اخبار العراق الان

عاجل

بعدما نفضت غبار الحرب... الموصل تخوض معركة بيئية

بعدما نفضت غبار الحرب... الموصل تخوض معركة بيئية
بعدما نفضت غبار الحرب... الموصل تخوض معركة بيئية

2020-02-22 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية


ما أن تسمع أو تقرأ عن مدينة الموصل حتى تتشكل في ذهنك صور غير اعتيادية للمدينة، فالموصل تزدحم بمعالمها العمرانية التي تؤرخ لمختلف العصور التي عاشتها، فآثار نمرود تسجِّل تاريخ الحضارة الآشورية فيها، أما عهد الدولة السلوقية فتركت آثاراً في الموصل ممثلة بمدينة الحضر.
فترة الحكم الإسلامي تركت تراثاً غنياً من المساجد والأضرحة بلغ عددها 486 أثراً تعود إلى القرن الثاني عشر، وتمتلك المدينة 32 كنيسة أهمها كنيسة الدومينيكان المعروفة باسم "كنيسة الساعة"، وتضم أيضاً 6 أديرة تشهد على أهميتها كمركز مسيحي للعبادة والتعلم منذ القرن الرابع بعد الميلاد.

أما "روح الموصل" كما يُطلق عليه البعض، فيتمثل في مقام النبي يونس وهو الموقع المقدس لدى المسلمين والمسيحيين واليهود، ولا يمكن إغفال جامع النوري الكبير ومنارته "الحدباء"، الذي شُيِّد في أواخر القرن الثاني عشر، ولا يُعتَبر أهم معالم المدينة فقط بل يشكل شعاراً لها.
عاش سكان الموصل تحت سطوة التطرف، إذ أمضت المدينة ثلاث سنوات صعبة تحت سيطرة تنظيم "داعش" (2014 -2017)، الذي دمّر في تلك الفترة كثيراً من معالمها الأثرية، مثل مرقد النبي يونس وآثار نمرود ومئذنة الحدباء، وأحرق أحد أهم صروحها الثقافية وهو مكتبة الموصل التي تضم آلاف الكتب والمخطوطات النادرة.
تحرير المدينة في عام 2017 وإعلان النصر على "داعش" كان مضرجاً بالدماء ودمر المدينة بالكامل، إذ شهدت الموصل، بحسب خبراء، أشد المعارك ضراوة في مناطق مأهولة بالسكان، منذ الحرب العالمية الثانية، ونتيجة هذه الحرب تحولت البلدة إلى ركام وأنقاض، فقد تلقت في معارك التحرير أكثر من 4 آلاف قنبلة ألقاها التحالف المناهض للتنظيم المتشدد.

وقدرت الأمم المتحدة وزن الحطام الناجم عن معارك التحرير بـ10 ملايين طن أغلبها أنقاض ملوثة بالألغام، كما أضرم "داعش" النار في 19 بئراً للنفط في ناحية "القيارة"، أضافت إلى هواء الموصل تلوثاً بسبب الأبخرة السامة المنبعثة منها.

مناطق ملوثة

ويرى الناشط البيئي، أحمد النجم أن "أزمة التلوث في المدينة ليست مستحدثة، لكنها تفاقمت بعد حرب تحرير المدينة، فقد خلفت الحرب مئات الجثث التي بقيت مُلقاة في الطرق بشكل مكشوف وأخرى وارتها الأنقاض، ومع مرور الوقت تفسخت وتحللت ما سبّب ضرراً كبيراً على البيئة، وبحسب شهادات الأهالي القريبين من المناطق التي شهدت الدمار الأكبر في المدينة القديمة بالموصل، لا تزال هناك عشرات الجثث التي لم تُرفع حتى اللحظة".
وتابع "بعض المقذوفات تسبب الأضرار للسكان بسبب احتوائها على مواد مُشعة وأخرى لم تنفجر بعد"، وأوضح أن "المدينة شهدت قبل فترة قصيرة انفجار مقذوفة تعود إلى أيام الحرب في مجموعة من عُمَّال النظافة فأودت بحياة أحدهم وجرحت آخرين".
الأعلى في نسبة التلوث البيئي

وأضاف النجم "الموصل تكاد تكون الأعلى من حيث نسب التلوث البيئي على مستوى مدن العراق، إذا استثنينا مدينة البصرة نظراً لإنتاجها النفط، فالموصل نالت نصيبها من أضرار الحرب على البيئة، ويُضاف إلى تلك الأسباب ما تمتاز به المدينة من كثافة عمرانية وسكانية حيث تُعد أكبر تجمع سكاني في العراق بعد العاصمة بغداد، كما أن معامل الإسمنت والتكرير والكبريت تتوزع في مختلف مناطق المدينة وقرب التجمعات السكانية".

واعتبر أن "كل هذه الأسباب جعلت مستويات التلوث مرتفعة جداً، وليس هذا فحسب بل إن مياه نهر دجلة الذي يمرّ عبر منتصف المدينة يعاني من التلوث بسبب ضعف الرقابة على تصريف المعامل مخلفاتها فيه، وعدم اتباع إجراءات السلامة البيئية في اختيار مواقع المعامل".


