اخبار العراق الان

هل ستتضح سياسات واشنطن وطهران في العراق عام 2020

هل ستتضح سياسات واشنطن وطهران في العراق عام 2020
هل ستتضح سياسات واشنطن وطهران في العراق عام 2020

2020-01-16 00:00:00 - المصدر: كلكامش برس


كلكامش برس/ بغداد

نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى، اليوم الخميس، تقريرا عن السياسات والاستراتيجيات التي اتبعتها واشنطن وطهران في العراق منذ 2003 حتى الان، وأثرها المباشر وغير المباشر على الواقع السياسي العراقي.

قال رئيس وزراء المملكة المتحدة السابق، هارولد ويلسون ذات مرة "الأسبوع هو فترة طويلة في السياسة". وبالنسبة للسياسة في العراق، إن أسبوعًا هو فترة طويلة جدًا بالفعل. وإذا ما أردنا الاستناد إلى الأسابيع القليلة الماضية، يجب أن نستعد للكثير من الأسابيع والأشهر المشحونة على نحو أكبر في الأيام المقبلة. فمحركات الأزمة لا تزال قائمة وفاعلة وسط غياب شبه تام لأي مؤشرات على التهدئة.

وفي حين تُعتبر أحدث أزمة بين إيران والولايات المتحدة في العراق من دون شك بمثابة تصعيد، إلا أنها ليست حادثة معزولة. فهي تمثل نقطة تحوّل في النزاع الشامل بين الدولتين وتعكس تطوّر الديناميكيات السياسية والأمنية في المنطقة. كما تشكّل تغيرًا ملحوظًا في التفكير السياسي في واشنطن وطهران وبغداد، وتبيّن في الوقت نفسه فشلًا جماعيًا على صعيد السياسة. 

منذ العام 2003، وحدها إدارة جورج بوش انتهجت وطبقت سياسة واضحة تركّز على العراق. وبعدما حصدت تريليون دولار ومئات الأرواح من الأمريكيين لاحقًا، تخلّت إدارة أوباما عن هذه السياسات وسحبت القوات الأمريكية من العراق في 2011، لتتجاهل أمر العراق بالكامل لاحقًا. وحين عادت الولايات المتحدة إلى العراق في العام 2014، استند وجودها على سياسة ركّزت إلى حدّ كبير على محاربة تنظيم "داعش" وليس على العراق نفسه. في الموازاة، تطوّرت سياسة الولايات المتحدة إزاء العراق بالفعل؛ أبرمت إدارة أوباما اتفاقًا نوويًا تاريخيًا مع إيران (وهو ما يُعرف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة") حظي بكامل دعم وموافقة قوى عالمية رئيسية أخرى. واستند الاتفاق على أمل أن تغيّر إيران، بحسن نية، سلوكها أيضًا. إلا أن هذا الأمر لم يحصل بالطبع.

وفي ظل إدارة جديدة بقيادة ترامب، واصلت الولايات المتحدة تطبيق السياسات المرتكزة على محاربة "داعش" والتي وضعتها الإدارة السابقة إلى حين وصلت إلى نهاية يمكن القول عنها نهاية طبيعية. من جهة أخرى، كانت سياسة الإدارة الأمريكية إزاء العراق، حين كانت قائمة، سياسة ركزت بشكل شبه كامل على إيران. بشكل متزامن، انسحب الرئيس ترامب من "خطة العمل الشاملة المشتركة" وحضّ على إجراء مفاوضات جديدة مع إيران ترمي إلى إثباط طموحات إيران النووية بشكل دائم وتغيير سلوكها التوسعي في الشرق الأوسط وفتح أبوابها أمام الشركات الأمريكية. وقد أثبتت إدارة ترامب على نحو متزايد استعدادها لاستعمال الجيش الأمريكي والقدرة المالية للقوى العالمية من أجل جرّ إيران إلى طاولة المفاوضات وتعزيز موقفها التفاوضي. غير أن سياسة الولايات المتحدة داخل العراق فشلت، خارج إطار أهدافها الإقليمية الأكبر، في شقّ مسار خاص بها.  

في المقابل، انتهجت إيران سياسة واضحة إزاء العراق طوال الفترة التي شهدت فيها السياسة الأمريكية تقلبات. فأيران تعرف تمامًا ما الذي تريده في العراق وقد نجحت في الحصول على مبتغاها. ويُعزى هذا الوضوح جزئيًا إلى الحاجة؛ فالقادة الإيرانيون يعتبرون العراق مهمًا جدًا لأمنهم القومي وبقاء النظام، حيث يتعاملون مع العلاقات الثنائية كما لو أن العراق امتداد وثيق لبلدهم. كما تميل إيران إلى الاستفادة من الموارد البشرية والاقتصادية للعراق خلال مسعاها لتحقيق أهدافها المحلية.

