العراق... هل يفرض الصدر حكومة علاوي بقوة الشارع؟
مع اقتراب موعد التصويت على التشكيلة الحكومية، وتلويح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر باستخدام الشارع مرة أخرى، تتزايد المخاوف من احتمالية أن يزج الأخير أتباعه في سياق حماية عملية التصويت، كما حصل في قضية حماية التكليف، عندما قامت "القبعات الزرق" التابعة للتيار الصدري بالاعتداء على المحتجين في الساحات، وتحديداً في ساحة التحرير وسط بغداد.
ويرى مراقبون أن تهديد الصدر بمليونية يأتي في سياق تهديد القوى السياسية الرافضة للحكومة.
"مليونية" 25 فبراير
ويستمر رفض المحتجين العراقيين حكومة محمد علاوي، فيما بدأوا بالتحشيد لمليونية تنطلق يوم 25 فبراير (شباط) للتعبير عن رفضهم اتفاقات الكتل السياسية والعودة إلى مرحلة التوافق.
وبحسب ناشطين، فإن التظاهرة المليونية التي يعدون لها سيشارك فيها محتجون من غالبية المحافظات، بعد دعوة ناشطين إلى محتجي المحافظات بالذهاب إلى بغداد للتعبير عن رفضهم.
في غضون ذلك، أعلن النائب الأول لرئيس البرلمان العراقي حسن الكعبي، أن موعد عقد الجلسة الخاصة بالتصويت على الحكومة سيكون الأربعاء المقبل، بعدما كان من المفترض أن تعقد الجلسة يوم الاثنين.
ولعل ما جرى من تأجيل لموعد الجلسة يأتي ضمن مساعي التوصل لاتفاقات بين القوى السياسية، ومحاولة إرضاء الكتل الرافضة للتشكيلة الحكومية، وأبرزها الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف القوى الوطنية.
في السياق ذاته، تفيد تسريبات بفشل المباحثات التي أجريت بين وفد من القوى الكردستانية وعلاوي في التوصل إلى نتائج إيجابية بشأن تشكيل الحكومة، فيما تشير التسريبات إلى احتمالية أن تجرى لقاءات أخرى في هذا السياق بغضون اليومين المقبلين.
اجتماع برلماني
ودعا رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي هيئة الرئاسة إلى عقد اجتماع يوم الاثنين، للنظر بالطلب المقدم لعقد جلسة استثنائية لتشكيل الحكومة الجديدة وتحديد موعد الجلسة.
وقال الكعبي إن "هيئة رئاسة مجلس النواب ستعقد صباح الاثنين اجتماعاً خاصاً لبحث المنهاج الحكومي لرئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي والسير الذاتية لمرشحي الحكومة الجديدة وفق النظام الداخلي والإجراءات المعمول بها في مجلس النواب".
وأضاف في بيان "من المؤمل أن يكون يوم الأربعاء المقبل موعداً لعقد جلسة مجلس النواب لمنح الثقة لحكومة علاوي، لا سيما أن المدة القانونية للتكليف شارفت على الانتهاء، ولم يعد هناك وقت كافٍ لحسم موضوع تشكيل الحكومة".
أما النائب الثاني لرئيس البرلمان بشير الحداد فقد كشف عن استمرار المفاوضات بين القوى الكردية ورئيس الوزراء المكلف، مشيراً إلى أنه "في حال عدم توصل الكتل الكردية لاتفاق معه، فإننا لن نحضر جلسة الاثنين في حال عقدت".
مخاطرة مستبعدة
في السياق ذاته، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إن "حماية التصويت على التشكيلة الوزارية تعد مخاطرة مستبعدة بالنسبة إلى الصدر، لكون القوى الرافضة لآلية اختيار الوزراء هي اتحاد القوى الوطنية والحزب الديمقراطي الكردستاني، وهما ممثلان قويان على مستوى المكونات المجتمعية"، مبيناً أن "فرض التصويت من قبل الصدر يعد مخاطرة بمعزل عن الوصول إلى مساحة مشتركة مع تلك القوى".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية" أن "فرض التصويت على التشكيلة الحكومية ستكون له مآلات حادة وقد يدفع اتحاد القوى لتطبيق فكرة إقليم السنة ويعطي المبرر لإقليم كردستان للسعي أكثر نحو الكونفيدرالية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورجح الشمري أن تكون رسالة الصدر بعدة اتجاهات، لكنها تستهدف بالدرجة الأساس البيت الشيعي داخل البرلمان، مشيراً إلى أن "الصدر يجد نفسه الأقوى برلمانياً والأكثر ثقلاً في الشارع العراقي، لذلك يحاول أن يتصدر البيت الشيعي".
ولفت إلى أنه "منذ لحظة التكليف وضع الصدر أتباعه بحركة مقابلة للحركة الاحتجاجية، وأصبحنا أمام مشهدين هما الحراك الاحتجاجي الرافض لتكليف علاوي والحركة الأخرى هي حركة سياسية بامتياز يقودها الصدر".
وأضاف "محاولات تقويض الحركة الاحتجاجية لن تنجح، ولن يكون لها تأثير كبير يؤدي إلى التراجع عن رفض حكومة علاوي".
فرض على القوى الشيعية
من جانبه، يرى الكاتب والصحافي سامان نوح أن "تهديد الصدر بمليونية هي محاولة ضغط على القوى التي يفترض أن تكون شريكة له في ترشيح علاوي وتحديداً تحالف الفتح الذي يبدو متردداً في دعم علاوي".
ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "الصدر يهدد بأنه في حال عدم التصويت لحكومة علاوي، فإن هناك موجة بشرية هائلة من الاحتجاجات ستحصل وقد تمتد إلى المنطقة الخضراء".
