صالح التقى ترمب رغم التهديد... ونقل جنود أميركيين جدد من "عين الأسد" للتقييم الطبي
مع احتدام الصراع حول تكليف مرشح لرئاسة الوزراء في العراق، واستعصاء التوصل إلى حلول للأزمة الراهنة، التقى رئيس الجمهورية برهم صالح الرئيس الأميركي دونالد ترمب على هامش منتدى "دافوس" في سويسرا.
وجرى أثناء اللقاء بحث العلاقات العراقية الأميركية، لكن اللافت أن الرئيس العراقي قاطع نظيره الأميركي، أثناء رده على سؤال حول العقوبات الأميركية المحتملة على العراق، بالقول إن "العراق والولايات المتحدة يرتبطان بمصالح مشتركة وهي مكافحة التطرف والحفاظ على الاستقرار في المنطقة".
إصابات جديدة
وفي موازاة ذلك، أفادت القيادة المركزية في الجيش الأميركي في بيان، بأنه بعد الإعلان عن 11 حالة إصابة الأسبوع الماضي، في صفوف قواته المتمركزة في قاعدة "عين الأسد" في العراق، إثر الهجوم الصاروخي الإيراني في 8 يناير (كانون الثاني) الحالي، جرى نقل مزيد من الجنود الأميركيين من العراق إلى ألمانيا جواً لاجراء تقييم طبي. وأضاف البيان من دون الخوض في تفاصيل أنه من الممكن رصد مزيد من حالات الإصابة المستقبل. وذكر مسؤول أميركي أن نحو 12 فرداً من القوات نُقلوا إلى ألمانيا.
ولا تزال أزمة اختيار رئيس الوزراء المقبل بلا حلول. ففي حين تتحدث تسريبات عن قرب حسم هذا الملف، وترشيح شخصيات لنيل المنصب يحظى بعضها بقبول غالبية القوى السياسية، يستبعد مراقبون أن يعمد رئيس الجمهورية إلى التكليف لعدم تنازل القوى السياسية أمام مطالب المحتجين.
في غضون ذلك، يستمر المتظاهرون العراقيون بالتصعيد، في إطار الضغط على القوى السياسية لاختيار رئيس وزراء مستقل، وفق المعايير التي وضعوها.
التوتر العراقي الأميركي
ويُعدُّ الصراع الأميركي الإيراني الحاصل في العراق، أحد أسباب تفاقم الأزمة، ما أدى إلى تصاعد التوترات السياسية، فضلاً عن حالة انسداد في ما يتعلّق بتكليف شخصية لمنصب رئيس الوزراء تحظى بقبول المحتجين.
أما في سياق علاقة العراق بالولايات المتحدة الأميركية، فلعل السبب الأبرز في التوتر الحاصل، هو اغتيال واشنطن قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد مطلع الشهر الحالي، ما أدى إلى اتخاذ قرار في البرلمان العراقي يطالب بسحب نحو 5 آلاف جندي أميركي ينتشرون في البلاد في إطار محاربة تنظيم "داعش".
تخفيض القوات الأميركية واحترام السيادة
في سياق متّصل، قال بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية بعد لقائه نظيره الأميركي، إن "الرئيس أكد ضرورة تكثيف الجهود الدولية من أجل إرساء الأمن والاستقرار على الصعيدين الدولي والإقليمي"، مشيراً إلى أن "ترسيخهما وتعزيزهما هما السبيل الوحيد لضمان تحقيق السلام الشامل في المنطقة".
وأضاف البيان، "العراق يحرص على إقامة علاقات متوازنة مع جميع الأصدقاء والحلفاء، وبما يعزز سيادته واحترام قراره المستقل ويحقق مصالح الشعب العراقي، ومواصلة التطور الاقتصادي وإعادة الإعمار وعدم السماح بأن تتحول البلاد إلى ساحة للصراع وتصفية الحسابات".
وأشار البيان إلى "تدارس وجود القوات الأجنبية وتخفيضها في البلاد، وأهمية احترام مطالب الشعب العراقي في الحفاظ على السيادة الوطنية وتأمين الأمن والاستقرار".
وجدد الرئيس الأميركي بدوره دعم بلاده لاستقرار العراق، وحرصه على توثيق العلاقات المشتركة وتوسيع حجم التعاون بين البلدين بما يخدم مصلحة الشعبين، مثمناً الدور العراقي المحوري في المنطقة.
ممنوع من دخول بغداد
في السياق ذاته، هددت "كتائب حزب الله" وحركة "النجباء" المنضويتان في "الحشد الشعبي"، الرئيس برهم صالح بمنعه من دخول بغداد في حال التقى الرئيس الأميركي.
