تسويات سياسية حول الحكومة العراقية المقبلة
تصاعدت عمليات العنف التي تمارسها قوات الأمن على المنتفضين في المحافظات العراقية، في محاولات لفض الاعتصامات، بالتزامن مع تسريبات بشأن تسويات سياسية حول الحكومة المقبلة قد يتم الإعلان عنها في غضون أيام.
ولعل ما حدث من انسحاب لأنصار التيار الصدري من الاحتجاجات والتصعيد الحكومي إزاءها، قد يكون مقدمة تسويات سياسية حول الحكومة المقبلة بين الأطراف المختلفة.
فيما يرى مراقبون، أن ما حصل من تصعيد سيؤدي إلى عدم التوصل لتوافقات بين القوى السياسية بسبب توسع الاختلافات، يرجح آخرون أن انسحاب التيار وفر مناخاً ملائماً للقوى السياسية للتوافق حول رئيس الحكومة المقبلة، مشيرين إلى أن عدم نجاح الإرادة المحلية بحسم القضية العراقية سيؤدي إلى تدخل دولي للحسم.
ويبدو أن التقارب بين تحالف "سائرون" التابع لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وتحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري، حول الحكومة المقبلة بات ممكناً، بحسب مراقبين.
حسم وشيك
وتقول مصادر مطلِّعة لـ"اندبندنت عربية" إن "حسم ملف رئاسة الوزراء بات وشيكاً جداً وفي غضون اليومين المقبلين". وأشارت إلى أن "المرشح الأقرب للمنصب، هو رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، على الرغم من ترشيح شخصيات أخرى، وهي رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ومحمد توفيق علاوي".
فيما عزت المصادر قرب الكاظمي من التكليف لكونه "قادرا على صناعة التسوية بين أميركا وإيران تحديداً في العراق".
في السياق ذاته، قال القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي، في تصريحات صحافية إن "المرشحين لرئاسة الحكومة المقبلة، قدموا إلى رئيس الجمهورية برهم صالح من قبل بعض الأطراف والجهات، وهو من سيختار أحدهم"، مؤكداً "عدم ترشيح جعفر الصدر لرئاسة الحكومة".
في المقابل، قال النائب عن تحالف "الفتح" فاضل جابر، أمس السبت، في تصريحات صحافية إن "أغلب مطالب المتظاهرين حققت فيما يخص قانون الانتخابات ومفوضيتها، وإعادة المفسوخة عقودهم ما دفع إلى تراجع أعداد المتظاهرين".
وأضاف "المفصل الأخير المتبقي هو تسمية رئيس الوزراء من خلال اختيار شخصية غير جدلية، تقضي على الاحتقان الموجود بين المتظاهرين والحكومة، تلبية لمطالب المتظاهرين والمرجعية الدينية".
من جانبه، قال زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي في تغريدة على "تويتر" إن "المرشح الذي يأتي بقرار أو تأثير خارجي إيراني أو غيره وبمعزل عن إرادة الشعب المنتفض، سيرفض سياسياً وشعبياً، قبل أن يطرح"، عاداً ذلك بأنه "سيتسبب بأزمة جديدة ويعقد المشهد أكثر".
وتابع أن "هذا الحراك الشعبي الذي يملأ أرجاء الوطن هو حراك عراقي خالص، يرفض بشكل خالص أي وصاية، أو تأثير خارجي وهو ما نحرص عليه وندعو إليه"، خاتماً تغريدته بوسم "#العراقي_سيد_نفسه و #لقرار_عراقي".
قمع لإنهاء حالة الرفض لـ"إيران"
وفيما تستمر التسريبات حول التوافقات السياسية بشأن رئيس الحكومة المقبلة، استغلت القوى الموالية لإيران حالة التقارب بينها وبين التيار الصدري بشأن الوجود الأميركي، ما وفر مساحة توافق أكبر نحو تشكيل الحكومة المقبلة.
وقال أستاذ العلوم السياسية قحطان الخفاجي، إن "خط التوافقات السياسية مستمر ومنفصل عما يجري من تصعيد احتجاجي، والذي حصل أمس من هجوم على التظاهرات هو رد فعل يائس من قبل الجهات الرسمية والميليشياوية تحديداً على خيبة أمل أصابتهم وجاءت بمردود سلبي على السلطة وإيجابي للمتظاهرين".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "تعزم السلطة وأحزابها فض الاعتصامات للتوافق السياسي دون ضغوط شعبية، لكن ما يعقد المسألة بالنسبة إلى القوى السياسية هو أن الحراك الشعبي بات يحظى ببعد دولي داعم، وبقاء الاحتجاجات يقلل حظوظ إيران في العراق، وبالتالي الذهاب باتجاه إجهاضها لإنهاء حالة الرفض لإيران".
