مقتل سليماني يثير مخاوف في تونس
استفاق العالم فجر اليوم (3 يناير/ كانون الثاني 2020)، على ضربة عسكرية أميركية قلبت الموازين في العراق، بعد استهداف قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني وعدد من كبار قيادات الحشد الشعبي، في تصعيد كبير بدأت به القوات الأميركية في العراق السنة الجديدة، وهو ما يقرأ أيضاً كبداية للحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترمب في سنة ستشهد نهايتها انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة.
ترمب والصيد الثمين
خلقت العملية الأميركية حالة من القلق والتوتر في العالم، والحديث الإيراني بأن الرد سيكون قاسياً أثار حالة من الخوف باحتمال أن تتجاوز ردود الفعل عن العملية العراق وإيران وتتوسع لتصل إلى مناطق مختلفة من العالم.
ارتدادات غير مؤثرة
من جهته، يعتبر الإعلامي محمد بوعود في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن المسألة لن يكون لها تأثير مباشر وفوري في تونس إلا ضمن الحسابات الأمنية، بما يتعلق بأمن السفارات أو غيرها، فالتأثير الأميركي والإيراني على حد سواء غير ظاهر للعيان في المنطقة المغاربية التي تتقاسمها نوازع هيمنة إقليمية جديدة تحاول التوغل في مناطق نفوذ فرنسية تقليدية، ومعركة كسر العظم التي انطلقت فجر اليوم في بغداد ستكون ارتداداتها مباشرة في العراق ومنطقة الخليج العربي بدرجة أولى، وإسرائيل بدرجة ثانية، في حين تبقى المنطقة المغاربية حديقة خلفية قد تتحرك فيها إذا تصاعدت الأحداث لحرب شاملة في المنطقة.
مخاوف ذكريات غزو الكويت
مع عدم وجود مؤشرات كبيرة عن تهديدات أمنية أو عسكرية في تونس كارتداد للعملية الأميركية في مطار بغداد فجر اليوم، فإن المخاوف من تكرار نتائج الأوضاع التي شهدتها منطقة الخليج العربي بعد الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس (آب) 1990، والذي اعتبره السياسي التونسي محمد العربي حمه، بوابة قد تقود إلى تكرار النتائج السلبية التي تحملتها تونس في تلك الحقبة على المستوى الاقتصادي جراء الغزو ومن ثم حرب الخليج الثانية.
ويضيف حمه أن التونسيين يذكرون ما تحمله اقتصادهم من تبعات سلبية جراء تلك الحقبة، و"المخاوف اليوم كبيرة في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة جداً التي تعيشها البلاد، خصوصاً مع مخاوف ارتفاع كبير وغير مسبوق في أسعار النفط وتراجع للسياحة مما يضع الوضع في تونس في مهب الريح".
ويعتبر أنه على الرغم مما جرى، فمن المهم البحث عن آليات تمنع تدهور الأوضاع ودخول العراق ومنطقة الخليج في حرب شاملة تكون نتائجها سيئة على العالم أجمع، معتبراً أن على إيران عدم التصعيد وخفض تدخلها في شؤون دول المنطقة التي انعكست سلباً على الجميع.
ضربة موجعة للتمدد الإيراني
في تقييمه للعملية العسكرية الأميركية، يرى الكاتب السياسي منذر بالضيافي، أن ما حصل ضربة استراتيجية موجعة للتمدد الإيراني في المنطقة من شأنها إضعاف الحضور الإيراني والذي مثّل عامل توتر كبيراً في استقرار دول عربية مثل العراق ولبنان واليمن واستفاد من غياب استراتيجية أو خطة عربية واضحة لمواجهته.
وهذا التمدد بحسب بالضيافي لم يقتصر على مناطق النفوذ التقليدية لإيران بل بدأ بالتوسع لمناطق شمال أفريقيا وهناك تخوفات جدية من النخب السياسية في تونس ودول شمال أفريقيا، ولعل تعيين السفير الإيراني الجديد في تونس محمد رضا رؤوف شيباني، خلّف العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام من حيث سيرته الذاتية وأين عمل وموقعه في النظام الإيراني والذي فهم بكونه مكلفاً بمهمة في المنطقة.
يذكر أن شيباني شغل قبل مهامه الجديدة في تونس، رئيساً لمكتب حماية المصالح الإيرانية في مصر، وأيضاً سفيراً لإيران في لبنان خلال حرب الـ33 يوماً مع إسرائيل، كما عمل مساعداً لوزير الخارجية في شؤون الشرق أوسطية، وسفير إيران لدى سوريا.
وينبه بالضيافي أن إيران استفادت من التفكك والمشاكل التي شهدتها تونس والمنطقة المغاربية بعد "ثورات الربيع العربي" ووجدت فيها أرضاً رخوة لتوسيع وجودها في المنطقة، وهذا التمدد يلاقي صدى كبيراً في المجتمع ولدى النخب الفكرية والسياسية، لكنه لا ينفي احتمال حصول توافقات بين الإيرانيين والحكام الجدد في تونس.
وما حصل اليوم بحسب بالضيافي يندرج في تقليم أظافر الإيرانيين، بالتالي "لا أتوقع أن تكون ردود فعل الإيرانيين عسكرية أو تصعيد في منطقة الخليج العربي، وأن إيران ستجنح للتفاوض وما تصريح ترمب الأخير بأن إيران لا تنجح في الحروب ولكن تنجح في التفاوض إلا رسالة مضمونة الوصول للإدارة الإيرانية".
تونس والحياد السلبي
في المقابل، اعتبرت منية العرفاوي رئيس تحرير جريدة الصباح التونسية، أن التوتّر بين أميركا وإيران بلغ ذروته بعد أن تمت تصفية سليماني أحد أبرز القيادات الميدانية للحرس الثوري، وهذا التطوّر اللافت في العلاقة الأميركية – الإيرانية من سياسة الوعيد والتهديد إلى واقع تسديد الضربات في الخاصرة من دون مواجهة مباشرة، سيجرّ منطقة الشرق الأوسط إلى مزيد من التطاحن والدمار، وكذلك سيغذّي سياسة الاستقطاب، بما سينعكس على بقية الدول سواء في الشرق الأوسط، أو حتى في شمال أفريقيا مع وجود طبول حرب إقليمية تُقرع في ليبيا، وهذا الاستقطاب سيفرض خيارات مريرة على الدول الضعيفة ومنها تونس والتي قد تجد نفسها مجبرة على تحديد موقعها والخروج من "حيادها" السلبي.
وفي انتظار الموقف الرسمي للحكومة التونسية، ومواقف الأحزاب السياسية مما جرى اليوم، تبقى تونس تراقب بحذر تطورات الأوضاع في العراق وإيران.