هل ارتقى البرنامج الحكومي للمكلف الكاظمي لسلم الأزمات العراقية؟
البرنامج الحكومي الذي قدمه رئيس الوزراء العراقي المكلف إلى رئاسة البرلمان من أجل إقراره وتمريرهِ على أنه خطة عمل الحكومة، أثارَ حفيظة السياسيين والاقتصاديين العراقيين على حدّ سواء، ونال الكثير من النقد من صقور الاقتصاد والسياسة معاً.
العراق بين خراب البصرة والموصل
كشف برنامج المكلف عن تنامي حدة النقد الذي يُجابَه به السياسيون العراقيون وأطروحاتهم التي ما عادت تنطلي على المجتمع الذي يقارن سلوكهم وأفعالهم بحجم وكمية الدماء التي تُسفك في شوارع العاصمة والمحافظات والقصبات النائية التي تجد منذ سقوط الموصل 2014 أن ليس كل ما يقال من الساسة مسلمات يُعتدّ بها، فبات الشارع يضع نفسه بين خرابين: خراب البصرة في الجنوب واندحار الحياة الآمنة فيه، وخراب الموصل التي تدمرت بالكامل.
خطاب متعجّل لا يرتقي لأزمة البلاد
خطاب الكاظمي المُرسَل للبرلمان وُصفَ بالمتعجّل من الكثير من المراقبين، وقوبل أيضاً بسيل من الانتقادات السياسية والاقتصادية، حيث تجد فيه صياغة غير احترافية خصوصاً في شقّه الاقتصادي الذي ركّز على عموميات بعيدة عن توقعات الاقتصاديين من ذوي الاختصاص الذين كانوا ينتظرون برنامجاً عميقاً يقدّم حلولاً واقعية لأزمة العراق المركبة في معادلة فساد جذرية، فالبلاد تتصدّر دول العالم بالفساد، وفق تصنيفات الشفافية الدولية، ناهيكَ بتحديات أخرى تجابهها البلاد اقتصادياً نتيجة انخفاض أسعار النفط وتناقص كميات تصديره بعد قرار منظمة أوبك التي قلصّت حصة العراق أكثر من مليون برميل يومياً، يقابل ذلك تناقص مستمر في الإيرادات الشهرية التي لا تكفي حتى لدفع رواتب الملايين الثمانية من الموظفين، في ظل اقتصاد ريعي قائم على منتج واحد هو النفط، وإدارة سياسية لم تستفد من الموارد الهائلة التي تدفقت عليها منذ رفع الحصار الاقتصادي عام 2003، والتي فاقت تريليون ومئتي مليار دولار لغاية العام الماضي!
رؤية قاصرة وتحديات جمة
يعزو المتخصص الاقتصادي العراقي، ثائر الفيلي، هذا القصور إلى الرؤية التي أطّرت المنهاج الحكومي، حيث إنها ناجمة عن "كون فريق العمل الذي كتب البرنامج ليس بفريق قادر على إحداث تنمية اقتصادية لينهض بالواقع الاقتصادي وزيادة الإنتاج الوطني في العراق الذي يمرّ بأزمات كثيرة، يبدو أن الفريق بعيد عن هذا الجو، وما يملكه رؤية عامة فقط".
مجلس إعمار قديم- جديد
والمفاجأة أن البرنامج الحكومي قد دعا إلى الإعلان عن تشكيل مجلس أعلى للإعمار، في الوقت الذي فيه المجلس مشكّل فعلاً من أيام حكومة إياد علاوي الذي أوكل هذه المهمة إلى برهم صالح الذي كان يتولى مسؤولية نائب رئيس مجلس الوزراء حينها، واليوم هو رئيس للجمهىورية.
وخلال ندوة حوارية، كشف الفيلي أن أزمة العراق الكبرى تكمن في القطاع المصرفي الذي وصفه بأنه مجرد "دكاكين" قال عنها إنها "غير مساهمة في عملية التنمية، بل هي معضلة للتنمية في العراق كونها تعتاش على مزاد العملة حين تبيع الدولة عملتها الصعبة على التجار الذين يأخذون أرباحها ويعملون على تهريب رؤوس الأموال خارج العراق، أما المصارف الحكومية فهي لدفع الرواتب فقط!".
المصارف ودورها في دعم القطاعات
المنهاج الحكومي افتقر إلى رؤية واضحة لدور هذه المصارف وآليات تفعيلها في دعم قطاعات حيوية، كالزراعة والصناعة والإنشاءات، التي من شأنها أن تحرّك الدورة الاقتصادية المتوقفة منذ 2003، والتي خلفّت ملايين العاطلين عن العمل وجيوش الموظفين "الفضائيين" الذين يأخذون رواتب بلا عمل. مجرد أسماء مدرجة في سلم الوظائف التي ابتكرتها أحزاب السلطة وميليشياتها. فقد أغفل البرنامج هذه الظاهرة وكيفية التخلص منها، حيث إنها تستنزف موارد البلاد وتلغي أي كلام عن الاستثمار وتطوير البناء والإعمار.
