"نيوزويك" تكشف خللا تنظيميا في القوات الخاصة للبحرية الأميركية
كشفت مجلة "نيوزويك" الأميركية، في تقرير حصري، عن خلل تنظيمي كبير داخل وحدات قوات النخبة الخاصة، التابعة للبحرية الأميركية، والمعروفة اختصاراً باسم "سيلز"، حيث أوضح تحقيق مدعوم بوثائق ومقابلات أجراه جيمس لابورتا، أن كل من قيادات وعناصر الوحدة 7 من هذه القوات، التي طُرد جميع أفرادها من العراق بعد ادعاءات بأنهم استهلكوا كحوليات غير مرخصة واتهموا باعتداءات جنسية، وقيادات وعناصر الوحدة 10 التي تبين في اختبار جرى في الولايات المتحدة أنهم تعاطوا كوكايين، كانوا قد حصلوا على تقديرات ممتازة في التقارير الداخلية التي تجرى دورياً في البحرية الأميركية، ما كشف عن تناقض واضح ينذر بخطر داهم ما لم تتداركه البحرية الأميركية.
ومن المفارقات التي كشف عنها تحقيق "نيوزويك" أن الضابط إدوارد غلاغر، الذي احتفى به الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعدما رفض طرده من البحرية إثر محاكمته بتهم ارتكاب جرائم حرب في العراق، ينتمي إلى الوحدة 7 نفسها!
هل علمت قيادة البحرية بالخلل؟
المجلة الأميركية طرحت تساؤلات عما إذا كانت قيادات البحرية الأميركية على علم بهذه المخالفات في صفوف وحدات نخبوية تقاتل في البر والبحر والجو، وتتلقى تدريبات خاصة، بعدما تبين وفقاً لاستطلاعات أجريت قبل عدة أشهر وحصلت المجلة عليها، أن هناك انفصالاً مذهلاً بين ما أشارت إليه عناصر القوات الخاصة للبحرية الأميركية وما يبدو أنه حقيقة.
ونقلت المجلة عن الأدميرال كولين غرين في البحرية الأميركية، أنه وجه خطاباً إلى قواته في نهاية يوليو (تموز) الماضي، قال فيه إنه لا يعلم ما إذا كانت لدى البحرية مشكلة ثقافية، مشيراً إلى أن الاستطلاعات المسحية للقيادة التي تستخدم عسكرياً للحكم في القضايا التنظيمية كان يجب أن تقدم حلاً، لكنها فشلت في ذلك.
آلية العمل الوقائي
وتستخدم البحرية الأميركية ما يُسمى باستطلاعات بيئة العمل مع القيادة، والتي يقدم من خلالها أعضاء الخدمة (عناصر الوحدات)، رؤيتهم حول الثقافة والقيادة بشكل سري ومن دون الكشف عن هويتهم، ومن ثم تُستخدم هذه الرؤى في استنباط واستكشاف ما يجري بالفعل داخل أي وحدة عسكرية، وعندما تمتلئ هذه الاستطلاعات بكثير من الأضواء الحمراء، فهذا يعني أن هناك مشكلات داخل الوحدات، لكن عندما يكون هناك خط طويل من العلامات الخضراء، فهذا لا يعني بالضرورة أن كل شيء على ما يرام، ولكن قد يعني أيضاً أن الأمور تنذر بالسوء.
وتتطلب الدراسات الاستقصائية لبيئة عمل القيادة والتي يجريها معهد "تكافؤ الفرص" التابع لوزارة الدفاع (البنتاغون) إجراء مقارنة استطلاعية سنوياً أو خلال 90 يوماً من تولي قائد جديد المسؤولية وفقاً لسياسات البنتاغون، بحيث يغطي المسح الاستقصائي مجالات عدة، منها مستوى الرضا الوظيفي والأداء التنظيمي والثقة في القيادة، كما يتضمن أسئلة عن سوء السلوك الجنسي والعنصرية والتفكير في الانتحار.
وفي حين أن الدراسات الاستقصائية طوعية، إلا أن القادة يشجعون أفراد فريقهم على الإجابة بصراحة عن الأسئلة، خصوصاً أن المشاركين يحافظون على سريتهم ويظلون مجهولين خشية تعرضهم للانتقام لاحقاً.