وكان هذا السلوك المستهدف إلى جانب غياب أي توجيه أمريكي في العراق قد سمح لإيران بالمضي قدمًا في مسارها من دون انقطاع خلال العقد الفائت. فقد استفادت إيران من كل أزمة في العراق، انطلاقًا من الحرب ضد "داعش" وصولًا إلى استفتاء إقليم كردستان العراق للحصول على الاستقلال، من أجل تسريع وتيرة هذا التقدّم. وقد أدّت القرارات التي اتخذها الطرفان إلى هذه اللحظة الحالية، حيث تُظهر إيران ثقة كبيرة بشأن موقفها التفاوضي القوي في ما يتعلق سواء بالمفاوضات أو الحروب المستقبلية. وإذا ما نجحت جهودها الحالية الرامية إلى ضمان الخروج الأمريكي من العراق، ستشعر إيران بمزيد من الثقة والأمان حتى.

منذ تغيير النظام في العراق عام 2003، طوّرت إيران علاقات سياسية وأمنية واقتصادية أكثر فعالية في العراق مما فعلت الولايات المتحدة. فقد لجأ الإيرانيون إلى حلفائهم في القطاعين السياسي والأمني في العراق من أجل تطبيق سياساتهم في العراق ليس فقط بهدف السيطرة على عملية صنع القرار بل أيضًا لتقليص النفوذ الأمريكي في العراق والتخلص منه تمامًا في نهاية المطاف. 

ولهذه الغاية، أقامت إيران علاقات شخصية وثنائية ممتازة مع معظم الجهات الفاعلة السياسية والأمنية في العراق، مشجعةً في الوقت نفسه الانقسامات الداخلية في السياسة العراقية. ولتحقيق هذا الهدف، لا تُشرك إيران رسميًا مؤسسات الدولة أو المنظمات السياسية في العراق، بل تقوم الاستراتيجية الإيرانية بدلًا من ذلك على تقسيم المنظمات على مكوناتها الفردية وتُشرك رؤساءها بصورة منفردة ومستقلة. وقد برع الجنرال سليماني في هذا النهج، ما ساعد على المساهمة في عدم الاستقرار في العراق واعتماد السياسيين فيه على التوجيهات الإيرانية.  

في المقابل، لم ينطوِ النهج الأمريكي على أي من هذه التكتيكات. ولذلك، وإذا ما أضفنا غياب سياسة توجيهية واضحة في العراق، تكون الولايات المتحدة قد خسرت الكثير من نفوذها في العراق مع مرور الوقت. وفي الوقت الذي كان فيه الهجوم على سليماني حازمًا، اضمحل نفوذ الولايات المتحدة داخل العراق حاليًا، وهو نفوذ يتراجع عمومًا بسبب التهديدات العسكرية أو المالية.  

وعليه، فقد سمحت سياسة إيرانية واضحة وضوح الشمس في العراق ترافقها سياسة أمريكية ضبابية للإيرانيين ووكلائهم بجرّ الولايات المتحدة إلى هذه السلسلة من الأفعال الانتقامية التي بلغت ذروتها خلال أزمة الأسبوع الفائت. وفي حين لم يكن مقتل سليماني متوقعًا ربما، رأت إيران على الأرجح أن هجومًا مباشرًا من الولايات المتحدة يصبّ في مصلحتها  فالحشد ضدّ العدو سمح بالابتعاد عن الأخبار المتداولة بشأن الاحتجاجات المناهضة لإيران التي طبعت شوارع العراق ولبنان خلال الأشهر القليلة الماضية. ويُعتبر شنّ هجوم ضدّ إيران فرصة لتوحيد الصفوف وتشتيت انتباه المعارضة الداخلية وحشد دعم مختلف حلفاء إيران في أرجاء الشرق الأوسط.  

غير أن إيران أساءت التقدير في هذا المجال أيضًا. فخلال الحض على ردّ، دفعت إيران في الوقت نفسه باتجاه تغيير كبير في التفكير السياسي لكل من إدارة ترامب وكامل المؤسسة الأمريكية، بما في ذلك الدبلوماسيون الأمريكيون في العراق. وفي حين أن سلسلة الأحداث التي أدّت إلى الضربة بذاتها ليست واضحة، يبدو أن الولايات المتحدة أصبحت الآن شجاعة وواثقة ومستعدة للقتال. وقد أظهرت الأسابيع القليلة الماضية أن الإدارة الحالية أصبحت أقلّ تساهلًا بكثير إزاء السلوك الإيراني المستمر في العراق وأكثر استعدادًا لاتخاذ خطوات عسكرية دفاعية وهجومية ضد طهران أو وكلائها.