"قلوب الثوار معك".. ماذا سيحدث للعراق بعد السيستاني؟
عندما خضع المرجع الديني الأعلى في العراق، علي السيستاني، لعملية جراحية الشهر الماضي إثر إصابته بكسر في عظم الفخذ، كان ذلك مثار قلق في البلد وخارجه، في حين تداول كثيرون صورا لرجل الدين الشيعي على الإنترنت كتب عليها "اللهم اشف العراق".
وتبادل مؤيدو السيستاني دعوات لمنحه الصحة وطول العمر، وعلق محتجون في ساحات الاعتصام صوره مع تعليق يقول "قلوب الثوار معك". وكان بين من تمنوا للسيستاني الشفاء مسؤولون من إيران ومن الولايات المتحدة، القوتين المتنافستين على التأثير في العراق.
الحادث سلط الضوء على السؤال التالي: ما الذي سيحدث بعد رحيل السيستاني الذي سيكمل هذا العام الـ90 من العمر؟ والسؤال يحظى بمزيد من الأهمية بالنسبة لعراق منغمس بشكل كبير في التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، وتشله منذ أشهر احتجاجات شعبية مناهضة للحكومة.
وفاة السيستاني ستحرم العراق من صوت قوي، له تأثير كبير في صفوف أتباعه، ومواقف مناهضة للتدخلات الخارجية يعتقد أنها ساهمت في منع مزيد من النفوذ الإيراني في البلد.
وسعى السيستاني لكبح الميليشيات الشيعية المدعومة من طهران، المتهمة بارتكاب انتهاكات، وكما سعى إلى الدفع لاعتدال الحكومة، مكررا أن الشعب العراقي هو مصدر السلطة في البلاد.
ويقول محللون تحدثت إليهم وكالة أسوشيتد برس، إن إيران ستحاول على الأرجح استغلال الفراغ الذي سيتركه السيستاني من أجل توسيع نفوذها.
وأوضح مدير معهد مبادرة المجلس الأطلسي للعراق، عباس كاظم، أن "الإيرانيين لا يريدون سيستاني آخر.. لا يريدون شخصا قويا يحجب مرشدهم الأعلى".
وفي حين لا يعد أي من الخلفاء المحتملين للمرجع الديني "في جيوب إيران" (أو خاضعا لها)، إلا أن طهران تستطيع الاستفادة من شخصية ضعيفة، وفق كاظم الذي أردف قائلا "إذا كان هذا الشخص صامتا ولا يتدخل، سينظر الناس إلى مكان آخر للحصول على توجيه".
طموحات إيران في فترة ما بعد السيستاني، قد تعقدها الاحتجاجات التي تجتاح العراق منذ أكتوبر الماضي، والتي كشفت عن استياء شيعي إزاء قوة طهران ونفوذها في العراق.
وأعرب عراقيون كثيرون عن غضبهم إزاء الأعمال العدائية بين إيران والولايات المتحدة على أرض بلادهم، بما في ذلك الضربة الأميركية التي قضت على قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني في بغداد.
وكان شيخ شيعي في مدينة النجف المقدسة لدى الطائفة، قد قال إنه "شعر بالخوف على العراق" عندما علم بالجراحة التي أجريت للسيستاني.
وتابع في تصريح لأسوشيتد برس أن السيستاني "عندما يموت، قد تستخدم إيران شعاراتها الثورية سعيا لجذب أتباع لمرشدها الأعلى علي خامنئي".
لكنه يرى أن دعم السيستاني للمتظاهرين السلميين عزز مكانة النجف بين الشعب أمام التجاوزات الإيرانية، مضيفا "لم تكن الأمور صعبة جدا لإيران في السابق".
ويعد السيستاني الثقل الموازن لإيران ليس فقط في المجال السياسي، فهو ينتمي إلى مدرسة فكرية شيعية تعارض الحكم المباشر من رجال الدين ( أو ما يسمى بولاية الفقيه)، وهو النظام المتبع في إيران حيث لخامنئي الكلمة الأخيرة في جميع القضايا.
ويحتل كل من السيستاني وخامنئي مرتبة "مرجع التقليد"، وهي شخصية متدينة شيعية تعد مرشدا روحيا، لكن غالبية الشيعة في العراق وحتى في إيران وحول العالم، يتبعون السيستاني.
ويشكل صد إيران قلقا للكثيرين في حوزة النجف، وهي مؤسسة تعليمية شيعية تحظى بالاحترام، ومنها سيخرج خلف السيستاني.
وقال شيخ رفيع في حوزة النجف لأسوشيتد برس إن "إيران تريد موقفا سياسيا (في العراق) يؤيدها"، وإن "الحوزة من يخلق التوازن. الساسة فقدوا ذلك التوازن. وإذا فقدتها الحوزة أيضا، فإن إيران ستفوز على الجبهة الدينية والجبهة السياسية".
وقال شيخ رفيع آخر للوكالة "سيكون من الغباء عدم القلق" إزاء إيران، "لكن الأمر كله يتعلق بالمقاومة. إما يستطيع جسم خارجي الاختراق وإما يتم وقفه".
وتحدث الشيوخ إلى أسوشيد برس شريطة عدم كشف هوياتهم بسبب حساسية قضية خلافة السيستاني، وأيضا لأن كبار مسؤولي الحوزة نادرا ما يتحدثون إلى وسائل الإعلام.
ولا يظهر السيستاني بشكل علني ولا يلقي خطبا، بل إن جميع رسائله تبث عبر وسطاء. ويتعافى الشيخ الآن من الجراحة التي أجريت له، واستأنف استقبال الزوار هذا الشهر في منزله المتواضع قرب مرقد الإمام علي في النجف.