اتفاقية الصين وإخراج الأميركيين ذريعة للإبقاء على عبد المهدي
لا تزال الخلافات السياسية هي الحاضر الأقوى في حوارات تشكيل الحكومة المقبلة، مع إعلان المحتجين نيتهم التصعيد في حال لم يحسم ملف رئاسة الوزراء خلال اليومين المقبلين، مطلقين "مهلة الناصرية"، في وقت تكشف مصادر سياسية عن حراك يتبناه حلفاء إيران، في سياق إعادة تكليف رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي بالمنصب، متخذين من الاتفاقية الاقتصادية مع الصين وإخراج القوات الأجنبية من البلاد ذريعة لذلك.
لكن الخلافات السياسية حول الاتفاقية مع الصين والخلاف حول وجود القوات الأميركية لا تزال حاضرة بقوة، حيث يبرر سياسيون من كتل مختلفة أن رفضهم متأت من أن القضيتين تأتيان في إطار ضغط إيراني.
حلقة وصل بالسلطة
ويرى مراقبون أن عبد المهدي يمثل حلقة الوصل الأخيرة التي تربط حلفاء طهران بالسلطة. وفي حين أشاروا إلى أن خروجه من السلطة سيفتح عدة ملفات تتعلق بالفساد والإرهاب، رجحوا عدم نجاح مساعي الابقاء عليه لاصطدامها بالإرادة الشعبية فضلاً عن مواقف المرجعية الدينية والمجتمع الدولي.
ولعل أبرز ما يتخذه حلفاء طهران من ذرائع في إطار تدعيم موقفهم، هو اتهامهم لأميركا بالوقوف وراء الاحتجاجات لإجهاض الاتفاقية الاقتصادية مع الصين والإبقاء على قواتها في البلاد. فيما يبقى موقف الكتل الكردية والسنية رافضاً لخروج القوات الأميركية من البلاد.
في غضون ذلك، تفيد تسريبات سياسية أن مسألة اختيار رئيس الوزراء المقبل متوقفة على توافق زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وزعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، فيما رجحت التسريبات قبول رئيس الجمهورية بأي تسويات في هذا السياق، معللين ذلك بأن استمرار رفضه المرشحين لن يكون مقبولاً وسيؤدي إلى مشكلات سياسية أعمق.
إلى ذلك، جددت كتلة "سائرون" رفضها إعادة تكليف عبد المهدي برئاسة الحكومة، مشددة على أن يكون رئيس الوزراء المقبل من خارج العملية السياسية ولم يتسلم أي منصب حكومي.
من جهة أخرى، قال النائب عن كتلة "العطاء" المنضوية تحت تحالف "البناء"، حيدر الفوادي، في تصريحات صحافية، إن "المرجعية صمام أمان لكل العراقيين، وهي قادرة على انتشال العراق من الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلاد، كما أن عبد المهدي استطاع خلال فترة قصيرة تقديم مشاريع حقيقية على مستوى القطاع الصحي والتعليمي وقطاع الكهرباء".
ودعا الفوادي إلى "إعادة تكليف عبد المهدي وترك حق الاختيار له في تشكيل كابينة وزارية مستقلة، بعيداً من الأحزاب السياسية".
"الفتح" ينفي ومصادر تؤكد
وتتضارب المواقف حول نية تحالف "الفتح" القريب من إيران إعادة تكليف عبد المهدي. ففي حين يؤكد نواب عن التحالف أن لا نية لديهم بإعادة تكليفه، تؤكد مصادر أن توافقاً سياسياً يجري بضغط إيراني للإبقاء على عبد المهدي إلى حين إجراء الانتخابات المبكرة.
في السياق ذاته، قال النائب عن تحالف "الفتح" أحمد الكناني، إن "الموقف الرسمي لتحالف البناء ليس مع الإبقاء على عبد المهدي، لاتفاق غالبية الكتل وخصوصاً الشيعية على إيجاد بديل له".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "يجب أن يلتزم رئيس الوزراء المقبل باستكمال الاتفاقية مع الصين، ومغادرة القوات الأجنبية".
وأشار إلى أن "المواقف التي تصدر من بعض النواب ضمن تحالف الفتح عن الابقاء على عبد المهدي هي مواقف شخصية ولا تعبر عن رأي التحالف".
في المقابل، قال مصدر مطلع إن "إيران تريد أن يبقى عبد المهدي في منصبه في الفترة الحالية".
وكشف لـ"اندبندنت عربية" أن "تحالف الفتح والكتل الكردية وغالبية الكتل السنية مع الإبقاء على عبد المهدي في رئاسة الوزراء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع أن "المعترضين على بقاء عبد المهدي هم كتل سائرون والحكمة والنصر"، لافتاً إلى أن "الأمور تسير باتجاه تكليف عبد المهدي الاستمرار بتسيير الأعمال إلى حين إجراء انتخابات".
وأشار إلى أن "حديث تحالف الفتح عن عدم رغبتهم في الابقاء على عبد المهدي هو للأغراض الإعلامية، لكن هناك اتفاقاً على ذلك".
ولفت إلى أن "الكتل الكردية أبلغت عبد المهدي رسمياً بأنهم مع بقائه، وكذلك كتل سنية فضلاً عن تحالف البناء".