وتابع أنه "بعدما حصل من تصعيد لن تحدث أي توافقات بين القوى السياسية لأن الاختلافات توسعت ووضع إيران في الداخل العراقي قد اختلف".
وعن امكانية التوافق الأميركي الإيراني فيما يتعلق بالحكومة العراقية المقبلة، توقَّع الخفاجي "ألا تعود كما كانت بصيغتها السابقة لأن اللعبة السياسية أصبحت صفرية في العراق، وعملية التراجع والتوافق لن تتم إلا بثني إرادة طرف للآخر".
ولفت أن "تشكيل الحكومة المقبلة ما يزال مستعصياً واتسع الخلاف الآن بعد خروج التيار الصدري من الساحة".
وأشار إلى أن "إنهاء الحراك ستكون إحدى دلالاته انتصار الطرف الإيراني على المرجعية في النجف، لذلك سيكون للمرجعية دور آخر في محاولة دعم الاحتجاج مرة أخرى".
مناخ ملائم للتوافق
من جانبه، رأى الباحث في الشأن السياسي جاسم الموسوي، أن "بانسحاب التيار الصدري الذي يشكل عدداً كبيراً من المحتجين، وخروج تظاهرات ضد أميركا، بات المناخ ملائماً للقوى السياسية على تسمية رئيس حكومة والتوافق عليها".
وأوضح أن "الدعم الإيراني سيعزز طمأنة الكتل السياسية بأن مستقبلها السياسي لن ينتهي بالتظاهرات التي قد ثلمت، وكانت تشكل فوبيا حقيقية للقوى السياسية على أن مستقبلها بعد تسمية رئيس الحكومة المقبلة قد يؤدي ليس فقط لإطاحة تلك القوى بل كل من تجرأ على المال العام وارتكب جرائم قتل"، لافتاً إلى أن "التظاهرات المليونية المناهضة للوجود الأميركي أعادت الثقة للقوى السياسية مرة أخرى".
ورجح أن تكون هناك اتفاقات سياسية أدت إلى انسحاب الصدريين، مبيناً أنه "لا يمكنهم الانسحاب دون أن تكون هناك رؤية موحدة لما ستتجه اليه الأمور ما بعد التظاهرات"، فيما توقع أن "تبقى المرجعية داعمة لاختيار حكومة تتجاوز الأزمة الحالية".
صفقات غير مستبعدة
في السياق ذاته، قال الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي إن "المعطيات تشير إلى أن محاولات فض الاعتصامات جاءت بعد تسويات سياسية حول الحكومة المقبلة".
وأضاف، "أعتقد أن الصدر كانت لديه صفقة حول الحكومة المقبلة، وأي صفقة على امتيازات إضافية تعطى لبعض الأشخاص للاصطفاف مع المنتظم السياسي غير مستبعدة".
وعن دور المرجعية، بيَّن الشريفي أن "أي رأي للمرجعية يختلف مع مصالح القوى السياسية لا يطاع، وهم لا يرغبون في مغادرة السلطة وكل الأدوات والوسائل مفتوحة وستستخدم من أجل عدم مغادرتهم لها"، مشيراً إلى أن "المرجعية استنفذت وسائلها ولم تعد قادرة على إضافة شيء جديد".
وتابع أن "الخيارات المتوفرة الآن، هي إما أن يذهب رئيس الجمهورية باتجاه حل البرلمان أو المطالبة بتدخل دولي ولم تعد له قدرة الوقوف بوجه القوى السياسية".
وأضاف أنه "حتى احتمالية أن يقوم رئيس الجمهورية بمحاولة بحل البرلمان، فالبرلمان سيتمرد حتى على الرئاسة، ويصطدم مع السلطة التنفيذية ولن يحل نفسه".
وختم أن "التظاهرات مستمرة لكن آليات احتوائها مستمرة وهذا السجال ليس بصالح المحتجين، لابد أن تحسم المعركة الإصلاحية وبما أن الإرادة المحلية غير ناجحة بالحسم تبقى فقط التدخل الدولي"، متوقعاً أن يكون "التدخل الدولي قريباً جداً".