العراق... مساعي إيجاد رئيس حكومة "توافقي" تصطدم بعوائق عدة
تستمر الحوارات السياسية بين الكتل البرلمانية حول رئيس الوزراء المقبل، ويبدو أن الخلافات السياسية وتحديداً بين القوى الشيعية، تمثل العائق الأكبر أمام تلك المساعي، في حين يرى مراقبون أن أبرز الملفات التي يعتمد عليها الاتفاق على الحكومة المقبلة، هي مستقبل "الحشد الشعبي" وضمان تمثيل الكتل السياسية في التشكيلة الحكومية المقبلة.
ولعل مساعي إعادة ترميم البيت الشيعي تأتي للتوفيق بين القوى الشيعية الرئيسة، للوصول إلى توافقات حول شخصية جديدة لمنصب رئيس الوزراء، في ظل اتساع الخلافات بين القوى الرئيسة فيه، بعد فشل إمرار حكومة علاوي في البرلمان العراقي.
بينما تفيد تسريبات بطرح تسعة أسماء يجري البحث بشأنها بين القوى الشيعية الرئيسة، لم يُكشف عنها حتى الآن، في وقت يرجح نواب أن تتوصل هذه القوى لاتفاق حول المرشح المقبل قبل انتهاء المدة الدستورية.
وتشير التسريبات إلى أن القوى الشيعية الرئيسة وهي كتل "سائرون" و"الفتح" و"دولة القانون" و"الحكمة" و"النصر"، قد تُخضع المرشحين للتصويت داخلها، ومن يحظى بأعلى عدد من الأصوات يُرشح للمنصب.
خلافات بين الزعامات
وفي غضون ذلك، عزا النائب عن كتلة "صادقون"، أحمد الكناني تعثر تشكيل الحكومة، إلى الخلافات الشخصية بين الزعامات السياسية، داعياً إلى "وضع الخلافات جانباً والاتفاق على شخصية مقبولة لتقود المرحلة المقبلة".
وقال الكناني في تصريح صحافي، إن "المرحلة الحالية تعتبر مفصلية وحيوية للعملية السياسية، باعتبار أنها تواجه تحديات كبيرة جداً، وأي حل سياسي إيجابي سيبعدها عن التدخلات الخارجية وتعقيد المشهد السياسي العام".
وأضاف "أغلب الزعامات السياسية تتصرف وفق مزاجيات معينة، وهذا ليس في صالحنا".
انتهاك للدستور
أما النائب عن تحالف "الفتح" وليد السهلاني فقال في تصريحات صحافية، إن "رئيس الجمهورية يعقد لقاءات جانبية وحوارات مع الكتل السياسية للاتفاق على مرشح رئاسة الوزراء بتراضي الكتل السياسية"، مشيراً إلى أن "الخطوة التي يسير بها رئيس الجمهورية غير صحيحة وانتهاك للدستور".
وبيَّن أن "مرشح رئاسة الوزراء يجب أن يخرج من الكتلة الأكبر وتقدمه لرئيس الجمهورية"، لافتاً إلى أن "تحالف البناء لا يزال هو الكتلة الأكبر واختيار مرشح رئاسة الوزراء يجب أن يُقدم من قبله".
ملفات فساد وإرهاب
وفي السياق ذاته، رأى الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي أن "أحد المعوقات التي تقف في طريق التوصل لاتفاقات حول الحكومة المقبلة هي المخاوف من فتح الملفات العالقة في ما يتعلق بالفساد والإرهاب بطريقة مستقلة وحيادية، ما يشكل خطراً على القوى السياسية الأساسية"، مشيراً إلى أن "التقارير حول قضايا الفساد باتت موثّقة في الخارج وليس في الداخل العراقي فحسب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "القوى السياسية باتت تدرك أن إعادة إنتاج نفسها مرة أخرى ضرب من الخيال ولم تعد مقبولة محلياً وإقليمياً ودولياً".
وعن إمكانية أن يكون ملف مستقبل "الحشد الشعبي" أحد المعوقات أمام التوصل لاتفاقات حول الحكومة المقبلة، بيَّن الشريفي أن "البحث عن ضمانات بما يتعلق بالحشد أمر رئيسي، بحيث أن الملف بيد إيران ولا يقف عند رؤى وتطلعات قيادات عراقية"، مردفاً أن "عدم توفير علاوي لضمانات بهذا الإطار هو الذي أطاح به".