وبين أن "تحالف الفتح يحاول إدخال مقتدى الصدر في سياق الإبقاء على عبد المهدي عندما أعلنوه قائداً للمقاومة، وإيران مستمرة بالضغط عليه في هذا الإطار".
شروط لبقاء عبد المهدي
من جانبه، قال رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي، إنه "كان لدى تحالف الفتح، شروط على عبد المهدي، منها إخراج القوات وإحياء الاتفاقية مع الصين ودعم الجماعات المسلحة والوقوف مع إيران".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "الكرد يعتقدون أن أفضل رئيس وزراء بالنسبة إليهم هو عبد المهدي، الذي حقق ما لم يستطيعوا تحقيقه في السابق"، مردفاً "الكتل السنية أبلغت بقية القوى السياسية بأنها تريد ضمانات لحصصها في الحكومة المقبلة وستقبل بمن يأتي وإن كان عبد المهدي".
وتابع أن "واقع الحال يقول إن الكتل السياسية لا تستطيع الدفع بأي مرشح، وأي مرشح يخرج من تحالف البناء لن يرضي الشارع. في المقابل، أي مرشح يدفع به الصدر أو الشارع لن يرضي البناء"، مبيناً أن "حالة الإنسداد السياسي هذه قد تكون مدخلاً للإبقاء على عبد المهدي".
وعن اتفاقية الصين، بين الهاشمي أن "الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ لعدم استقرار الوضع الأمني ولا توجد شركات تغامر بالمجيء إلى العراق، وهذا ما كانت تقوله الحكومة"، لافتاً إلى أن "إحياء الاتفاقية في هذا الوقت هو لمناكفة أميركا".
مخاوف من الملاحقة
إلى ذلك، قال الباحث في الشأن الاستراتيجي أحمد الشريفي إن "إحدى الوسائل التي يتخذها حلفاء إيران في الإبقاء على عبد المهدي هي الاتفاقية مع الصين وإخراج القوات الأميركية"، مبيناً أن "حلفاء طهران يتخذون من عبد المهدي وسيلة لبقائهم في الوسط السياسي".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية" أن "عبد المهدي هو الحلقة الوحيدة المتبقية لحلفاء طهران في أن يبقوا على تواصل مع العملية السياسية، وإذا انهارت تلك الحكومة التي وصفت بحكومة الفرصة الأخيرة، فمعنى ذلك أنهم لن يحكموا مرة أخرى وستفتح ملفات فساد وإرهاب بحقهم".
ورجح الشريفي عدم نجاح المساعي الرامية للإبقاء على عبد المهدي، واصفاً إعادته للسلطة بـ"إعلان الحرب على العراقيين والمرجعية والإرادة الدولية".
وأشار إلى أن "هناك تصدعاً في المواقف داخل الكتل الموالية لإيران، وهم موحدون فقط من أجل عدم كشف ملفاتهم".
وكشف أن "ما يطلق عليه بالدولة العميقة تتحرك للعبث بمؤسسات الدولة، وتجري تغييرات خارج الأطر الدستورية من خلال استبدال مدراء عامين وشخصيات في مؤسسات الدولة".
اتفاقية غامضة
ويتزايد الجدل حول الاتفاقية الاقتصادية التي وقعها العراق مع الصين في سبتمبر (أيلول) الماضي. ففي حين يحذر سياسيون من أن يؤدي الاتفاق إلى رهن النفط العراقي ما يشكل خطراً على الاقتصاد، لا يزال الغموض يحيط ببنودها، حيث لم تعلن الحكومة العراقية عن تفاصيلها الكاملة.
وكانت لجنة النفط والطاقة النيابية قد أشارت إلى أن هناك معلومات عن توقيع العراق أكثر من ثماني اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع الصين تتجاوز قيمتها 500 مليار دولار للسنوات العشر المقبلة. فيما طالب نواب بإرسال نسخة من الاتفاقية إلى البرلمان للاطلاع عليها، مشيرين إلى أن الاتفاقات المصيرية لا بد أن تمر عبر البرلمان العراقي.
وكان زعيم حزب "الحل" جمال الكربولي قد قال في وقت سابق إن "اتفاقية الصين هي خطة إنقاذ اقتصادية وضعتها دولة مجاورة وفرضتها على الحكومة العراقية من أجل تمويل اقتصادها من المال العراقي بالباطن، كما تفعل منذ سنوات"، مشيراً إلى أن تلك الدولة "تسعى بكل طاقتها إلى تمديد عمر حكومة تصريف الأعمال لضمان تنفيذ تلك الاتفاقية".
من جانب آخر، كشف مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية مظهر محمد صالح، في وقت سابق أن "الاتفاقية تتضمن مبادلة عائدات النفط، بتنفيذ المشاريع في العراق"، مشيراً إلى أن "الاتفاقية ستركز على مشاريع البنى التحتية كالمدارس والمستشفيات والطرقات والكهرباء والصرف الصحي، وسيتم تحديدها من خلال وزارة التخطيط وبالتنسيق مع مجلس الوزراء".
في المقابل، يشير خبراء اقتصاديون إلى أن ما تم الإعلان عنه هو جزء من الاتفاقية وليس كل تفاصيلها.