غباء لا دهاء ميليشيا النجباء
هدد زعيم ميليشيا "النجباء" العراقية، المعمم أكرم الكعبي في كلمة ألقاها أمام الحرس الثوري الإيراني في طهران، القواعد الأميركية في العراق، وقال إنهم جاهزون للثأر لمقتل قياداتهم والانتقال من حالة الدفاع إلى الهجوم، وإن "العد التنازلي قد بدأ".
كما أشار إلى أن كل مقرات "حركة النجباء" أُغلقت داخل العراق، مؤكداً أنه يتحمل مسؤولية الرد الذي سيقوم به علناً.
ومن عبارات التهديد والوعيد، ذهب الكعبي إلى جانب عملي أكثر خطورة، إذ قال إن "حركة النجباء" ترصد كل تحركات القواعد الأميركية في قاعدتَيْ "عين الأسد" و"كي وآن" في محافظة الأنبار غرب العراق، وقاعدة "التاجي" شمال بغداد وغيرها، إضافةً إلى مراقبة حركاتهم الجوية.
إنّ لغة المبالغة في مراقبة الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية، إنما ينمّ عن غباء لا ذكاء، إذ إنّ عمليات الرصد والمتابعة لكل القواعد الأميركية وتحركاتها الجوية تتطلب إمكانية هائلة على مستوى دولة، وليس فصيل ذيل تابع لإيران، محدود القدرة القتالية والتقنية والاستخبارية.
ثمة أمرٌ آخر، لماذا لا تقوم إيران بعملية الثأر؟ فالإرهابي قاسم سليماني مواطن إيراني، وأحد أركان أعمدتها العسكرية في قيادة الأذرع المسلحة التي شكّلها النظام في إرهاب المنطقة. فالأوْلى بطهران أن تتوعّد الولايات المتحدة، وتهدّد بضرب قواعدها العسكرية ليس في العراق فقط، بل أينما تصل الصواريخ الإيرانية.
عندما يدّعي الكعبي أنه جاهز للثأر من الولايات المتحدة، لماذا يعلنها من طهران؟ أليس الأجدر به أن ينطقها من بغداد وقبالة السفارة الأميركية، إن كان فعلاً يتحمل "مسؤولية الرد" الذي يتشدّق به.
في الواقع، كثيرة هي الأسئلة التي تفرض طرحها، لكن أجوبتها عقيمة مع أولئك الذين صنعتهم إيران، وشكّلوا مجموعات مسلحة عدّة، من "النجباء" و"العصائب" و"الكتائب" و"الخراساني" و"بدر" و"الدعوة" وغيرها، لكن من الواضح أن النظام الإيراني اختار الكعبي ليكون كبش فداء في هذه المرحلة، لذلك يتحرك ويتكلم علناً عن أخذ الثأر.
ضرب محيط السفارة الأميركية
في الساعة الثالثة والنصف تقريباً من فجر الأحد المصادف 16 فبراير (شباط) الحالي، استهدفت صواريخ كاتيوشا محيط السفارة الأميركية بالمنطقة الخضراء في العاصمة بغداد، وقاعدة عسكرية لقوات التحالف الدولي. وبحسب مصدر أمني عراقي، فإن هذه الصواريخ انطلقت من منطقة بين حيَّيْ جميلة والطالبية، الخاضعة لسيطرة "حركة النجباء".
كما أن هذه الصواريخ استهدفت مناطق أخرى شرق بغداد، هي زيونة والبلديات، حيث أحدثت فيها دوياً كبيراً وتصاعد الدخان عالياً وتعالت صفارات سيارات الإسعاف، ولم يُعلن عن خسائر بشرية.
وأعلن متحدث باسم قوات التحالف الدولي على حسابه في تويتر، أن الصواريخ استهدفت قاعدة عراقية تستضيف قوات تابعة للتحالف في المنطقة الخضراء، ومن دون وقوع إصابات، وإن التحقيقات جارية لمعرفة المزيد.
