اخبار العراق الان

عندما نكون في عصر كورونا..

عندما نكون في عصر كورونا..
عندما نكون في عصر كورونا..

2020-03-30 00:00:00 - المصدر: الحرة


أتذكر دائما عندما كنت أغادر المنزل أولا، ثم مدينة أربيل باتجاه مدينة الموصل لتغطية المعارك ضد تنظيم داعش، إلى حين اجتياز نقاط التفتيش المتعددة، كنت أشعر بنوع من الأمان حتى الوصول إلى الخطوط الأمامية.

كانت نصائح العائلة وحتى الأصدقاء وزملاء العمل بتجنب المخاطر والابتعاد عن مواقع المعارك والاشتباكات.

ورغم التكتيكات العديدة التي كان يستخدمها أعضاء داعش ومواجهة الموت أكثر مرة وثم التعرض للإصابة في الجانب الأيسر من المدينة بعبوة ناسفة رميت علينا بطائرة مسيرة من تنظيم داعش، والإصابة كانت كبيرة، إلا أنها باعتقادي أهون من العمل في أجواء انتشار فيروس كورونا.

قد يسأل البعض: لماذا؟.. ببساطة كنا نعرف أماكن العدو وكيف نحمي أنفسنا ونستخدم وسائل الحماية. وحتى عندما أصبت شاهدت الجميع التفوا حولي من زملاء المهنة والكوادر الطبية، لحين إيصالي إلى إحدى المستشفيات العسكرية قرب الموصل وبعدها إلى أربيل.

لاحظت وقتها اهتماما كبيرا من الكوادر الطبية، جعلني أنسى وجع وألم إصابتي.

بقيت ثمانية أيام في المستشفى، وجميع أفراد عائلتي والأقرباء والأصدقاء من حولي وهم يأتون كل يوم بباقات الورود ويطمئنون على صحتي.

كان الحال كذلك في المنزل، حتى تماثلت للشفاء التام.

لكن إن أصبت بكورونا فسأكون لوحدي والجميع سيتحاشون الاقتراب مني، وربما سأكون سببا في وضع جميع أفراد عائلتي في الحجر الصحي الإجباري بأحد المشافي وتحت إشراف الأطباء، وقتها لا زيارات ولا باقات ورد!

الآن في حالة كورونا، صحيح أن عائلتي في الحجر الصحي المنزلي الإجباري بعد فرض حظر التجوال منذ منتصف شهر مارس، وهم أصبحوا حبيسي جدران المنزل ولم يغادروه، لكنهم يمارسون حياتهم في المنزل بشكل طبيعي. وفي المقابل كلما أتوجه إلى العمل يقولون لي: نحن لا نخرج لكي لانصاب بالفيروس ولكن نخشى أن تأتي أنت لنا به. 

أحاول إبعاد ابني الصغير عني قدر المستطاع، في وقت كان يأتي ويتمدد في حضني عند الإصابة في تغطية حروب الموصل.

الآن عندما أعود للمنزل يطلبون مني التوجه فورا إلى الحمام لأخلص نفسي من العدو الخفي كورونا، إن وجد، حتى لا ينتشر في المنزل.

أما في المكتب فحدِّث ولا حرج من كثرة الإجراءات الاحترازية، إذ يجب أن تكون أكثر حذرا، ورائحة المعقمات تفوح من كل شيء مع أنه إجراء صحي وفي صالحنا، ولا نعرف إذا لامس أحد زملاء العمل أو اختلط مع أحد حاملي الفيروس، لذلك علينا الحيطة والحذر.

وحتى عندما نذهب لإجراء مقابلة أو لتصوير تقرير، ونتجول في الشوارع الخالية ولا نشاهد إلا قوى الأمن وبعض المارة هنا أو هناك، ننظر إلى بعضنا البعض ونقول: "أي عدو هذا الذي تمكن من إفراغ الشوارع وتحويل المدن إلى مدن أشباح، وجعل من أعدادا هائلة من الناس حبيسة المنازل"، وقتها نشعر بخوف أكبر.

قبل أيام، عندما ذهبت إلى أمام قلعة أربيل الأثرية بوسط المدينة وفي متنزه شار المكتظ سابقا بالمواطنين وزوار المدينة، لتسجيل الفقرة الختامية لأحد تقاريري، شعرت بقشعريرة خوف تنتابني وأنا أضع الكمامة والكفوف، لم أجد أحدا سوى طيور الحمام، وقد غاب عنها المواطنون الذين اعتادت استئناسهم، وشاهدتها وكأنها تشعر بالغربة وسط هذا الصمت المخيم على المدينة.

غابت ضوضاء الناس وضجيج مركباتهم وعربات الباعة المتجولين قرب المتنزه، أو أصوات مطارق الإسكافيين التي تصلح أحذية المارة المتشققة من كثرة التجوال، وقهقهات كبار السن من بائعي السبحة، أو نداءات ذلك اللاجئ السوري بائع شراب "العرق سوس" و"التمر هندي" ومحاولاته إقناع زبائنه بشرائها، أو أحاديث العائلات القادمة من وسط وجنوب البلاد للاستمتاع بجمال قلعة أربيل وسوق القيصرية الشعبي وهم يتلقطون الصور التذكارية.

حاليا.. عندما نتصل بمتحدث نطلب منه باستحياء أن يسمح لنا بزيارته لتسجيل تصريح أو لقاء تلفزيوني معه، نتلعثم في الكلام ونحن نحاول إقناعه بأننا نتبع التعليمات الصحية للوقاية من فيروس كورونا، بغرض منحه الطمأنينة. بعضهم يتعذر ولكن بأسلوب يكشف أنه يتحاشى اللقاء خوفا من الفيروس، فيقول، مثلا، إنه ترك منزله ويقيم حاليا بمنزله الريفي، أو غيره من الأعذار،  من قبيل أن لاجديد لديه، أو أنه غير مهيئ للظهور على الشاشة، حتى يجنب نفسه اللقاء.