الرد الإيراني المتوقع ضد الولايات المتحدة... ينهي احتمالات الحرب
على الرغم من الانزعاج الأولي الذي سببته ضربات الصواريخ الباليستية الإيرانية على قاعدتي الأسد وأربيل العراقيتين، حيث توجد بعض القوات الأميركية، إلا أن فشل الصواريخ الـ15 في إصابة أهدافها وعدم تسببها في إحداث أضرار أو خسائر مهمة، أكد التوقعات السابقة بأن اختيارات إيران سوف تخضع لحسابات دقيقة تضمن للنظام الإيراني الاستمرار، وتُبعد شبح الحرب مع الولايات المتحدة، وتُلبي في الوقت ذاته الرغبة الداخلية في الانتقام لمقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس، الذي استهدفته طائرة أميركية الجمعة الماضي، ما سبب حرجاً واسعاً للقيادة في طهران بين صفوف الإيرانيين ومع حلفائها في المنطقة.
لا مفاجآت
وبالنسبة إلى العديد من كبار القادة العسكريين الأميركيين الحاليين والسابقين، لم تمثل الضربات الصاروخية الإيرانية التي أطلقها "الحرس الثوري الإيراني" على قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار غرب العراق، أو قاعدة إربيل العسكرية في كردستان العراق، مفاجأة لأحد، إذ يقول الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأميركية السابق لموقع "ديفنس" الدفاعي الأميركي، إن "إيران كانت لديها خيارات عدة، ولكن هذا الاختيار الذي نفذته في النهاية يرجع إلى كونه هجوماً مباشراً يصلح للاستهلاك المحلي قبل الدولي، بصرف النظر عن مدى الأضرار التي لم يسببها".
وأوضح خبراء أميركيون أن إعلان التلفزيون الرسمي الإيراني عن سقوط 80 قتيلاً من الجنود الأميركيين جراء الهجمات، على الرغم من تأكيد وزارة الدفاع الأميركية عدم وجود إصابات أو قتلى بين القوات الأميركية، يكشف إلى أي مدى اضطر النظام الإيراني للرد الشكلي، كي يضلل الإيرانيين بعد ذلك ويرفع عن نفسه حرج عدم الرد بأي ثمن.
للاستهلاك المحلي
وبدا من صيغة البيان الصادر عن "الحرس الثوري الإيراني"، أنه يستهدف مخاطبة الداخل الإيراني الغاضب الذي وعده النظام بالانتقام لمقتل سليماني، إذ استخدم البيان تهديداً ووعيداً للإدارة الأميركية، بأن أية اعتداءات جديدة ستؤدي إلى رد أكثر إيلاماً، على اعتبار أن الضربات الإيرانية أوقعت ضحايا وخسائر بين الأميركيين، بحسب الادعاء الإيراني.
ويقول مايك مالروي، نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط، إن "بيان الحرس الثوري الإيراني يعد محاولة لإنهاء الصراع بهذه الهجمات، لأن البيت الأبيض لن ينتقم طالما أنها لم توقع خسائر أميركية بشرية أو مادية مهمة".
نجاح تهديدات ترمب
واعتبر مايكل شيرتوف وزير الأمن الوطني في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، أن الإيرانيين يريدون التوقف عند هذه النقطة ولا يرغبون قطعاً في التصعيد طالما أن الولايات المتحدة لن ترد بسبب عدم سقوط ضحايا أو مصابين أميركيين، وهو الخط الأحمر الذي حدده الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل أيام، مهدداً الإيرانيين باستهداف 52 هدفاً، هو عدد الرهائن الأميركيين الذين احتجزهم الإيرانيون في سفارة الولايات المتحدة في طهران عام 1979 لمدة 444 يوماً.
ويشير مارك غونزينغر نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق، إلى أن إيران أدركت أنها إذا شنت ضربات مؤثرة ضد أميركا، فإنها لن تكسب سوى القليل وسوف تخسر الكثير في أية مواجهة مباشرة مع القوات الأميركية، بحيث ستكون خسارتهم العسكرية فادحة، فضلاً عن خسارتهم أي إمكان محتمل مستقبلاً لخفض أو إلغاء العقوبات الأميركية الاقتصادية ضدهم، سواء كان ذلك مع هذه الإدارة أو مع أي إدارة أميركية بعد ترمب، ولهذا اختارت إيران مصالحها الإقليمية على المدى البعيد.
ويضيف غونزينغر أن "قتل سليماني والرد الإيراني يشير إلى أن عصر التسامح الأميركي مع رعاية إيران للإرهاب ضد أهداف أميركية قد انتهى بشكل كامل".