ويعتقد نوح أن "الصدر يحاول فرض شروطه، وإذا لم تلتزم بها الأطراف السياسية فإنه سيغير الطبقة السياسية بالاحتجاجات"، لافتاً إلى أن "خطوات الصدر موجهة إلى الشركاء الشيعة بالدرجة الأولى، لأن الكتل الشيعية تمثل أكثر من 50 في المئة من البرلمان، وهي قادرة على تمرير أي رئيس وزراء في حال التوافق عليه داخلياً".
ويتابع أن "هناك تسويات لمحاولة حسم تأييد تحالف الفتح ومحاولة استمالة بعض القوى الكردية والسنية".
ويكشف أن "القوى السياسية الكردية بدأت تتحدث عن مرونة في مسألة الوزراء الكرد وفق الاجتماع الذي عقد ليلة السبت، حيث يقول القادة الكرد إن علاوي بات أكثر تفهماً لموقفهم وربما يوافق على وزراء كرد بطريقة ما، لكن هذا الأمر لم يحسم بعد"، مشيراً إلى أن "هناك اجتماعاً سيعقد في اليومين المقبلين بهذا الخصوص".
ويرجح نوح، أن يكون تأجيل موعد التصويت على التشكيلة الحكومية مرتبطاً باستمالة الحزب الديمقراطي الكردستاني.
حكومة تكنوقراط مستقلة
في المقابل، قال مدير مكتب الصدر في بغداد إبراهيم الجابري إن "الاتهامات الموجهة للتيار الصدري بأنه يحاول الضغط باستخدام الشارع لتمرير الحكومة لمصالح خاصة هي كلام غير دقيق"، مبيناً أن "الصدر يحاول الضغط لتشكيل حكومة حقيقية مستقلة وتكنوقراط تدوم من أجل الشعب وليس للأحزاب، مقابل قوى سياسية لا تأبه لمعاناة الشعب العراقي".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "التلويح بالاعتصامات أمام بوابات المنطقة الخضراء سيكون في حال كانت التشكيلة الحكومية غير مطابقة لتطلعات المرجعية الدينية والشعب العراقي".
وتابع أنه "لا نية لفرض التشكيلة الوزارية بالقوة من قبل التيار الصدري، بل إن الحديث موجه لمن يبحث عن المحاصصة الطائفية من الأحزاب"، مردفاً "هناك مؤامرة خارجية ليبقى الوضع على ما هو عليه حتى يبقى الشعب بائساً وفقيراً".
وأشار الجابري، إلى أن "التيار الصدري يبحث عن مصالح العراقيين سواء من خلال علاوي أو غيره".
وعن الحديث حول محاولة حماية عملية التصويت على التشكيلة الوزارية، بيَّن الجابري أن "هذ الحديث غير سليم، فما زلنا نتظاهر في الساحات باسم أبناء الشعب وليس لكتلة أو تيار أو حزب معين".
الصدر والتحكم برئاسة الوزراء
إلى ذلك، قال الكاتب والباحث هشام الموزاني إن "واجب الصدر بعد ما عقده من التزامات أمام القوى السياسية الشيعية، هو حماية التشكيلة الوزارية المقبلة بأي وسيلة كانت سواء بالسلاح الأبيض كما حدث أثناء التكليف أو الزج بآلاف المحتجين من أتباعه حول المنطقة الخضراء للضغط على بقية الكتل لتمرير الوزارة".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "الصدر سيكون الرابح الأكبر فيما لو مررت حكومة علاوي، لأنه سيكون عملياً المتحكم برئاسة الوزراء".
وتابع أن "الصدر سيعمل على التكتيك الذي يستخدمه دائماً وهو زج أنصاره بحركة شعبية تُعرّف نفسها كحركة خارج مجموعته السياسية وأنهم مواطنون يطالبون بمطالب سياسية وليسوا أتباعاً له".
ولفت إلى أن "المحتجين يتحركون منذ عام 2011 بالضد من سيطرة التيار الصدري على الاحتجاجات، وهذا ما وضع الصدر في موقف محرج في الآونة الماضية، خصوصاً مع محاولاته استخدام الشارع لتحقيق مكاسب سياسية، آخرها حماية التشكيلة الحكومية".
في السياق ذاته، قال المدون والناشط علي طه إن "تغيّر مواقف الصدر إزاء الاحتجاجات هو لفقدانه السيطرة عليها، لوجود غالبية مدنية مستقلة تمثل جمهور المتظاهرين والمنتفضين".
وتابع أن "الصدر يتحرك بين الإصلاح غير المعرّف، وبين المعارضة البرلمانية والشعبية، ويحاول اللعب على كل هذه الحبال لأن لا رؤية لديه، فالتيار محصور برؤية الصدر نفسه وليس مؤسسة حقيقية تديرها عقول وأقطاب متعددة، ويعتمد على إيقاع رد الفعل الجماهيري تجاه تغريداته".
وأشار إلى أن "علاوي، مرشح مرضي عنه من قبل التيارات السياسية الشيعية المهيمنة، ونال قبولاً من التيار الصدري وإيران، ما يضمن سكوت جميع القوى الأخرى، وإن تكلمت بشيء من عدم الرضى سيكون روتينياً لا أكثر"، مبيناً أن "هذه العوامل تعني أن الصدر سينجح بحماية التصويت مع تزايد حدة الانتقادات والتذمر تجاهه، من قبل المحتجين".
وأوضح أن "ضغط القوى الكردية والسنية هو نوع من الابتزاز لتحصيل المغانم، خصوصاً أن أميركا غير معترضة على حكومة علاوي"، مردفاً "ما تفعله القوى السياسية هو جزء بسيط من مسلسل الانتحار السياسي".