انخفاض أسعار النفط يهدد الاقتصاد العراقي بـ"الانهيار"
يبدو أن عام 2020 هو عام للانهيار الاقتصادي على المستوى العراقي. فمع استمرار الاحتجاجات العراقية التي يرى خبراء أن محركاتها الرئيسة اقتصادية، مروراً بانتشار فيروس كورونا وصولاً إلى هبوط أسعار النفط إلى أدنى حد لها منذ عقود، يبدو أن الاقتصاد العراقي سيواجه صعوبات كبيرة قد تصل إلى "الانهيار وعدم القدرة على تسديد رواتب موظفيه"، في ظل الاعتماد شبه المطلق على النفط وعدم توافر بدائل اقتصادية ترفد موازنته العامة.
وشهدت أسعار النفط انخفاضاً كبيراً في الأيام الماضية، حيث وصلت عقود خام "برنت" إلى أدنى مستوى لها منذ فبراير (شباط) 2016، لكنها عادت اليوم للارتفاع بنسبة 8.3 في المئة إلى نحو 37 دولاراً للبرميل، ما قد يشكل مخاطر وتحديات كبيرة للاقتصاد العراقي، حيث حدد العراق سعر النفط في الموازنة العامة لعام 2020 بنحو 56 دولاراً للبرميل، مع عجز مقرر في الموازنة يصل إلى حدود 40 مليار دولار، وهذا يعني أن العجز سيرتفع إذا استمرت أسعار النفط بهذه الحدود.
ويتخوف العراقيون من احتمال تخفيض رواتب الموظفين أو اتخاذ سياسة الادخار الإجباري، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، فيما يرجح مراقبون أن اتخاذ سياسات كهذه قد يوسع دائرة الاحتجاجات ويفاقم الأزمة.
"المالية البرلمانية" وتوقعات الانهيار.
في غضون ذلك، كشفت اللجنة المالية في البرلمان العراقي، عن أن انهيار أسعار النفط يؤدي إلى انهيار الاقتصاد العراقي، فيما استبعدت أن تكون رواتب الموظفين في خطر، في حين يرى خبراء اقتصاديون أن هذا الانخفاض قد يؤدي إلى تخفيض رواتب الموظفين وعدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها.
في السياق ذاته، قال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي أحمد حمة رشيد، "إننا نستبعد أن تكون رواتب الموظفين في خطر، أي أن يتم تقليصها أو عمل ادخار إجباري لها، على الرغم من الانخفاض الكبير في أسعار النفط".
وأضاف في تصريحات صحافية، "مع كل دولار ينخفض من سعر البرميل الواحد، يخسر العراق ما يقارب مليار دولار"، لافتاً إلى أن "النفط حالياً انخفض بما يقارب 20 دولاراً عن السعر الموجود في الموازنة، ما يعني خسارة 20 مليار دولار".
وأشار إلى أن "المهم في الأمر ليس رواتب الموظفين واجبة الدفع، فهناك ديون واجبة الدفع وجولات تراخيص، فالعراق بحاجة إلى 80 مليار دولار، لكي يسدد ما هو واجب الدفع، فلا نعرف من أين سيحصل على أموال كهذه؟".
انخفاض مؤقت
فيما أكد المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، أن "انخفاض أسعار النفط مسألة وقتية، ونحن وضعنا خطة قصيرة الأمد، خصوصاً أن موازنة العراق تعتمد على إيرادات النفط بأكثر من 93 في المئة"، فيما أشار إلى أن "هناك مخاوف حقيقية من هذا الانخفاض".
وقال في تصريحات صحافية إن "الحكومة العراقية، ستعمل على معالجة هذا الأمر من خلال تقليل المصروفات من أجل توفير رواتب الموظفين".
ولفت إلى أن "تأمين الرواتب من صلب مهام الحكومة، ولا توجد أي مخاوف من قطع الرواتب أو استقطاع نسبة منها بسبب انخفاض أسعار النفط، فالحكومة مستعدة لإيقاف كل شيء من أجل تأمين الرواتب".
كارثة اقتصادية
إلى ذلك، قال الاختصاصي الاقتصادي ماجد الصوري إن "ما يجري من انخفاض في أسعار النفط سيؤدي إلى كارثة اقتصادية في البلاد"، مبيناً أن "سوء الإدارة المالية والاعتماد على النفط في تمويل النفقات التشغيلية والاستثمارية، فضلاً عن المحاصصة التي تصل إلى كل المواقع الوظيفية، عوامل أدت إلى التضخم الإداري وزيادة النفقات التشغيلية".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "اللجوء إلى الحلول غير المنطقية والمستعجلة والتي جرت نتيجة الاحتجاجات، أدى إلى زيادة التضخم في النفقات التشغيلية وأعباءً مالية إضافية، خصوصاً في التعويضات والرواتب. وهذا أدى إلى زيادة بنحو 10 مليارات دولار، ما أوصل النفقات السنوية على الرواتب والتعويضات إلى حدود 56 مليار دولار".
وبين أنه "عندما كانت أسعار النفط بين 56 و60 دولاراً للبرميل، كانت حصة هذه النفقات أكثر من 80 في المئة من الموازنة العامة"، لافتاً إلى أن "هذا يمنع عملية التنمية ويؤدي إلى تفاقم مشكلة الكهرباء والبطالة والفقر وتضخم المشاكل الاجتماعية إلى درجة كبيرة جداً".