استبعاد الرد الأميركي
وفي الوقت الذي اعتبر الرئيس الأميركي عقب اجتماع مع عدد من وزرائه في البيت الأبيض، أن كل الأمور على مايرام، استبعد محللون عسكريون وخبراء سياسيون أي رد أميركي، وقال الكولونيل المتقاعد ستيفن غلنارد إن "أميركا لن ترد طالما أن الهجمات الإيرانية لم تؤد إلى خسائر ولم تسقط الصواريخ على مناطق تضم قوات أميركية في قاعدة الأسد الضخمة".
واعتبر محللون أن النظام الإيراني يعرف أن غالبية الأميركيين لا يرغبون في حرب جديدة، كما يعلم أنه سيكون في خطر داهم إذا تسبب في إلحاق الأذى بالأميركيين، وفي المقابل فإن ترمب لا يرغب في اشتعال حرب جديدة في الشرق الأوسط، ولهذا فلن تكون هناك حاجة ملحة لأي رد أميركي.
سبب اختيار الصواريخ الباليستية
ورجحت وسائل إعلام أميركية متخصصة في شؤون الدفاع أن تكون إيران اختارت أن يكون هجومها بالصواريخ الباليستية لأنها لا تملك سلاحاً جوياً أو بحرياً قوياً يمكن أن يجابه قوة السلاح البحري والجوي الأميركي في المنطقة، لكن الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز الموجهة هو سلاحها المفضل الذي اختبرته من قبل أكثر من مرة ضد "داعش" وضد الأكراد كما في اليمن، فقد استخدم النظام الإيراني الصواريخ الباليستية ضد "داعش" في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 وضد الأكراد في سبتمبر (أيلول) 2018، كما أرسلت طهران صواريخ باليستية إلى العراق في أغسطس (آب) 2018 ومرة أخرى في ديسمبر (كانون الأول) 2019.
كما أن برنامج الصواريخ الإيراني يعد واحداً من أبرز البرامج الدفاعية الإيرانية بالتوازي مع برنامج الطائرات المسيرة. وقد سلمت إيران ميليشيا "حزب الله" اللبناني صواريخ موجهة ذات دقة عالية يمكن أن تستخدمها ضد إسرائيل، ولهذا هددت إيران باستهداف مدينة حيفا في إسرائيل ومدينة دبي إذا ردت الولايات المتحدة على هجماتها الصاروخية.
ويقول شيرتوف إن اختيار طهران الصواريخ الباليستية هو إشارة رمزية إلى جدية الغضب الإيراني، وإنه في حال وقوع هجوم أميركي على إيران فإن دائرة الحرب ستتسع لتشمل بلداناً أخرى، ما يجعل إدارة ترمب تفكر مرتين قبل اختيار رفع مستوى التصعيد مع إيران.
لماذا قاعدتا الأسد وأربيل؟
ويعتبر الجنرال الأميركي المتقاعد مارك هيتلنغ أن إيران اختارت استهداف قاعدتي عين الأسد في محافظة الأنبار وقاعدة أربيل العسكرية، لأنها ترغب في إيصال رسالة إلى الأكراد في أربيل وإلى الحكومة العراقية في بغداد، مفادها أنه إذا استمرت القوات الأميركية في أراضيهم فسوف تكون معرضة للهجوم إذا اندلع صراع مسلح بين إيران والولايات المتحدة مستقبلاً، بالنظر إلى أن هدف إيران الأساسي هو إخراج القوات الأميركية من العراق.
وتمثل قاعدة عين الأسد أهمية أكبر للأميركيين، إذ تضم العدد الأكبر من القوات الأميركية في العراق ويصل عددهم إلى 5200 جندي. وتُعد القاعدة مركزاً لانطلاق الطائرات الأميركية في عملياتها ضد "داعش" في سوريا، كما أن لها أهمية رمزية أخرى باعتبار أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب زارها في ديسمبر 2018 للاحتفال مع الجنود الأميركيين بعيد الميلاد، كما زارها نائب الرئيس الأميركي مايك بنس في ديسمبر 2019 أي قبل أسابيع قليلة للغرض نفسه.
وكانت قاعدة عين الأسد قد شُيدت عام 1980 وظلت تحمل اسم القادسية حتى عام 2003 حينما سقط نظام حكم صدام حسين واستخدمتها القوات الأميركية منذ ذلك الحين وتعد ثاني أكبر قاعدة جوية في العراق.