لوحات صارخة لفنان إسباني أصمّ ألهم بيكاسو وسيزان
تأثر كثير من الفنانين بالأحداث السياسية والاجتماعية التي عاصروها وشكلت علامات فارقة في تغيير مسار بلدانهم، فحاولوا من خلال أعمالهم نقل صور وحالات وأحداث وقعت في مجتمعاتهم، أو حتى معاناتهم الإنسانية الخاصة، ولا سيما أن كثيرا منهم كان منبوذا من مجتمعه.
بدايات غويا
وتمر هذا الشهر ذكرى ميلاد الفنان الإسباني فرانشيسكو دي غويا، أحد أهم هؤلاء الفنانين الذين تأثروا بالواقع المحيط بهم وظهر ذلك جليا في أعمالهم، فقد ولد غويا في مارس/آذار عام 1746 في فوينديتودوس، وهي بلدية تقع في مقاطعة سرقسطة التابعة لمنطقة أراغون شمال شرق إسبانيا، وترعرع في كنف عائلة ريفية بسيطة، وعمل مع إخوته في الزراعة كسائر الفلاحين الإسبان.
ظهرت مواهبه الفنية في وقت مبكر، وبسبب عدم توفر القدرة المادية لدى عائلته، استخدم غويا الفحم المتبقي من فروع الأشجار المحترقة، وخط رسومه على الجدران والأحجار.
كانت بداياته عادية جدا كحال كثير من الفنانين، إذ بدأ تعلم مبادئ الرسم وأساسياته في مدرسة “بيوس” الصغيرة في سرقسطة، وانتقل فيما بعد إلى روما، حيث حاول الالتحاق بالأكاديمية الإسبانية الملكية عدة مرات، لكن محاولاته باءت بالفشل.
رسام البلاط الملكي
بعد كفاحه لتأسيس نفسه، لاقى نجاحا أثناء الدراسة والرسم تحت إشراف رسام يدعى “فرانشيسكو بايو إي سوبياس”، وقد ساعد عمله في مصنع النسيج الملكي على تطوير حياته المهنية، فقد رسم العديد من الرسوم الكاريكاتيرية المستوحاة من الحياة اليومية، كما استخدم العديد منها لتزيين قصرين من القصور الملكية الإسبانية.
جمالية أعماله كانت تكمن في واقعيتها، لدرجة جعلته من أهم فناني البلاط، فقد أصبح غويا رسام الأسرة الحاكمة عام 1799، غير أنّ راتبه الملكي المرتفع آنذاك لم يمنعه من نقد فسادها وضعفها وعلاقتها بالكنيسة، وتظهر لوحته الشهيرة “الملك كارلوس الرابع وعائلته” -التي أنجزها عام 1800- نقدا كبيرا للأسرة الحاكمة، إذ وضع الملكة وسط اللوحة، في إشارة منه إلى أنها مركز القوة، ورسم خلفية مظلمة، للتدليل على الغموض الذي يحيط بالأسرة الحاكمة.
ما لبث غويا أن بدأ ينقل ظلم محاكم التفتيش وانعدام العدل في مجتمعه، وكانت فكرة سطوة الملكية والكنيسة واضحة جدا في أعماله، خاصة بعدما رسم مجموعة لوحات نقدية حملت عنوان “النزوات”، وهي عبارة عن سلسلة من 82 نقشا أنتجها ما بين عامي 1801 و1802، صور فيها الانتهاكات التي كانت ترتكب في وقته.
الثورة على الفرنسيين
كانت ثورة “3 مايو/أيار 1808” من أبرز الأحداث التي عاصرها غويا، عندما هاجم القائد الفرنسي نابليون بونابرت إسبانيا، وقتل مع جيشه كل إسباني اعترض طريقه، بعدما رفض الشعب الإسباني تحالف حكومتهم مع فرنسا.
قدم غويا مجموعة لوحات لامس فيها الوجدان الإنساني وصور انتصار شعبه على أعدائه، ووصفت لوحتا 2 و3 مايو/أيار (عدوان المماليك) أحداث الثورة، فتوضح اللوحة الأولى ثورة البلاط الملكي بينما توضح الثانية دفاع الجنود ضد الفرنسيين.
رجل اللوحات السود
بعد إصابته بالصمم ودخوله في حالة من الاكتئاب المزمن، وتحديدا في الفترة بين عامي 1820 و1823، تقاعد غويا في بلدته الصغيرة وأقام في منزله الذي أطلق عليه اسم “كينتا ديل سوردو” أو منزل الرجل الأصم.
وخلال إقامته الطوعية في بيته، رسم 14 عملا سميت بمجموعة “اللوحات السوداء”، وكان من أشهرها لوحة “زحل يأكل أبناءه” التي صوّر فيها زحل (إله الزمن عند الرومان) وهو يأكل أحد أبنائه، لأنه سمع نبوءة تقول إن ابنه سوف يطفئه، ولمنع حدوث ذلك كان يأكل زحل أولاده بمجرد ولادتهم.
توفي غويا يوم 16 أبريل/نيسان 1828 في بوردو الفرنسية، بعد أن ترك لنا أعمالا سلطت الضوء على بشاعة ووحشية الإنسان، وتركت تأثيرا ملحوظا على أعمال فنانين آخرين، أبرزهم بيكاسو وسيزان ومونيه.
مرتبط