العاصمة المتراجعة حضارياً
أغفل البرنامج الحكومي أيضاً أي تصوّر عن رفع قيمة تنمية العاصمة بغداد التي تعاني من تراجع مستمر في الخدمات وهيمنة إدارات مختلفة عليها، وسط غياب الحكومة الإلكترونية التي طالب أغلب المطورين المنادين بها بالشروع فيها من دون جدوى. بغداد للأسف لا تزال قابعة في القرن الماضي مع اندثارات متلاحقة حلت بها، جعلت "عاصمة الرشيد"، كما كان يصفها العراقيون، مدينة لاحتساء الألم من سكانها الأصليين، تعاني الاندثار الذي حلّ في شوارعها التي توصف بـ"مدينة أشباح" في بعض مناطقها، وكما في شارعها الأثير "الرشيد"، الذي لا يمكن أن يتخيل أي زائر لبغداد قبل عام 2003 مرآه الآن، إن جازف ومرّ به؟!
الاقتصاد سر الحلول
ودعا المتخصص الاقتصادي، مازن العبودي، المكلف الكاظمي إلى تضمين اهتمام أكبر في برنامجه الحكومي لمعالجة الجانب الاقتصادي المفقود، الذي من شأنه أن يوفّر مخارج الحلول لأزمات البلاد السياسية لو اهتمت حكومته، قائلاً إن أخطاء الحكومات وعلى مدار 17 عاما خلت، تكمن في التركيز على الأهداف الصغرى والابتعاد عن تحقيق الهدف الأسمى والأكبر المتمثل بتحسين المستوى المعيشي للشاب العراقي، ويرى أن العراق قد فشل في تنفيذ برامج حكومية قابلة للتنفيذ بمحاور متعددة وبفترات زمنية واضحة ومحددة، لا سيما المشاريع ذات الأولوية، فقد شهدنا نسب إنجاز 60 في المئة فقط لمشاريع حكومية اتصفت بكونها فضفاضة وغير عملية، على حدّ قول العبودي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مجلس إعمار واستثمار
وقد عولّ البرنامج الحكومي على مجلس الإعمار كمفتاح لحل الأزمات، وتفعيل دوره في التخطيط وتحديد الأولويات في اختيار المشاريع وتراتبيتها الزمنية، لكن العبودي يرى ضرورة أن يقترن ذلك بخطوة لاحقة، وهي "ربط هيئة الاستثمار بمجلس الإعمار، لأن مشاريع المجلس يجب أن تنفذ عن طريق الاستثمار وغيرها من الطرق بعيداً عن الموازنة العامة للعراق، مما يسهم في جذب الاستثمارات وإيجاد فرص العمل وتشغيل مئات المصانع المتوقفة منذ 2003".
بدائل النفط الملحة
إن من أكبر التحديات التي يواجهها العراق توفير البدائل المالية عن النفط، وهي كثيرة وممكنة إذا ما توفّرت رؤية عملية في استثمار الموارد كالغاز والفوسفات وإعادة مصانع البتروكيماويات والمصافي التي من شأنها تخفيض النفقات ورفع إنتاجية المجتمع وفتح منافذ للإيرادات ووقف الاعتماد على الاستيرادات التي تنهك الميزانية العراقية، وحاجة البلاد للطاقة التي أنفق عليها أكثر من ستين مليار فقط لقطاع الكهرباء. الطاقة باتت تستنزف الميزانية العامة للبلاد، في حالة هدر لم يتوقف في بلد كان مصدراً للطاقة! وهذا الموضوع الحيوي لم يأخذ حيزاً في البرنامح الحكومي الذي هو جوهر الانحدار الاقتصادي في البلاد. يقول العبودي إن "البرنامج الحكومي مقتضب ولا يتحدث بالتفاصيل، وإنما برؤوس أقلام، وهذا ما يعطي انطباعاً بأن المكلف يشير إلى حكومة مؤقتة، في حين أن عناوين حكومته كبيرة وتحتاج إلى الكثير من العمل".
حكومة بمهمة واحدة ووزارات كثيرة
لقد بدا البرنامج الحكومي قاصراً ومهملاً لمعالجات عملية كثيرة انتظرها جيل من العراقيين كانوا وراء إسقاط حكومة عادل عبد المهدي بأمل أن تأتي حكومة بديلة وهي بكامل أطقمها الوزارية، لكنّ المكلف الكاظمي أطّر مهمة الحكومة المقبلة بإجراء الانتخابات المبكرة بعد استكمال القانون الانتخابي وتفعيل مفوضية الانتخابات وتطبيق كامل لقانون الأحزاب على أن يتم كل ذلك بالتعاون مع الأمم المتحدة، يسبقه فتح حوار وطني والإصغاء لمطاليب الاحتجاجات التي تهدّد بالاستئناف في حال عدم محاسبة قتلة المحتجين منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.