العراق... تحديات صعبة وتنازلات محتملة تعترض إمرار حكومة الكاظمي
تنتظر رئيس الوزراء العراقي المكلّف مصطفى الكاظمي مهمةً شاقة، فبعد حصوله على تأييد معظم الكتل السياسية لتكليفه، عليه أن يحظى بأصوات نوابها تحت قبة البرلمان في جلسة التصويت على منح الثقة للتشكيلة الوزارية التي سيقدمها، وذلك على خلفية صراعات كبيرة حصلت مع المكلّفَين السابقَين محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي حول ملفات عدة أدت إلى اعتذارهما.
ولعل أبرز ما يسهم في وصول المرشحين إلى إجماع سياسي، هو تقديم ضمانات للقوى السياسية بالحفاظ على مصالحها، فضلاً عن منحها حصصاً في التشكيلة الحكومية، أو ما تصفه تلك القوى بـ "استحقاقها الانتخابي" الخاص.
وحصل الكاظمي على جرعة دعم لمهمته اليوم، إذ اتفقت الكتل الشيعية على إعطائه حرية اختيار تشكيلته الحكومية، بعد اجتماع في منزل زعيم ائتلاف "الفتح" هادي العامري وبحضور الكاظمي نفسه، وزعيم "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي، ورئيس "ائتلاف النصر" حيدر العبادي، وزعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم، وممثل تحالف "سائرون" نصار الربيعي.
ملفات عدة أمام الكاظمي
ويبدو أن ملف الحصص الوزارية هو الحاضر الدائم في مفاوضات تشكيل الحكومات العراقية السابقة، إلا أن تطورات المشهد العراقي أفرزت أولويات أخرى أمام القوى السياسية، أبرزها تقديم ضمانات للقوى القريبة من إيران، وتحديداً تلك التي تملك أذرعاً مسلحة، بعدم الاصطدام بمصالحها. وتُعدّ هذه المحطات أساسيةً في مسارات تشكيل الحكومة، وساهمت في السابق بإفشال الزرفي على خلفية مخاوف القوى القريبة من إيران من إمكانية قيامه باستهدافها.
وعلى الرغم من إعلان الكاظمي أن حكومته ستكون "خادمةً للشعب وتعمل على حصر السلاح بيد الدولة"، ما يعطي انطباعاً بأنها رسالة للميليشيات الموالية لإيران، فضلاً عن حصوله على دفعة دعم قوية في الشارع العراقي بعد وقوف فصائل مسلحة موالية لإيران ضد تكليفه في المرات السابقة، واعتبارها أن ذلك سيتسبب بـ"إحراق البلاد". إلا أن ذلك الموقف الحاد بدأ بالتلاشي بعدما دعمت الكتل القريبة من إيران تكليف الكاظمي أخيراً، ما أعطى انطباعاً عن حدوث تفاهمات سبقت هذا التكليف.
ولعل ما يعقد المشهد السياسي هو أن ناشطين في حركة الاحتجاج العراقية بدأوا حملةً على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى عودة التظاهرات بعد انتهاء أزمة فيروس "كورونا"، ما يظهر أن الكاظمي لا يحظى بدعم صريح من المحتجين.
صلاحية اختيار التشكيلة
في غضون ذلك، أكد النائب عن تحالف "الفتح" مختار الموسوي أن التحالف "سيمنح رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي صلاحية اختيار وزراء حكومته بكل حرية للخلاص من هيمنة تعيين الوزراء".
وتابع أن "الأحزاب الكبيرة في البرلمان هي مَن شكلت حكومة عبد المهدي وهيمنت على كل مفاصل الدولة أفقياً وعمودياً"، مشيراً إلى أن "تحالف الفتح لا يريد الخوض في التجربة ذاتها التي رافقت تشكيل حكومة عادل عبد المهدي على أساس المحاصصة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن "نسبة المحاصصة في حكومة الكاظمي ضئيلة جداً قياساً بحكومة عبد المهدي المستقيلة".
أما تحالف "سائرون" الذي أعلن في أوقات سابقة تخليه عن حصصه الوزارية، فأكد أنه "لن يصوت على تمرير أي وزير من الحكومة المستقيلة برئاسة عادل عبد المهدي، في حال إعادة ترشيحها في تشكيلة مصطفى الكاظمي".
وقال النائب عن "سائرون" جواد الموسوي في بيان، إن "تشكيلة المستقيل عادل عبد المهدي يجب ألا تشرك نفسها بأي طريقة في حكومة المكلف مصطفى الكاظمي، كونها أخذت فرصتها الكاملة ولم تحقق أي إنجاز ملموس، والجميع يقر بهذا الشيء". وأضاف "لن نصوت على أي شخصية شغلت منصباً وزارياً في حكومة عبد المهدي".
وعلى الرغم من إعلان التنازلات عن الحصص الوزارية، إلا أنّ مراقبين يرون أن الكتل السياسية ستستمر بمحاولة الحصول على حصص وزارية بشكل غير مباشر عن طريق ترشيح مستقلين قريبين منها، فيما يرجحون أن تضغط القوى الكردية للحصول على مناصب وزارية وتحديداً وزارة المالية، ما قد يدفع كتلاً أخرى إلى التمسك بـ"حصصها" في الحكومة المقبلة.
