويضمن لها الاستمرارية السياسية التي تتطلب أموالاً طائلة في بلد مثل العراق.
حصر الأرباح
في تلك اللحظة، أُعيد جمع شروط الأطراف التي يُسمح لها بشراء الدولار من نافذة البنك المركزي، حيث اقتصر الأمر على مصارف موزعة في ملكيتها على الأحزاب الكبيرة، كل بحسب حجمه السياسي.
ولما كانت الأموال المباعة في هذه النافذة، موجهة خصيصاً لتغطية اعتمادات استيراد بضائع من الخارج، الأمر الذي يستلزم تقديم وثائق تؤكد استيراد البضائع وإدخالها إلى العراق، بات تقديم وصولات التسليم والسداد المزورة أمراً عادياً. وشاع تزوير مستندات التوريد على نطاق واسع، واتُهم المصرف المركزي بتسهيل مهمة الأحزاب في تحقيق إيرادات سريعة، لكنه دافع عن نفسه بأن الوثائق التي تصله قانونية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واردات وهمية
على سبيل المثال، تقول الوثائق التي تسلمها البنك، إن بعض التجار أدخل كميات من مادة السكر إلى العراق، تكفي السكان المحليين 100 عام، لكن الحقيقة أن أياً من هذه الكميات لم يصل، وكل ما وصل هو وصل توريد مزوّر، بالتواطؤ مع موظفين فاسدين في دائرة الجمارك والبنك المركزي.
كما تظهر وثائق استيراد بالونات الزينة بكميات تفوق تعداد سكان العراق ثلاث مرات، فضلاً عن توريد ملايين الدراجات الهوائية وغيرها من القصص الوهمية، تضمنتها الوثائق المزورة، التي تستهدف توفير غطاء قانوني لنقل الأموال العراقية إلى خارج البلاد. عملياً، لم يكن بمقدور أحد، التثبت من وجود هذه البضائع داخل العراق، ما دامت أختام دائرة الجمارك تؤكد عبورها الحدود.
غسيل أموال
ويقول مطلعون على خفايا سوق العملة في العراق، إن الأموال التي تحصل عليها الأحزاب من المصرف المركزي، تنقل في الغالب إلى حسابات خارج البلاد، فيما تشير تقديرات غير رسمية إلى أن مزاد العملة وفّر للأحزاب السياسية في بعض الأعوام نحو 45 مليار دولار.
ويعمل لمصلحة الأحزاب الكبيرة في العراق، وسطاء في دول مجاورة، اكتسبوا خبرة كبيرة في عمليات غسيل الأموال، ما يجعل ملاحقتهم عملية صعبة، لكنها ليست مستحيلة، في حال كان رئيس الوزراء العتيد متعاوناً.
وتقول مصادر سياسية إن الحفاظ على سوق العملة وعدد المصارف المشاركة فيه وآلية البيع والشراء وحركة المال، هو الشرط الوحيد الآن الذي على رئيس الوزراء العراقي المقبل أن يلتزم به، وإلا قد لا ينجح في تشكيل الحكومة.