اخبار العراق الان

إصرار في مواجهة السلطة والعوائل.. طالبات العراق في الاحتجاجات

إصرار في مواجهة السلطة والعوائل.. طالبات العراق في الاحتجاجات
إصرار في مواجهة السلطة والعوائل.. طالبات العراق في الاحتجاجات

2020-02-01 00:00:00 - المصدر: الترا عراق


لم يكن للمرأة العراقية في شتى المجالات، بما فيها الطلابية، حضورًا ملحوظًا في المجال العام في مرحلتي الاستبداد وما بعد 2003. ففي حقبة الاستبداد كان الحكم عسكريًا وهو ما يستدعي حضور الرجل أكثر، فضلًا عن غياب التعددية السياسية أو وجود فعاليات تستدعي مشاركتها الفاعلة، وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق، كان الحضور الأبرز للاستقطاب الطائفي، وهو ما يغيّب دورها أيضًا. 

ثنوة، وهي والدة المتظاهر المقتول صفاء السراي، أصبحت رمزًا في الاحتجاج وهو ما يشير إلى حضور المرأة كمشاركة وكرمز

لكن انطلاق الاحتجاجات في مطلع تشرين الأول/أكتوبر، جاء بحضور جديد للمرأة العراقية، خاصة الطالبة، فضلًا عن وعي سياسي جديد طرأ على مشاركتها قياسًا بالواقع الذي كان مبنيًا على موروث القيم والعادات العشائرية، وقد تحول نشاط المرأة أثناء التظاهرات من مجاميع تطالب بحقوق المرأة على وسائل التواصل الاجتماعي فقط، إلى العمل في الشارع، مطالبات بحقوق سياسية واحدة مع الرجال، ورفعن شعار التظاهرات "نريد وطن"، فيما أصبحت والدة المتظاهر المقتول صفاء السراي، ثنوة، رمزًا للمتظاهرين، وهو أيضًا يشير إلى حضور ملحوظ للمرأة كمشاركة وكرمز. 

اقرأ/ي أيضًا: المرأة العراقية في الاحتجاجات.. مسعفة ومتظاهرة ومهدّدة

وفي أثناء الاحتجاجات، شارك المئات من  طالبات المدارس والجامعات والمعاهد بالاعتصام الطلابي، وخرجن إلى ساحات الاحتجاج في بغداد، وباقي محافظات وسط وجنوب العراق في تظاهرات طلابية، مُعلنات عن مواصلتهن الإضراب عن الدوام،  بثورة أطلق عليها "ثورة القمصان البيضاء"، فيما واجه الطالبات المعتصمات القمع والاعتقال والتهديد بالاعتقال من قبل السلطات من جهة، ورفض عوائلهن المشاركة من جهة أخرى.

تقول سارة عبد، وهي طالبة بكلية اللغات في جامعة تكريت، إنه "في بداية تشرين الأول/أكتوبر رفضت عائلتي مشاركتي في التظاهرات، وواصلت الذهاب بدون معرفتهم إلى ساحة التحرير مع محاولاتي بإخفاء وجهي، مستدركة "لكن بعد اكتشافهم الأمر رفضوا خروجي من المنزل، لذلك انتقلت إلى المشاركة عن طريق جمع  التبرعات مع الأصدقاء عبر مجاميع على فيسبوك وإرسالها لتلبية احتياجات المتظاهرين". 

أضافت عبد لـ"ألترا عراق" "ثم حاولت تنظيم وقفة احتجاجية في جامعة تكريت رغم تهديد الجهات الأمنية على عدم إحياء أي مبادرات احتجاج في مناطقنا المحررة، لكن مبادراتي جوبهت بالرفض من قبل إدارة الجامعة، وبعد أسبوع تلقيت تهديدًا برفع اسمي إلى الأمن الوطني في جامعة تكريت بتهمة التحريض على الاحتجاج وهُددت بالفصل مع التحذير بأنني سأكون تحت مراقبتهم طوال الوقت لذلك قمت بإلغاء تنشيط حسابي على فيسبوك وواصلت الاعتصام  إلى نهاية الفصل الدراسي الأول". 