كيف افتُضح الخلل؟
وتكشفت المشكلة بعد طرد الوحدة 7 من العراق، عقب الادعاءات التي وجهت إلى أفرادها وقيادتها باستهلاك كحوليات غير مرخصة والقيام باعتداءات جنسية، وقد وجدت "نيوزويك" بعد مراجعة الاستطلاعات الأخيرة للوحدة أن 109 رجال وامرأة واحدة شملهم الاستطلاع داخل الوحدة في فبراير (شباط) 2019، حصلوا في كل عملية تنظيمية وفي كل تصنيف ثقافي على درجة ممتاز أو مناسب بنسبة زادت في كثير منها عن 90%، باستثناء الفقرة الخاصة بكيفية مكافحة الاعتداءات الجنسية، التي حصلوا فيها على نسب تتراوح بين 45 إلى 64%.
وكان من المدهش أن تتفوق درجات تصنيف هذه الوحدة من القوات الخاصة النخبوية على جميع الوحدات الأخرى في البحرية الأميركية ككل.
ولم يقتصر الأمر على هذا الاستطلاع، فقبل ثمانية أشهر من اعتقال الضابط غلاغر، أحد أعضاء الوحدة 7 في قاعدة "بندلتون" في كاليفورنيا، والذي وجهت إليه تهم ارتكاب جرائم حرب والقتل العمد ومحاولة القتل، أظهر استطلاع سابق للوحدة في يناير (كانون الثاني) نتائج إيجابية مماثلة لاستطلاع 2019.
كوكايين الوحدة 10
وتجلت المشكلة بوضوح في أبريل (نيسان) 2018، حيث أجري اختبار على الوحدة رقم 10 من الوحدات الخاصة "سيلز"، قبل شهرين من خروجها من "ليتل روك" في ولاية فيرجينيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشف الاختبار الخاص بالكشف عن المواد المخدرة والممنوعة، أن أفراد الوحدة يتعاطون الكوكايين ومواد أخرى ممنوعة، على الرغم من أن هذه الوحدة أيضاً حصلت في استطلاع المسح على تقدير ممتاز في درجات التصنيف، ما يعني أن هذه الاستطلاعات كانت عديمة الفائدة ولم تكشف عن أوجه الخلل في الوحدة كما كان مفترضاً.
وحصلت "نيوزويك" أيضاً على استطلاعات اختبار بيئة القيادة لوحدات القوات الخاصة للبحرية رقم 1و2 و3 و4 و5 و8 و10، فضلاً عن استطلاعات أخرى لتقييم القيادة العليا ومجموعات الدعم، حيث أظهرت نتائج الاستطلاعات أن هناك ميلاً مماثلاً إلى درجات عالية التقدير تشابه الذي حصلت عليه الوحدة 7 في استطلاعات بيئة القيادة.
أسباب المشكلة
ويقول قائد سابق لإحدى وحدات "سيلز" النخبوية لمجلة "نيوزويك" إنه "إذا كنت قائداً لوحدة من وحدات سيلز، فليست لديك مشكلات تنظيمية أو ثقافية، ذلك أن الوحدة وبكل صراحة لا ترغب في جذب انتباه القيادات العليا، لذلك يقولون في الاستطلاع أن كل الأمور ممتازة".
كما عرضت "نيوزويك" نتائج الاستطلاعات التي حصلت عليها من امرأتين شاركتا في السابق في القوات الخاصة، حيث سُئلت إحداهما عما إذا كانت وحدات "سيلز" تأخذ الاستطلاعات على محمل الجد، فقالت إن أعضاء الوحدات غالباً ما يكونوا غارقين في متطلباتهم التدريبية، وفي معظم الأحيان لا يجيبون عن الاستطلاعات بأمانة.
ردود البحرية الأميركية
المتحدث باسم القوات الخاصة في البحرية الأميركية الملازم ماثيو ستروب، اعتبر في رده على مجلة "نيوزويك" أن دراسات بيئة العمل الخاصة بالقيادة هي إحدى الأدوات الموجودة تحت تصرف القائد للتقييم، على الرغم من أنها ليست الأداة الوحيدة لذلك، مؤكداً أن نتائج الاستطلاعات كانت إيجابية كلياً وأن الردود والإجابات تكون ممتازة أو مؤاتية، لكنه أشار إلى أن "البحرية تقدر ردود الفعل في المجالات التي نحتاج إلى تحسينها لدفع عملياتنا وثقافتنا باتجاه أداء أفضل".
وأضاف الملازم ستروب أن وحدات قوات البحرية الخاصة تلتزم بمعالجة قضايا النظام والانضباط بشكل جيد في جميع مراحل التكوين لضمان الالتزام بمعايير التميز العالية، مؤكداً أن البحرية الأميركية واثقة من معالجة القضايا العالقة للتخفيف من أي مخاوف أو مشاعر قلق، وأشار إلى أن البحرية تسعى إلى ضمان استمرار القوة التي تتمتع بها القوات الخاصة والتي تتوقعها الأمة الأميركية.