التشكيلة الحكومية العراقية عالقة بين "الإملاءات" والنمطية السياسية
بعد إعلان رئيس الوزراء العراقي المكلف مصطفى الكاظمي إكمال تشكيلته الحكومية، في ظل حديث عن تقديمها في غضون الأيام الـ 10 المقبلة، للتصويت عليها في البرلمان العراقي، كثرت الترجيحات عن شكل التوافقات السياسية واحتمالية عودة المحاصصة في سياق التشكيلة الحكومية.
حرية الاختيار
ويبدو أن تأييد القوى الشيعية لا يزال مستمراً، وعلى الرغم من حديث الكتل السياسية وتحديداً الشيعية، أنها ستتنازل عن استحقاقاتها الانتخابية وتعطيه حرية الاختيار في تشكيلته الحكومية، إلّا أنّ نواباً أكدوا أن بعض الكتل تريد ترشيح ثلاث شخصيات لكل وزارة، وإعطاء الكاظمي حرية اختيار أحدهم، ما يعطي انطباعاً برغبة سياسية في عودة المحاصصة إلى التشكيلة الحكومية المقبلة.
وعلى الرغم من حال الانسداد السياسي الذي تعيشه البلاد، يبدو أن الكتل السياسية لا تزال تلمح إلى إمكانية أن تعيد طرح خياراتها في ما يتعلّق بالمحاصصة وتقاسم السلطة، إلّا أنّ ما قد يسهم بإمكانية أن يضغط الكاظمي لتمرير خياراته، هو الرغبة السياسية الملحة في إنهاء ملف الحكومة العراقية، الذي يشهد تعقيدات منذ أشهر عدّة.
ولعل التفاهمات في إطار إدارة المرحلة المقبلة، تحديداً بالنسبة إلى القوى القريبة من إيران، في صياغة نوع من التوازنات السياسية وإدارة مرحلة الصراع بين طهران وواشنطن في العراق، قد تعطي الكاظمي هامشاً من الحرية في إدارة ملف اختيار التشكيلة الحكومية.
تمسّك بالترشيح للوزارات
وعلى الرغم من هامش الحرية المعطى للكاظمي، إلّا أنّ نواباً تحدثوا عن آلية مغايرة في إطار تشكيل الحكومة.
في هذا الإطار، قال النائب عن "ائتلاف دولة القانون" علي الغانمي لـ "اندبندنت عربية"، "بعدما جرى التكليف بهذا الإجماع الوطني، هناك مشاركة حقيقية في الحكومة، من خلال التأييد أو تقديم مرشحين للوزارات"، مضيفاً "الآلية التي ستُعتمد هي أن يتسلّم الكاظمي من الكتل الراغبة في الترشيح أسماء ثلاثة مرشحين يختار أحدها، وبعض الكتل أعطته حرية الاختيار".
ورجّح أن "تقدّم الكتل كافة مرشحيها في النهاية"، كاشفاً عن أن "هناك لجاناً ستنبثق من الكتل السياسية المؤيدة للتكليف لمعاينة الأسماء المقترحة ومدى إمكانيتها في أداء المهام الموكلة إليها"، وموضحاً أن "لرئيس الوزراء المكلّف الحسم النهائي في الخيارات لأنّه هو من سيتحمّل المسؤولية".
وأشار إلى أنّ "مهام الكاظمي الأساسية هي إجراء الانتخابات وتقييم العلاقات الخارجية ودراسة ملف إخراج القوات الأميركية"، مردفاً أنه "لا وجود لشرط أن يكون المرشحون للمناصب الوزارية من غير السياسيين، لكن هناك شرط الخبرة والنزاهة والاختصاص". وتوقّع أن تنال الحكومة ثقة البرلمان بسرعة لأنّها تحظى بدعم سياسي كبير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما رئيس تحالف "الفتح" في البرلمان العراقي محمد الغبان، فقال في تصريحات للوكالة الرسمية، إن "الكتل السياسية اتفقت على تشكيل فريق استشاري، يمنح صلاحية اختياره للمكلف من أجل الإسراع في حصول التوافق على أسماء الكابينة الوزارية ودراسة سيرهم الذاتية لضمان نجاح عقد الجلسة الاستثنائية، ومنحهم الثقة وعدم تكرار ما حصل مع محمد توفيق علاوي".
وأضاف أن "تشكيلة الكاظمي ستضمّ خليطاً من المستقلين والسياسيين الذين ليسوا من الصف الأول، ولديهم رؤية في إدارة البلد مع مراعاة معايير النزاهة والكفاءة في الاختيار". وأشار إلى أن "الكتل السياسية تحرص على منح الثقة لحكومة الكاظمي قبل حلول شهر رمضان المبارك، مراعاةً للوضع الراهن ولصعوبة عقد جلسة بعد هذا الموعد".
تخويل "البيت الشيعي"
في السياق ذاته، نفى مصدر مقرب من كواليس تشكيل الحكومة العراقية لـ"اندبندنت عربية"، أن يكون الكاظمي قد قبل بطرح كهذا، وأنه متمسك بتعهدات قادة الكتل الشيعية بتخويله تشكيل الحكومة بمعزل عن إرادتها، كاشفاً عن "اتفاق مسبق مع قيادات الكتل السياسية على تخويل الكاظمي في تشكيل الحكومة". وأضاف "الآلية التي ستُتّبع تقضي بأن يختار رئيس الحكومة المكلف قائمته ويذهب بها إلى النقاش مع الكتل السياسية"، موضحاً أن "الكاظمي لا يرفض فكرة أن تقدم الكتل مرشحين، شرط أن يخضعوا لمعايير الكفاءة والنزاهة والقدرة على القيادة". وأكد أن "تشكيلة الكاظمي مكتملة لكن لم تجرِ مناقشتها مع الأطراف السياسية حتى الآن"، مردفاً أنّ "الكتل لم تقدم حتى الآن أي أسماء مقترحة على المكلّف". وتابع أن "الكاظمي غير ملزم بما يراه الخط الثاني والثالث في القوى السياسية، إلّا إذا تراجعت الزعامات عن تخويلها السابق له".