البيئة تقتل سكان الموصل

ويرى الناشط البيئي أن "الحرب دمرت أغلب المؤسسات الصحية فأصبحت الموصل مدينة من دون قطاع صحي وتعمل المنظمات الدولية على فتح مواقع متواضعة بديلة عن المستشفيات والمراكز الصحية التي دمرتها الحرب، لكن هذه البدائل لا يمكنها استيعاب الكثافة السكانية العالية في الموصل، ولا يمكن لها أن توفر الرعاية الكاملة للأهالي، ما جعل الواقع الصحي فيها الأسوأ على مستوى البلاد، وأدى ارتفاع معدلات التلوث إلى زيادة عدد المصابين بمرض السرطان وسط عجز حكومي عن تقديم الرعاية اللازمة لهم، كما أن المدينة شهدت تطور الفيروسات المسبِبة للأمراض الموسمية، ما جعلها أخطر وتقاوم لفترة أطول وهناك مَن مات متأثراً بمضاعفاتها".
نقص في الآليات

من جهة أخرى، يوضح مدير الإعلام والعلاقات العامة في بلدية الموصل، علاء الحيدر، أن "التلكؤ في الخدمات التي تقدمها البلدية عائد إلى حجم الدمار والخراب الذي طال الآليات التخصصية، ونتيجة لنقص الآليات والأيدي العاملة سعينا إلى مضاعفة ساعات العمل وتأجير آليات أثقلت كاهل البلدية في وقتٍ تعاني فيه أصلاً من نقصٍ في التمويل".
يتابع "الموصل بحاجة إلى الكثير من الجهد، والبلدية تدعم المشروعات التطوعية، سواء في رفع المخلفات أو حملات التوعية الخاصة بإجراءات إدارة النفايات". ويرى أن "العراق قاتل (داعش) نيابةً عن كل الدول"، داعياً "الدول الصديقة والمنظمات الدولية إلى أخذ دورها في دعم المدن التي تضررت بسبب هذا التنظيم المتشدد، عبر توفير الدعم المناسب لإعادة إعمار المدن المحررة".
 

جهود مجتمعية لإعادة الحياة للمدينة

في السياق، تأسس فريقٌ تطوعي باسم "مثابرون للخير" في عام 2017، شرقي الموصل، عندما كانت حرب التحرير مستمرة في جانبها الغربي، وبدأت الفكرة برغبة مجموعة من الشباب في استقبال وإغاثة السكان الهاربين من المعارك، واستمر هذا العمل حتى انتهاء الحرب، ليبدأ الفريق مرحلةً جديدة لإنقاذ المدينة من الثلوث.
"ثورة الدنابر"

التأخُر في إزالة الأنقاض من المدينة دفع هذا الفريق إلى التوجه للعمل البيئي، إذ بدأت أكبر حملة تطوعية لهذا الغرض من المدينة القديمة، وتمكنت من رفع مئات الأطنان من الركام وفتح مئات الطرق والأزقة المغلقة وحفر العشرات من آبار المياه.

أما "ثورة الدنابر" فهي حملة امتدت لشهرين تمكّن فيها الفريق من رفع 21 ألف متر مكعب من الأنقاض التي خلفتها الحرب، وساهمت في إعادة مئات العوائل إلى المدينة القديمة.

و"الدنبر" عبارة عن عربة نقل مواد إنشائية صغيرة استُعملت في هذه المناطق بسبب صغر حجمها وقدرتها على المناورة بين أزقة المدينة القديمة في الموصل. يذكر أن ثورة الدنابر توِّجت بأنها أفضل عمل تطوعي على مستوى الوطن العربي كونها أسهمت في إعادة عائلات نازحة عديدة بعد رفع الأنقاض من شوارع المدينة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مخلفات الحرب

ويوضح الناشط المدني، عضو في الفريق التطوعي زيد الويس أن "الصعوبات التي تعترض عمل الفريق تتمثل في وجود مقذوفات غير منفلقة، بعضها مكشوف والآخر تحت الأنقاض والنفايات".

وأضاف "عدد أفراد الفريق التطوعي لا يتناسب مع حجم المدينة، إذ نعمل في 6 أحياء فقط، نتعامل من خلالها مع كميات مهولة من النفايات بمختلف أنواعها مع بساطة الإمكانيات المتاحة، كما أن حجم الفريق لا يتناسب مع الدمار الذي لحق بالمدينة".

ويوضح الويس أنه وبحسب الإحصائيات، فإن "هناك أكثر من 40 ألف مبنى دُمرت بالكامل، مع تدمير شامل للبنية التحتية، ودمرت الحرب أيضاً نصف أحياء المدينة القديمة، ما يجعل كل الجهود المجتمعية غير قادرة على رفع مخلفات الحرب".


جهود للتخفيف من حدة التلوث

وأشار الناشط إلى أن "فريق (مثابرون للخير) ينفذ حملة كبيرة تحت شعار (بيئتنا حياتنا) خُصصت لرفع النفايات من محيط المراكز الحيوية وهي المدارس والمراكز الصحية والساحات العامة، في ستة أحياء سكنية، إلى جانب نصب الحاويات المخصصة لرمي النفايات، كما تتضمن الحملة تشجير المدينة وتثبيت جداريات توعوية".
إنقاذ الموصل من التلوث جعل الفريق يخطط لمشروع لإدارة النفايات في المدارس والجامعات، وقال الويس "إن الفريق سعى إلى توعية السكان على فصل النفايات لحماية البيئة من المخلفات غير قابلة للتحلل".
ثلاث سنوات مرت على تحرير المدينة العراقية ولا تزال بقايا الحرب شاخصة فيها، وعلى الرغم من كل العقبات وحجم الدمار، يصر أهلها على إعادة الحياة إلى "أم الربيعين".

بعدما نفضت غبار الحرب... الموصل تخوض معركة بيئية