أوضحت "إذا تخرجت هذا العام أعلم أن مستقبلي هو البقاء بلا وظيفة ككل الطلاب، متسائلة "ماذا  أكون قد جنيت من ستة عشر سنة دراسية؟"، مبينة أن "المتظاهرين خرجوا للمطالبة بوطن حقيقي، وطن لا يقتلهم ولا ينبذهم، أنها ثورة وعي وليست ثورة تغيير فقط، لقد تخاذلنا كثيرًا  بحق الوطن والآن حان الوقت لاستعادة  الدَين ودفع ضريبة الحرية حتى رجوع الوطن لأبناءه وضمان عدم خذلان الثوار في الساحات".

تعرضن النساء منذ بداية التظاهرات إلى الاعتقال والاختطاف والتهديدات المستمرة فضلًا عن ضغوطات الأهل

وتمت إقامة بازارت للسوق الخيري من قبل الطلبة المعتصمين في الجامعات وساحات التظاهر كنوع من الدعم للمتظاهرين. زهراء عبد الأمير، وهي طالبة في جامعة  كربلاء تروي لـ"ألترا عراق"،  الضغوط التي تتعرض لها الطالبات من قبل عوائلهن بسبب مشاركتهن الاعتصام الطلابي قائلة "شاركت  للتنظيم من بداية الاعتصامات الطلابية مع مجموعة من الطالبات، وامتنعت لعدة أيام بسبب رفض عائلتي مثل غالبية العوائل في هذه المحافظة". 

اقرأ/ي أيضًا: إضعاف "ثورة القمصان البيض".. حملات لإطلاق رصاصة الرحمة على الاحتجاج

أضافت عبد الأمير "وإلى هذا الوقت أشارك في التظاهرات والاعتصام الطلابي حيث امتنع عن الدخول إلى القاعات الدراسية، بدون معرفة والدي  واضطر منذ شهرين إلى اختلاق الأعذار المختلفة  فقط للمساهمة بالمسيرة الطلابية، وكانت خيبة الأمل الكبيرة لي من قبل عائلتي بسبب ردة فعلهم تجاه التظاهرات، مشيرة إلى أنني "لا انتظر أن يفتخروا بنا، فقط ألا يمنعونا من ممارسة حُريتنا والمطالبة بحقوقنا كما نريد، مبينة "أنا أعلم أن الجيل الحالي وجيل أهلنا لن يتفق أبدًا، ومعظمهم عجزوا عن ما يفعله هؤلاء الشباب، وأصبحوا يحاربون أفكارنا وطرق احتجاجنا بسبب نشأتهم على قيم الاستبداد".

أكدت عبد الأمير "أنا مستمرة مع بقية الطالبات  في الإضراب والاعتصام  إلى حين تحقيق مطالبهن، مبينة "من المعروف أن العراق لم يشهد مثل هذا الحراك الطلابي الكبير منذ عشرات السنين، مضيفةً "بعد أن كان المد الأبيض الطلابي مُسير من قبل سلطات حزب البعث سابقًا لتمجيده، أصبح هذا المد بعد تظاهرات تشرين الأول/أكتوبر إلى الآن هو الذي يُسير السلطة". 

ومع تواصل  التهديد الحكومي للطالبات والتخوف المجتمعي من أن يتم اعتقال امرأة واقتيادها إلى مراكز الاعتقال الذي عادةً ما يكون منبوذًا اجتماعيًا بسبب التقاليد، إلا أن الطالبات وعلى ما يبدو، خرجن غير آبهات بهذه التهديدات، وتهديد وزارة التربية والتعليم العالي بفصل الطلبة المتغيبين عن الدراسة، أو كل من يدعو للاعتصام، حتى أن الكادر التدريسي انقسم بين مؤيد لحماس الطلبة باستعادة وطنهم وبين من كان راضخًا للسلطات ومعارض للطلبة.