ولفت المصدر نفسه إلى أن "الصراع الحالي هو بين تطبيق تعهدات زعماء القوى الشيعية بمنحه تخويل تشكيل حكومته، وبين بقايا النمط السابق لتشكيل الحكومة الذين يعتقدون أن بإمكانهم الحصول على مكاسب"، مؤكداً أن "تشكيل حكومة بالنمط السابق بات مستحيلاً والكاظمي لن يتراجع عن شروطه". وعن التفاهمات مع القوى السياسية السنية والكردية، بيّن المصدر أنه "لم تبدأ حتى الآن التفاهمات مع تلك القوى".
تغيير نمط المحاصصة
من جانبه، أعرب الباحث في الشأن السياسي هشام الموزاني، عن اعتقاده بأنّ "ما يجري من تصريحات بخصوص ترشيح الكتل لوزراء يختار من بينهم الكاظمي، هو محاولة لتغيير شكل المحاصصة أو تعديل صيغتها كنوع من المناورة"، مبيناً أن "هذا المنهاج أخطر من المحاصصة المباشرة، ويعطي إمكانية المناورة والديمومة للنظام السياسي بوجوه مختلفة". وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "خضوع رئيس الحكومة المكلف لإملاءات القوى السياسية، سيؤسس لمرحلة خطيرة تنتج حالة رفض شعبي مسبق من قبل الشارع الذي ينتظر شكلاً سياسياً مختلفاً عمّا كان سائداً في المراحل الماضية". ولفت إلى أن "حديث الكاظمي بحدة وجرأة أقل من المرشحين السابقين قد يحمل وجهين، إمّا أنه يحاول أن يحصل على تأييد القوى السياسية في المرحلة الحالية ثم يشرع بتنفيذ مطالب أكثر حدة، أو أنه جاء وفق تسوية ستستمر ويطول أمدها". واعتبر أن "الإشكال الحقيقي الذي قد يواجه الكاظمي في سياق العرف السائد سياسياً، هو أن التفاهمات لا يتم الالتفاف عليها بعد تشكيل الحكومة، وفي ما لو التفّ على الاتفاقات مع القوى السياسية قد تجري إقالته بسهولة، خصوصاً أنه من خارج الوسط السياسي ولا يحظى بكتلة برلمانية".
استحقاق شعبي
في المقابل، رأى الباحث والأكاديمي طالب محمد كريم أن "النظام السياسي أو ما يُطلق عليه التوافق الوطني لم يعد صالحاً في سياق بناء الدولة، وأنه بات ضاغطاً كبيراً على إمكانية النجاح". وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "المتغيرات التي جرت على الساحة السياسية ما بعد انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول)، تفرض الاستحقاق الشعبي وليس السياسي الانتخابي"، لافتاً إلى أن "على الكتل السياسية مغادرة عقلية الاستحقاق الانتخابي، لأن الحكومة المقبلة هي حكومة استحقاق شعبي".
وتابع "ليس هناك من جديد على النمطية السياسية المعتادة، والقوى السيادية تحاول العودة إلى السياق ذاته الذي بُنيت عليه الحكومات السابقة، وهذا يعيدنا إلى الإشكال عينه الذي أدى إلى اندلاع انتفاضة أكتوبر". وأشار إلى أن "الكتل السياسية غير مستعدة للتنازل عن المناصب حتى في إطار حكومة يُفترض أنها مؤقتة، والمخاوف الرئيسة تتعلّق بعدم رغبتها في كسر العرف السياسي المحاصصاتي السائد، فضلاً عن الخوف من نجاح حكومة مستقلة بعد فشل حكومات التوافق السابقة"، مردفاً "هناك تجاهل كبير لمطالب المحتجين، وخديعة كبيرة جداً".
ضغوط كبيرة على الكاظمي
أما الكاتب والإعلامي فلاح الذهبي، فاستبعد أن "تعطي الكتل السياسية حرية الاختيار للكاظمي والأمور ماضية باتجاه المحاصصة"، مبيناً أن "القوى السياسية الكردية والسنية لن تتنازل، وعليه أن يطمئن هذه الكتل بإعطائها حصصها في الحكومة المقبلة". وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "الكتل الكردية والسنية تشعر أنها غير ملزمة بتفاهمات قادة الكتل الشيعية، لأنها تعتقد أن الاحتجاجات تنطلق من الشارع الشيعي الناقم على ممثليه السياسيين"، مبيناً أن "هذا الطرح هو بداية الضغط على حكومة الكاظمي".
وتابع أن "الكتل السياسية لا تريد التنازل عن حصصها حتى لا تخسر مستقبلها السياسي، فضلاً عن المخاوف من المساءلة القانونية والخسائر الاقتصادية". وأشار إلى أن "عدم الرضوخ لخيارات الكتل يعني أنه لن يمرر ما قد يدفعه إلى القبول بسيناريوهات المحاصصة"، مستدركاً "قد ينجح الكاظمي في إقناع القوى السياسية بترشيح شخصيات من الخط الثاني ووجوه غير معروفة، لكن من المستبعد أن يمضي بحكومة"، على حد قوله.