ولفت إلى أن "إبقاء الحشد الشعبي قوياً ومتفوقاً على بقية المؤسسات هو الملف الأبرز الذي يعيق التوافق حول شخصية رئيس الوزراء المقبل".
تقاسم المناصب
في حين يرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن "قضية القلق من عدم التواجد في السلطة التنفيذية وتقاسم المناصب هو العائق الأبرز حول تشكيل الحكومة المقبلة".
ويوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "مطالب المحتجين لم تعد إحدى معرقلات التوافق، إذ كانت غالبية القوى السياسية الشيعية داعمة لبقاء حكومة عبد المهدي حتى مع استمرار عمليات القتل".
ويلفت إلى أن "التوافق على الحكومة المقبلة داخل البيت الشيعي بات مرتبطاً بترشيح شخصية مقبولة من قبل تحالف سائرون من جهة والمالكي والعامري من جهة أخرى"، مبيناً أن "ثقل المالكي السياسي والبرلماني عاد مرة أخرى وهذا يجب أن ينتهي إلى توافق".
ويستبعد الشمري أن تشكّل ملفات "الحشد الشعبي" وإخراج القوات الأميركية عائقاً أمام اختيار شخصية رئيس الوزراء المقبل، مرجحاً "ترحيل تلك الملفات إلى الحكومة التي تتشكل بعد الانتخابات المبكرة".
ويشير إلى أن "ملف قتل المحتجين هو أحد العوائق التي تقف بطريق التوافق على شخصية رئيس الوزراء المقبل"، مبيناً أن "القوى السياسية قد تمضي في إطار تحقيق ما يمكن من مساءلة بعض الشخصيات غير الرئيسة من المستوى الثالث".
ويعتقد الشمري أن "تنجح القوى السياسية خلال الفترة المقبلة باختيار شخصية لمنصب رئيس الوزراء لأنها بحاجة لإنهاء هذه الأزمة السياسية"، لافتاً إلى أن "استمرار عبد المهدي بمنصب رئيس وزراء تصريف أعمال قد يعيد زخم التظاهرات مرة أخرى، ويجعل هذه القوى في مواجهة الشارع".
حكومة إدارة أزمة
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية في إحدى الجامعات أياد العنبر إن "أمام القوى السياسية احتمالين، إما التفكير بحلول لتجاوز الأزمة ويجري من خلالها الاتفاق على إمرار مرشح قادر على حفظ التوازنات وإقناع الشارع بخطوات معينة، وفق تعهدات بإجراء انتخابات مبكرة، أو حصول كسر إرادات بين القوى السياسية بعد إفشال حكومة محمد توفيق علاوي، ما قد يتسبب بصراع داخل الأطراف المعنية وصعوبة التوصل إلى اتفاقات حول البديل".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "في ما يتعلق بقضية الحشد الشعبي فهناك محاولة للحصول على ضمانات للحفاظ على قانون الحشد في الموازنة، وأن الخلافات المستقبلية على هذا الملف ستكون قانونية وليست سياسية".
وأشار إلى أن "مطالب المحتجين لم يتم التطرق لها في سياق الحوارات حول الحكومة المقبلة عدا قضية الانتخابات المبكرة"، مرجحاً أن تكون الحكومة المقبلة حكومة إدارة أزمة وظيفتها إتمام ملف الانتخابات المبكرة فقط.
"البندقية" ترشّح
أما الباحث والأكاديمي باسل حسين فيعتقد أن "نقاطاً خلافية عدة تعيق عملية التوصل إلى اتفاق حول رئيس الوزراء، أهمها الخلاف الشيعي - الشيعي الذي بات واضحاً بعد غياب سليماني والمهندس".
ويوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "الانشغال الإيراني الداخلي سواء بانتشار وباء كورونا أو بالمشاكل الداخلية والحصار، ربما أسهمت في تقليل التأثير الإيراني في القوى الموالية لها ما أدى إلى تعمق الخلافات".
ويشير إلى أن "للشارع المنتفض دوراً كبيراً في تعقيد مسألة الخيارات السياسية، ولا تزال الكتل السياسية تتخوف من رد الفعل على خياراتها المستقبلية".
ويلفت حسين إلى أنه "حتى الآن لا طرح جدياً لمسألة الحشد الشعبي، لأن البندقية هي التي ترشح رئيس الوزراء المقبل"، مستبعداً "ترشيح رئيس وزراء مستقل بعيد عن أجندة الحشد نظراً لسيطرة الميليشيات على القرار السياسي والأمني والعسكري".