وأدت عملية اغتيال سليماني والمهندس إلى تفاقم الوضع السياسي والأمني في البلاد، حيث توالت التهديدات بالانتقام من قبل الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
في غضون ذلك، نشرت صفحة صالح محمد العراقي، المقربة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، صورة لرئيس الجمهورية برهم صالح، مرفقة بوسم "حامي السيادة وحامي الثوار"، في إشارة دعم لمواقف الرئيس العراقي من قبل الصدر، في وقت رفض عدد من نواب البرلمان لقاءه نظيره الأميركي، على خلفية الغارات الجوية الأميركية.
قرار شكلي
وذكر مصدر لـ"اندبندنت عربية" أن "عادل عبد المهدي التقى صالح قبل ذهابه إلى دافوس، للتباحث بشأن الزيارة"، مضيفاً أن "رئيس الحكومة المستقيل قال لرئيس الجمهورية إنه يعرف أن البلاد بحاجة إلى القوات الأميركية، ولا نريد إخراجها بسرعة".
وتابع أن "عبد المهدي أبلغ مقربين منه بأنه ذهب إلى البرلمان لاتخاذ قرار شكلي بشأن خروج القوات الأميركية يهدف إلى امتصاص الغضب الجماهيري".
وعن المرشحين لمنصب رئيس الوزراء المقبل، أوضح المصدر أن "السباق نحو رئاسة الحكومة بات محصوراً بين محمد علاوي وعلي عبد الأمير علاوي ومصطفى الكاظمي"، مبيناً أن "الأقرب إلى المنصب هما علي علاوي ومصطفى الكاظمي".
وساطة عراقية
ويرجح مراقبون أن يكون رئيس الجمهورية قد وقف على رأي إيران أن يكون العراق وسيطاً لحل الأزمة مع الولايات المتحدة.
في السياق، أوضح السياسي المستقل إبراهيم الصميدعي لـ"اندبندنت عربية"، أن "صالح لم يذهب إلى دافوس للقاء الرئيس الأميركي من دون أن يقف على رأي أهم القيادات السياسية والدينية الشيعية"، مضيفاً "لا أستبعد أن يكون قد وقف على رأي إيران أيضاً، إن لم يكن بصفته رئيساً لجمهورية العراق، فبصفته سياسياً كردياً عن الاتحاد الوطني الكردستاني، الحزب الصديق الذي لديه علاقات قوية مع طهران".
صدام محتمل
ورأى الخبير في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن "بقاء الوضع على شكله الحالي، استمرار لحالة الاستعصاء السياسي"، كاشفاً عن أنّ "المرجعية الدينية ذاهبة باتجاه ما يتبناه رئيس الجمهورية لجهة تقويض دور الأحزاب. وهناك راسائل متبادلة بين الطرفين في هذا الإطار".
وأوضح أن "المرجعية تدعم صالح لجهة تبني قرار جريء وحاسم وأن تكون خياراته قريبة من مطالب المتظاهرين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن "الصراع بين إيران وأميركا بات كبيراً جداً ويشكل ضغطاً على صانعي القرار السياسي"، فيما لفت إلى أن "رئاسة البرلمان تكاد تكون محيدة، إذ غاب رئيسه محمد الحلبوسي عن المشهد السياسي بعد القرار الأخير الذي اتُّخذ بشأن القوات الأميركية. ومن يتحدث عن البرلمان الآن هو نائبه حسن الكعبي، ممثل تحالف سائرون الذي ينسق مع تحالف الفتح".
ورجح أن يأتي رئيس الجمهورية بقرار بعد لقاء الرئيس الأميركي، مبيناً أن "التنسيق في المواقف مع واشنطن بات واضحاً".
خريطة جديدة
أما الباحث في الشأن السياسي فلاح الذهبي، فقال لـ"اندبندنت عربية" إن "هناك انسداداً في العملية السياسية وموقفاً غير مدروس تقوده ميليشيات. لذلك، فإن خيارات العراق محصورة بين بناء الدولة أو بناء معسكر لقوى مسلحة خارجة عن القانون"، مضيفاً أن "مواقف صالح طوال الفترة الماضية هي مواقف رجل دولة، خصوصاً في رفضه أي ترشيحات تأتي من القوى السياسية التي ينتفض عليها الشارع وتحديداً القوى الموالية لإيران".
ووصف رئيس الوزراء المستقيل عبد المهدي بـ"المحلل السياسي"، معللاً ذلك بأنه "لا يتخذ مواقف حقيقية ويكتفي بمناشدة مطلقي الصواريخ".
وأشار إلى أن "الخيارات المتوفرة أمام رئيس الجمهورية هي استعادة الدولة من المجموعات المسلحة التي اختطفتها، ورسم خريطة جديدة بعيدة من التدخل الإيراني".
وفيما أبدى استغرابه من تهديد ميليشيات مسلحة، رئيس الجمهورية، رجح الذهبي أن "تكون آليات نزع السلاح واحدة من المواضيع الرئيسة التي نوقشت مع ترمب".