طهران وإدارة مرحلة الخسارة
ويعتقد الباحث الأكاديمي باسل حسين أن "العوامل الداخلية المؤثرة على قضية القبول بالكاظمي تعتمد على اللاعبين الإقليميين في تحديد مساراتها، لأن معظم القوى السياسية تأتي قراراتها من الخارج"، مرجحاً تمرير القوى الشيعية للكاظمي في حال لم ترفضه إيران. وأضاف أن "إيران تريد رئيس وزراء متوازناً بالعلاقة مع أميركا لإيصال رسائل طمأنة لها بما يتعلق بالعراق".
وأشار إلى أنّ "إيران تحاول إدارة مرحلة خسارتها في العراق، فضلاً عن كون الوضع العراقي لا يحتمل أن يكون رئيس الوزراء المقبل قريباً من طهران كما حصل مع عبد المهدي".
واستبعد حسين أن تعطي القوى السياسية للكاظمي حرية اختيار تشكيلته الحكومية، مبيناً أن "هذه الاحزاب تطالب بغير ما تعلنه وأي رئيس وزراء لا بد أن يخضع لإملاءاتها حتى يحصل على موافقتها".
ولفت إلى أنّ "المطلب الأبرز للقوى القريبة من إيران هو ألا يُفتح ملف سحب السلاح وإنهاء وجود الميليشيات، فضلاً عن ضمانات بعدم فتح ملف قتل المتظاهرين"، مردفاً "في حال ضمان الكاظمي لتلك الملفات سيمرر حكومته".
الدولة العميقة
أما الباحث في الشأن السياسي عزيز جبر شيال، فرأى أن "عقبات كبيرة تقف أمام حكومة الكاظمي، أبرزها الرضوخ لمطالب الكتل السياسية بخصوص اختيار التشكيلة الحكومية وفي حال عدم تحقيق ذلك ستظهر اعتراضات شديدة عليه تطيح به كما حصل مع علاوي والزرفي".
وأوضح أنّ "أبرز ما تريده تلك القوى هو بقاء العلاقة بين العراق وإيران على ما هي عليه، فضلاً عن الاستمرار في مفاوضات إخراج القوات الأميركية"، مبيناً أن "الأمر الأول يمكن تحقيقه من خلال صفقة عراقية - أميركية - إيرانية بتمديد فترة الاعفاء".
ولفت شيال إلى أنه "إذا لم ترض الدولة العميقة التي يقودها حمَلة السلاح والميليشيات، ولم تتم طمأنة إيران إلى ضمان مصالحها من خلال اتفاقات تسبق التشكيل، فإن الحكومة لن تمر".
وعبّر عن اعتقاده أن "الكتل السياسية القريبة من إيران تريد بقاء عبد المهدي في منصبه"، مستدركاً أن "الرابح في الحالتين هو الدولة العميقة، حيث أنها أمام خيارين إما رضوخ الكاظمي لمطالبها أو رفضه وبقاء عبد المهدي".
إجماع سياسي
في السياق ذاته، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إن "أدوات الكاظمي هي الاجماع السياسي الذي حصل عليه في التكليف، وهذا الدافع الرئيسي لقبوله بالمنصب"، مبيناً أن "الرئيس المكلف يدرك أن هذا الاجماع سيحقق له الغالبية البرلمانية، فضلاً عن أن الأطراف السياسية واقعة تحت ضغوط تدفعها إلى إنهاء ملف رئاسة الوزراء".
وأضاف أن "بقاء عبد المهدي أحرج داعميه، إذ لم يعد بقاؤه في ظل سوء الإدارة والعجز عن معالجة الأزمات مقبولاً. ويوضع ذلك في حسابات الكاظمي كمسهّل لعملية منحه الثقة".
ورجّح الشمري حصول الكاظمي على ثقة البرلمان، مشيراً إلى أنّ "الرغبة في التهدئة الأميركية - الإيرانية ومحاولة الحصول على استقرار سياسي نسبي، ستكونان من العوامل الضاغطة لإمراره".
وبشأن الحصص الوزارية المتوقعة في الحكومة المقبلة، بيّن الشمري أن "العودة إلى منح وزارات لصقور الأحزاب قد لا يكون مقبولاً من قبل الشارع العراقي والكاظمي أيضاً، وهذا ما باتت تدركه القوى السياسية"، معبراً عن اعتقاده بأن "القوى السياسية ستحاول إيجاد آلية جديدة في هذا السياق كجزء من عملية الخروج من التصادم مع الكاظمي".
وأشار إلى أن "عدم فتح قضية قتل المتظاهرين سيؤلّب الشارع العراقي على الكاظمي، فضلاً عن كونها مطلباً للمرجعية الدينية، ولا يمكن له تجاوز تحقيقها"، مرجحاً إحالة الأمر إلى القضاء وإعادة فتح التحقيقات.