خلال هذه الاعتصامات انتشرت العديد من مقاطع الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تشيد بشجاعة طالبات المدارس، حيث تناول رواد التواصل الاجتماعي  فيديو لإحدى طالبات المدارس، وهي تتظاهر أمام مبنى مدرستها معلنة الاعتصام، وقام أحد الرجال بمهاجمتها، فيما بقيت متصدية له، كما ظهرت عدة فيديوات  للسلطات الأمنية وهي تقوم بـ"الاعتداء" على طالبات المدارس الثانوية المحتجات في مناطق بغداد.

اعتقال النساء أمر منبوذ في المجتمع العراقي بسبب العادات والتقاليد لكن الطالبات خرجن على ما يبدو غير آبهات بهذا الأمر

لقد شكّل الاعتصام الطلابي حلقات لاتحادات الطلبة، وهي كانت مفقودة منذ زمن بعيد، بحسب طلاب، فيما أعلنت هذه الحلقات عن الاعتصام المفتوح، وقامت بفعاليات عديدة، منها، إلغاء التقويم الوزاري بعد أن أصدرت وزارة التعليم العالي قرارًا ينص على استئناف الدراسة  في الجامعات التي انقطع طلبتها عن الدوام، مهددة بـ"رسوب الطلبة المتغيبين"، مما أجبر الوزارة على التفاوض مع الطلبة وإلغاء هذا التقويم، بينما يستخدم الطلبة مواقع التواصل الاجتماعي كتنسيقيات لتنظيم الفعاليات الاحتجاجية.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا يفعل "مسلحو الداخلية" في مدارس البنات غير إبداء "النصائح"؟

الناشط الحقوقي علي حسين يقول لـ"ألترا عراق"، إن "الاعتصام بوجه عام هو أحد أهم وسائل حرية التعبير، وهنا نسأل لماذا يعتبر من أهم الوسائل؟ ذلك لأنه يعتبر أسلوبًا تصعيديًا تراتبيًا في حالة تعسف السلطة في إجراءاتها وعدم سماعها لمطالب رعاياها، مبينًا "رغم أن الاعتصام لم  ينص عليه في دستور جمهورية العراق الدائم لكنه ورد ضمن حرية التعبير والتجمع والتظاهر السلمي التي عبرت عنها المادة 38 من الدستور".

أضاف حسين "ولو رجعنا لهذه المادة الدستورية لوجدناها أنها حق دستوري ورد على سبيل الإطلاق من جهتين؛ الأولى باعتباره حق وفق عبارة (وبشتى الوسائل) وباعتباره لجميع الشرائح المجتمعية كمواطنين عاديين وموظفين حكوميين وقطاعات خاصة وطلبة ونقابات واتحادات من جانب آخر".

أشار حسين إلى أن "الدستور كفل حق الفرد العراقي بغض النظر عن الجنس على أساس المساواة بموجب المادة 14 منه بمزاولة كافة حقوقه الدستورية منها مشاركة الطلبة من النساء  بحقهن في التعبير  بكافة السبل، ومنها الاعتصام للدفاع عن حقوقهن في المواطنة والعدالة والمساواة، ويفترض بالسلطات الرسمية التشريعية والتنفيذية تمكين الفرد العراقي من ممارسة حقوقه طالما أن ذلك الحق ماسًا بمركزه القانوني بصورة مباشرة أو غير مباشرة وتستمد تلك الحقوق مسؤولية الحكومة في تكريس ثقافة الوعي المجتمعي وتقبل المختلف بتوفير بيئة حقوقية مناسبة، وإقرار التشريعات التي تؤمن تلك الحقوق، منها إصلاح المنظومة التعليمية والتربوية وتأسيس الاتحادات والنقابات المهنية في حماية تلك الشرائح من الاستهداف القانوني من قبل السلطات حال ممارستها لحقوقها". 

اقرأ/ي أيضًا: 

الاعتصام وسط الدخّان.. كيف اشتد "عوده الطري" في مواجهة السلطة؟

بعد ليلة "القمع والاعتقالات".. التعليم تبدأ بعقوباتها ضد الطلبة المضربين                                                        

ox_UYUCYQGw