عجز إضافي في موازنة 2020
وعن انعكاسات ارتفاع أسعار النفط على العجز المقرر في موازنة العراق، بيَّن الصوري أن "العجز المقرر في موازنة عام 2020 كان بحدود 40 مليار دولار، وهذه مخالفة قانونية صريحة لقانون الإدارة المالية والدين العام، لكن مع انخفاض أسعار النفط واحتمالية استمرار هذا الانخفاض إلى حدود أربعة أو خمسة أشهر، سيكون العجز بحدود 75 مليار دولار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت إلى أن "سوق الاقتراض محدود أمام العراق في الوقت الحالي نتيجة الفساد الإداري والمالي"، مبيناً أن "مؤتمر الكويت الذي وصل إجمالي ما قدم فيه من أموال إلى حدود 32 مليار دولار، لم يصل منها دولار واحد للعراق بسبب الفساد".
وتابع أنه "منذ عام 2003 وحتى الآن لا وجود لحل جذري ومنطقي للمشاكل التي يعاني منها العراق، والسبب في ذلك الإدارة المالية السيئة وغير الرشيدة وعدم وجود استراتيجية اقتصادية واضحة".
تعثر في رواتب الموظفين
من جانبه، قال أستاذ السياسة المالية في جامعة بغداد إحسان جبر إن "الإشكال الذي يواجهه العراق هو أنه قام باحتساب سعر برميل النفط في موازنة 2020 بحدود 56 دولاراً، وهذا لا يمكن تأمينه نظراً للانخفاض الحاد بأسعار النفط"، مبيناً أن "الحكومة العراقية كانت متفائلة بأنه سيتم سداد هذا العجز مع ارتفاع أسعار النفط".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "الاقتصاد العراقي هو الأكثر تأثراً في منظمة أوبك نتيجة هذا الانخفاض، لعدم وجود تنوع في مصادر الاقتصاد أو احتياطيات كبيرة، فضلاً عن عدم وجود استثمارات أو صندوق سيادي"، مشيراً إلى أن "الحكومة ستلجأ إلى الاقتراض الداخلي والخارجي لسد النقص الحاصل في الموازنة".
وتابع أنه "لا وجود لفائض في موازنة 2019 نتيجة الإنفاق في فترة الاحتجاجات وتوزيع أموال على الضمان الاجتماعي وتوفير وظائف إضافية"، مرجحاً أن تشهد السنة الحالية "تعثراً في تسديد رواتب الموظفين".
وعن تأثيرات إغلاق المنافذ الحدودية وانخفاض أسعار النفط على الاقتصاد المحلي، بيَّن جبر أنه "سيؤدي إلى ركود وتضرر في القطاع الخاص، فضلاً عن زيادة أسعار السلع الاستهلاكية".
وختم أنه "في ظل المنظومة السياسية لا يمكن أن يحصل أي تنويع لمصادر الاقتصاد العراقي، ومن الصعب إصلاح الوضع الاقتصادي للبلاد".
عام مزرٍ اقتصادياً
وقال الباحث في الشأن الاقتصادي حسن الأسدي إن "ما حدث من انخفاض في أسعار النفط كان مشكلة إضافية، لأن موازنة 2020 لم تقر بسبب موجة الاحتجاجات والانتفاضة، فضلاً عن انعكاس أزمة فيروس كورونا على الاقتصاد العراقي، حيث تسببت بتقليل التبادل التجاري الكبير بين العراق وجيرانه وتحديداً إيران"، مبيناً أن "العراق سيشهد وضعاً مزرياً نتيجة الاعتماد على النفط بشكل أساسي".
وأشار إلى أن "رواتب الموظفين تكلف شهرياً قرابة 3 مليارات دولار، وهذا المبلغ لن يستطيع النفط تأمينه في ظل هذا الانخفاض الكبير، وسيحتاج العراق إلى الاحتياطي النقدي لسد التزاماته".
وبيَّن أن "الاعتماد على الاحتياطي النقدي لفترة طويلة قد يؤدي إلى مشاكل اقتصادية مستقبلية كبيرة، ويتأثر بها سعر صرف الدينار فضلاً عن احتمال تخفيض درجة العراق الائتمانية".
وتابع أن "عام 2020 لن يكون عاماً اقتصادياً واعداً كما قالت الحكومة المستقيلة من ناحية الإعمار، ولن تشهد البلاد تنمية حقيقة في حال عدم تقليل الاعتماد على النفط وتنويع المصادر ودعم القطاع الخاص بشكل حقيقي"، مشيراً إلى أن "هذا الوضع الاقتصادي السيء سينعكس على حياة المواطنين بشكل مباشر ما قد يحفز احتجاجات أكبر".
زيادة زخم الاحتجاجات
في الإطار السياسي، رأى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أنه "على الرغم من إعلان الحكومة أنها أمنت الرواتب لكنها قد تضطر إلى الاستدانة، مع وجود عجز مالي كبير قد يعطل الحياة"، مبيناً أن "استمرار هذا المستوى من أسعار النفط سيدفع شرائح عدة من المجتمع إلى الاشتراك بالاحتجاج إذا خفضت الحكومة الرواتب أو أقدمت على سياسة الادخار".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "حتى في حال تشكيل حكومة جديدة فإنها ستواجه تحديات كبرى في هذا الإطار".
وأشار إلى أن "جذور انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) اقتصادية مرتبطة بسوء الإدارة والفساد وزيادة نسب البطالة والفقر ونقص الخدمات"، مردفاً "منهج المحاصصة لا يزال متحكماً بالوضع السياسي، وهذا يقلل من آمال الحلول الاقتصادية، بالتالي ستتفاقم التظاهرات إلى حين إصلاح النظام السياسي".