وفي هذا الصدد، صدر بيان من خلية الإعلام الأمني العراقي، يوضح أن أربعة صواريخ من نوع كاتيوشا سقطت في العاصمة بغداد ليل السبت، ثلاثة منها في المنطقة الخضراء، فيما سقط الرابع في مقر الدعم المركزي للحشد الشعبي بجانب بناية كلية الشرطة في شارع فلسطين، ما أدى إلى أضرار مادية بعجلة وخيام ومواد احتياطية، من دون تسجيل خسائر بالأرواح.
وأشار المصدر الأمني إلى أن أحد هذه الصواريخ انطلق من منطقة الزعفرانية، الخاضعة لسيطرة منظمة "بدر"، كما انطلق صاروخ آخر من منطقة زيونة، التي تسيطر عليها "عصائب أهل الحق". وقال المصدر أيضاً إن هجوماً صاروخياً ثانياً استهدف بعد دقائق من ضرب محيط السفارة الأميركية، مقر الدعم المركزي لهيئة الحشد الشعبي في شارع فلسطين، بحسب شهود عيان في المنطقة.
وكان لافتاً، اعتراف المصدر الأمني بعد الهجوم الصاروخي الذي هزّ شرق بغداد، بأن عناصر الحشد الشعبي طوّقت المنطقة ومنعت دخول حتى القوات الأمنية الرسمية، ما يؤشر إلى مدى استفحال قوة الحشد الشعبي الموالي لإيران، وإن حكومة بغداد ليست أكثر من حكومة ظل إيرانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كيفما كان الأمر، فإن محيط السفارة الأميركية تعرض لهجوم صاروخي سابقاً، إذ استُهدف في 20 يناير الماضي، نتيجة الوضع المتوتر بين الولايات المتحدة والفصائل الموالية لطهران.
وكذلك الرد الإيراني الباهت على الولايات المتحدة باغتيالها الإرهابي قاسم سليماني في الثامن من يناير، الذي اقتصر على إطلاق صواريخ أرض-أرض على قاعدتين في العراق، "عين الأسد" غرباً و"أربيل" شمالاً، اللتين تضمان جنوداً أميركيين، من دون أن تقتل أحداً منهم.
وحسب تصوّرنا، فإنّ المصدر الأمني الذي قال إن الصواريخ التي انطلقت من مناطق خاضعة لسيطرة "العصائب" و"بدر"، قد تكون للتمويه والتغطية على أن "النجباء" ليسوا وحدهم في هذا الهجوم على المنطقة الخضراء واستهداف محيط السفارة الأميركية، ولأسباب عدّة، منها:
أولاً، إن هادي العامري، زعيم منظمة "بدر" يريد الاستمرار في الوجود الحكومي، وبذلك يتفادى أي صدام علني في بغداد مع الجانب الأميركي.
ثانياً، بما أن مقرات "العصائب" ما زالت موجودة وتعمل علناً في العراق، فذلك يعني أنها لن تتورط بالاشتراك في أي هجوم على السفارة الأميركية.
ثالثاً، لم يذكر المصدر الأمني، اسم "كتائب حزب الله العراقي"، الذي استهدف بالصواريخ قاعدة مشتركة للقوات الأميركية والعراقية في محافظة كركوك، وقتل مقاولاً أميركياً.
رابعاً، اعتراف المصدر الأمني بأن الحشد الشعبي منع القوات الأمنية الرسمية من دخول المنطقة المستهدفة، ما يؤكد وهن القوى الأمنية تجاه الحشد، والشك في قدرتها الميدانية.
خامساً، ليس بمقدور أي مصدر رسمي أو غير رسمي أن ينقل حقيقة ما يجري بين الفصائل المسلحة، التي تهيمن على الدولة ومؤسساتها، والتي بغبائها ستجعل العراق ساحة مواجهة إيرانية - أميركية.